انخفاض التضخم.. ضبابية المؤشرات و الأرقام.. واقع الحال..!

 

منذ أشهر وبدأ معدل التغير الشهري (التضخم) يشهد انخفاضاً في معدلاته مقارنة بارتفاعها، بينما شهدت أسعار السلع الاستهلاكية ارتفاعاً متواصلاً طيلة الأشهر السابقة وحتى تاريخه، وقياساً على ذلك يستمر الجهاز المركزي للإحصاء في مدة بيانات للجمهور حول نسبة معدل التضخم بصورة دورية، إلا أن بعض الأرقام الواردة شهرياً و التي تؤكد انخفاض التضخم ووفقاً لمراقبين محل تشكيك في صحتها، على اعتبار أن المستوى العام للأسعار ما زال دون أي سقف، ونظراً لحديث بعض الاقتصاديين فإن انخفاض معدل التضخم لا يعني انخفاض أسعار السلع الأساسية وإنما يعني انخفاض معدل زيادة الأسعار، بالإضافة إلى أن ما حدث من انخفاض في التضخم جاء نتيجة لارتفاع معدل الركود في الأسواق قياساً بأسعار الدولار، إلى جانب انخفاض دخل الأسر السودانية، مما أدى ذلك إلى خفض استهلاكها اليومي من السلع الضرورية، وعلى وجه التحديد.. يرى البعض أنه منذ انقلاب 25 أكتوبر في 2021، أصبح الجهاز المركزي للإحصاء يبشر بالاندثار التدريجي للتضخم الجامح الذي تسببت فيه سياسات حكومات حمدوك.

انخفاض التضخم
وكما أعلن الجهاز المركزي للإحصاء بالسودان، عن انخفاض معدل التضخم لشهر يونيو مقارنة بشهر مايو رغم استمرار أسعار السلع الاستهلاكية في الارتفاع، وكشف الجهاز – في بيان – عن أن معدل التغيير السنوي (التضخم) لشهر يونيو سجل 148.88% مقارنة بمعدل 192.21% لشهر مايو بانخفاض قدره 43.33 نقطة، مضيفاً أن معدل التضخم لمجموعة الأغذية والمشروبات سجل 106.11% لشهر يونيو مقارنة بمعدل 114.60% لشهر مايو، فيما سجل التضخم الأساسي بدون مجموعة الأغذية 176.94% بشهر يونيو مقارنة بـ253.02 لشهر مايو، فيما سجل التضخم للسلع المستوردة في سلة المستهلك 104.74% لشهر يونيو.

موجة تضخمية
الباحث الاقتصادي الدكتور، هيثم محمد فتحي، يرى أن انخفاض معدل التضخم لا يعني انخفاض أسعار السلع، وإنما يعني انخفاض معدل زيادة الأسعار، ويؤكد أن النسبة وبلا شك معدل عال جداً من التضخم، وقال.. من المفترض أن ينخفض هذا المعدل أكثر من ذلك بكثير ، ويضيف أن التضخم كان مرتبطاً بسعر الدولار، واصفاً الاقتصاد السوداني الآن في أوج ضعفه، مشيراً إلى أن هناك عرضاً كبيراً للسلع مقابل انخفاض في الطلب، وزاد بالقول المواطن بات على موعد مستمر مع زيادات الأسعار و التي قال لا يقتصر تأثيرها السلبي فقط على المواطن بل تمتد إلى الأسواق التي تصاب بحالة كساد وربما ركود مزمن وتراجع في الإنتاج، وتوقع د. فتحي في تصريح ل(اليوم التالي) أن تشهد الفترة القادمة موجة تضخمية لن تعكسها أرقام جهاز الإحصاء، وقال (كل ما يحدث الآن هو نتيجة لفقد الجنيه لقيمته الشرائية بسبب سياسات التمويل بالعجز)، منوهاً إلى أن الدولة تريد تغطية نفقاتها بزيادة مصادر الإيرادات ولو على حساب المواطن، و بالتالي ظل التضخم الحالي عالياً جداً ولا يتناسب مع دخل الفرد، وأضاف بالمقارنة مع عدد من دول العالم التي غالباً ما يكون التضخم فيها في حدود واحد إلى سبعة في المئة، وأكد أن ما حدث من انخفاض في التضخم جاء نتيجة ارتفاع معدل الركود في الأسواق، قياساً بأسعار الدولار، إلى جانب انخفاض دخل الأسر السودانية، وقال مما أدى إلى خفض استهلاكها اليومي من السلع الضرورية، وأشار إلى أن المواطن يشعر بانخفاض أسعار السلع في حال زيادة دخله الشهري، وأقر بأن الزيادة في الأسعار أمر مطلوب من أجل تحفيز المصنعين والمنتجين على زيادة إنتاجهم في الأسواق على أن تكون نسبة زيادة الأسعار معقولة.

