قال موقع أوراسيا البحثي إنَّ الولايات المتحدة الأمريكية تقود سباقاً دولياً محموماً، من أجل تغيير الجغرافيا السياسية للبحر الأحمر في ظل التنافس الإقليمي والدولي للسيطرة على الممر المائي الاستراتيجي.
ويضيف أنَّ هناك حدثين على الجغرافيا السياسية للبحر الأحمر الذي يقع فريسة بين سياسة توسع القوى العظمى والتنافسات الإقليمية، أولهما قرار الولايات المتحدة الأمريكية بإنشاء فرقة عمل متعددة الجنسيات جديدة للتركيز على منع تهريب الأسلحة والمخدرات في مياه اليمن وحولها؛ والقرار الإيراني لتعزيز وجودها في منطقة البحر الأحمر إلى الاتجاهات المعاكسة التي قد تغيِّر الجغرافيا السياسية للبحر الأحمر.
سياج بحري
وتسعى إنشاء فرقة العمل المشتركة 153 من قبل الولايات المتحدة إلى التركيز على الجهود الدولية للأمن البحري وبناء القدرات في البحر الأحمر، وباب المندب وخليج عدن إلى موازنة عمليات إعادة التقييم الإقليمية مع الولايات المتحدة، إذ ستكون الفرقة جزءًا من القوى البحرية المشتركة التي يقع مقرها الرئيسي في المنامة عاصمة البحرين.
والتطور المهم الثاني، إعراب وزير الدفاع الإسرائيلي بيني جانتز عن مخاوفه بشأن الوجود العسكري الإيراني في منطقة البحر الأحمر. وقال إنه في الأشهر الماضية، حددنا أهم بؤر الوجود العسكري الإيراني في المنطقة، في العقد الماضي بعد عام 2015 ومع تكثيف الحرب في اليمن، أصبح الوجود العسكري الإيراني المتزايد، جزئياً لدعم المتمردين الحوثيين، في منطقة البحر الأحمر مسألة مثيرة للقلق بالنسبة للدول العربية وإسرائيل.
وشجع البرنامج النووي الإيراني والسياسات الإقليمية العدوانية في جميع أنحاء الشرق الأوسط منافسات استراتيجية مع دول إقليمية مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إذ أن الوجود الإيراني يثير مخاوف أمنية لإسرائيل ويضمن وجودًا عسكريًا لها فى ممر مائي عالمي رئيسي.
بصمة عسكرية
وضمن موجة توسيع البصمة العسكرية العالمية في البحر الأحمر في السنوات القليلة الماضية، أنشأ اللاعبون العالميون والإقليميون قواعدهم العسكرية ويحتوي البحر الأحمر على سبع دول تتمثل في مصر والسودان وإريتريا وجيبوتي وتشكل الجناح الغربي، بينما تشكل المملكة العربية السعودية واليمن الخط الساحلي الشرقي. ويقع ميناء ايلات في إسرائيل في
الركن الشمالي الشرقي من الممر المائي الاستراتيجي من بين هؤلاء، مصر وإسرائيل والمملكة العربية السعودية والتي تعتبر دولاً من الوزن الثقيل في
حين أن الدول الأربع الأخرى والمتمثلة في السودان وإرتريا وجيبوتي واليمن دول ضعيفة، وفقيرة ومتقلبة، وهو ما يمثل بيئة مثالية لدخول اللاعبين العسكريين الإقليميين والعالميين.
إذ أعلنت روسيا عن خطط لإنشاء قاعدة بحرية في السودان بينما تحتفظ الصين بقاعدة عسكرية في جيبوتي. إن الضرورة لتوسيع التأثير وإنشاء وجود عسكري في أحد المسطحات المائية الرئيسية يدفع جهودهم بالنسبة للصين، أكد الإخلاء من ليبيا في عام 2011 ومن اليمن في عام 2015، ضرورة الحفاظ على قاعدة لها بالمنطقة ويشير وجود الولايات المتحدة والصين وروسيا في البحر الأحمر إلى الواقع المتطور المتمثل في تكثيف سياسة القوة العظمى.