مؤشر التضخم
وعدد د. فتحي أبرز أسباب التضخم المالي في البلاد، والتي تعود إلى زيادة حجم الإصدار النقدي لتمويل عجز الموازنة، إضافة إلى نقص في الصادرات وزيادة حجم الاستيراد، وقطع بأن التضخم يؤثر سلبًا على شريحة كبيرة من المجتمع، خاصة فئة محدودي الدخل وأصحاب الدخول الثابتة والمعاشات، الذين تزداد معاناتهم جراء ارتفاع مستويات الأسعار، نظرًا لانخفاض مستويات دخولهم الحقيقية، وأفاد.. كذلك تدني دخل الفرد في السودان يرجع بسبب معاناة الاقتصاد من معدلات البطالة القياسية، وتراجع الإيرادات العامة والمنح للحكومة، ما أدى إلى ارتفاع العجز الكلي؛ خاصة مع استمرار التباطؤ في الاقتصاد، مضيفاً.. أن العملة الوطنية تعتبر من أكثر العملات في العالم والتي تعاني من التضخم؛ سيما الارتفاع المتزايد لأسعار السلع والخدمات أكبر مؤشر للتضخم المالي في السودان.

الاندثار التدريجي
المحلل الاقتصادي الدكتور، وائل فهمي البدوي، يرى أنه منذ انقلاب 25 أكتوبر في 2021، على وجه التحديد، أصبح الجهاز المركزي للإحصاء يبشر الشعب السوداني بالاندثار التدريجي للتضخم الجامح الذي تسببت فيه سياسات حكومات حمدوك، حيث أفاد الجهاز المركزي للإحصاء هذه المرة بأن التضخم لشهر يونيو ٢٠٢٢ قد انخفض إلى 149% بدلاً من 192% رغم أن التضخم الأساسي (الجامح بدون الأغذية أيضاً) بارتفاع قدره 177%، أي أعلى من متوسط المعدل الكلي للتضخم المحسوب، وتابع قائلاً : رغم ذلك فإن بيانه الأخير هذا يشير بوضوح شديد إلى أن بنود مكونات حساب هذا التضخم الشهري (كالأغذية لوحدها قد سجلت ارتفاعاً مقداره 106% ومستويات الأسعار للسلع المستوردة 105% لشهر يونيو و رغم استمرار الحرب الروسية – الأوكرانية على أسعار الغذاء المستورد والوقود عالمياً؛ أجبرت دول العالم المتقدم من رفع أسعار الفائدة بمعدلات كبيرة وفق تقديراتهم الخاصة بهم.

انتقاد مستمر
وقال د. فهمي – عبر حديثه ل(اليوم التالي) – رغم الظروف المحلية والعالمية المضطربة لصالح ارتفاعات كبيرة في الأسعار إلى حد إفلاس بعض الدول الآسيوية والعربية واللاتينية، وأبان فإن الجهاز بناء على ذلك يرى أن معدل التضخم في شهر يونيو قد انخفض عن الشهر الفائت بفارق 43 نقطة مئوية، ونوه إلى أنه بسبب عدم نشر الجهاز المركزي للإحصاء لطرق حساب هذا المعدل ومبرراته للجمهور، فإنه يتعرض لانتقاد مستمر مع عدم تصديقه، لافتاً إلى كما هو واضح في الوسائط الاجتماعية مما يفقده ثقة هذا الجمهور في إحصائياته التي ينشرها وبما لا يساعد الحكومة على إمكانياتها في السيطرة على توقعات الأسواق المحلية والأجنبية.

طريقة المقارنات
وأرجع السبب لاعتماد الجهاز على طريقة المقارنات السنوية للشهور لبعضها البعض، لتحديد التضخم الشهري، ونوه إلى أنه تم التنبيه إلى أن هذه الطريقة غير مجدية وغير عملية في ظل استمرار تفاقم الأسعار الجامحة السائدة بمختلف الأسواق، وأوضح أنها لا تؤكد على سلامة أو موضوعية التغييرات الشهرية ﻷسعار السلع والخدمات الاستهلاكية التي يشتري بها المستهلكين احتياجاتهم من الأسواق بما يجعلهم باستمرار في حالة استغراب شديد من المعدلات التي ينشرها الجهاز، وتابع بالقول إنه نتيجة لغياب توضيح أسباب انخفاض هذا المعدل، غير التغير في أرقام مكوناته، فإن الجهاز يدخل المهتمين ببياناته في القيام بالتكهنات التي قد لا تكون واقعية، ولكن لا يمكن أن تثبت بأنها خيالية، وزاد قائلاً : ذلك طبيعي بسبب غياب المفسرات الرسمية التي حركت تلك الأسعار إلى الأسفل في بيان الجهاز المركزي للإحصاء، وبالتالي فكأنه يريد أن يقول إن تبريرات هذا الانخفاض ترجع إلى الانكماش الحاد في القوى الشرائية للأسر ذات الدخل الثابت والضعيف من ناحية، بالإضافة إلى تأثير مواكب الثوار الأماجد في تقليص المشتريات الشهرية من السلع والخدمات لها، وذلك كما فعلت جائحة كورونا بالإغلاق الشامل، مما قلل من المتوسط الكلي لحجم المشتريات الشهرية للمستهلكين على نطاق السودان، مما انعكس بالتالي على انخفاض سرعة تنامي المستوى العام للأسعار في يونيو 2022، ومضى بالقول : إن عدم تفاعل الجمهور المحلي و الأجنبي بما ينشره الجهاز المركزي للإحصاء يفرض أهمية عدم إقصاء موضوع نشر أسلوب حساب هذا المعدل لتمكين ذات الجمهور من بناء توقعات واقعية ولبناء ثقة في أعلى درجاتها المطلوبة في منشورات الجهاز نفسه لأغراض دعم فعالية أي سياسة اقتصادية كانت للحكومات.

 

Comments (0)
Add Comment