دفع إقليمي
وفي سياق الحرب في اليمن، منذ عام 2015، سعت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية إلى الحد من قوة الحوثيين المدعومين من إيران وكذلك كبح التأثير الإيراني في منطقة البحر الأحمر الجنوبي، فقاموا بتوسيع نفوذهم وكذلك الوجود العسكري من خلال بناء شراكات مع السودان
وجيبوتي وإريتريا. وتريد تركيا إعادة بناء ميناء سواكن في السودان وتشارك قوى الشرق الأوسط بعمق في السياسة المحلية للدول الأفريقية الواقعة
في منطقة البحر الأحمر الأوسع، وتضيف المنافسات الإقليمية بين لاعبي الشرق الأوسط بعدًا مهمًا إلى الجغرافيا السياسية للبحر الأحمر.
وفي بعض النواحي، تذكرنا المنافسات المكثفة في منطقة البحر الأحمر بالماضي الاستعماري، اذ أسفرت المنافسة الاستعمارية المكثفة بين بريطانيا
وإيطاليا وفرنسا للسيطرة على منطقة البحر الأحمر إلى إنشاء مستعمراتهم على طول الساحل، حيث سيطرت بريطانيا على مصر والسودان واليمن
والصومال البريطانية، بينما كانت إيطاليا تسيطر على إريتريا والإيطالية والصومال، أما الوجود العسكري الفرنسي في البحر الأحمر الجنوبي من خلال قاعدته في جيبوتي هو سمة ثابتة من الجغرافيا السياسية الإقليمية.
وفرنسا فهي القوة الدافعة الرئيسية وراء مشاركة الاتحاد الأوروبي ومنظمة معاهدة شمال الأطلسي (الناتو) في المنطقة والتي أسفرت
عن تعزيز الاتحاد الأوروبي وجوده في البحر الأحمر من خلال عملية أتلانتا وحلف الناتو الذي يعمل عبر عملية أوشن شيلد . ويمتلك الاتحاد
الأوروبي أيضًا مهمة تدريب للصومال التي تقع بالقرب من البحر الأحمر.
مثالب ومكاسب
وعلى الرغم من الوجود العسكري العالمي المتزايد في المنطقة سارت حركة المرور البحرية عبر البحر الأحمر بسلاسة، وتم الاستفادة من الاهتمام
العالمي والإقليمي الأكبر بالبحر الأحمر من قبل الدول الإقليمية لجذب أقصى فوائد، فجيبوتي تستفيد من الإيجارات التي يدفعها أولئك الذين يديرون قواعد
عسكرية أجنبية. كما سعت كل من إريتريا والسودان إلى إنهاء عزلتهما من خلال الانخراط مع اللاعبين الإقليميين. ومع ذلك، فإن المشاركة الخارجية في المنطقة كان لها آثار ضارة أيضًا. تمزقت اليمن من قبل الحرب الأهلية والتنافس الإقليمي كما إن القرب بين قواعد الولايات المتحدة والصين في جيبوتي قد أدى إلى القلق.
أهداف مزدوجة
إن الخطوة التي تدور حولها الولايات المتحدة لتوضيح وجودها الاستراتيجي في المنطقة له هدف مزدوج، فهي تهدف لتغيير التصور بأن التأثير الأمريكي في المنطقة قد يتلاشى ولضمان أصدقاء مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة التي لا تعمل فيها الولايات المتحدة بشكل مباشر.
علاوة على ذلك، تسعى الولايات المتحدة أيضًا إلى تعاونها في زيادة إنتاج النفط في أعقاب الاضطرابات الناجمة عن حرب روسيا وأوكرانيا المستمرة.
إنَّ الوجود العسكري الإيراني المتزايد إلى جانب التأخير في إحياء الاتفاق النووي، وتكثيف المنافسات بين روسيا والغرب يهدِّدُ الأمن الإقليمي.