الكوافير.. العالم السري للنساء في السودان

الكوافير هو العالم السري للنساء، حيث تجد كل امرأة مساحة للعناية بجمالها والترفيه والترويح عن نفسها. ولا ينظر إلى الكوافير كمكان لتقديم الخدمات فحسب، وإنما كمساحة خاصة بالنساء، يجدن فيها الراحة النفسية، ويفضفضن فيها بمشكلاتهن، ويتشاركن النصائح، ويروين قصص الأبناء والأزواج. وتنشأ علاقات صداقة بين عاملات الكوافير والزبائن، إذ تقدم لهن النصائح التجميلية، وطرق العناية بالبشرة والشعر. وداخل جدران الكوافير تنفصل المرأة لسويعات عن مشاكل العالم الخارجي، وتعود إلى ذاتها الداخلية الأنثوية.
ويبقى الكوافير عالمًا سريًا خاصًا بالنساء، لا يسمح للرجال بالاقتراب منه أو بمعرفة ما يدور في داخله، وتمارس فيه الطقوس والعادات السودانية مثل رسم الحناء التي تشتهر بها النساء السودانيات.
قصة كفاح نسوية
لكل سيدة عاملة في الكوافير قصة كفاح، إذ تعمل النسوة لإعالة الأسر والأطفال، وتوفير المصروفات اليومية، على الرغم من مشقة العمل والجلوس لساعات طويلة لتقديم الخدمات للزبائن.
التقت المحررة بـ”الخالة شادية” كما يُطلق عليها؛ عرفت نفسها بأنها من مواليد 1976 وبدأت في ممارسة رسم الحناء منذ الطفولة، وتلقت تعليمها حتى الصف الخامس الابتدائي قبل أن تتزوج. وتقول: “أحب العمل والحركة، ويمكنني العمل لمدة طويلة، فأنا لست امرأة كسولة”.
لدى الخالة شادية ثلاثة أطفال، تتكفل برعايتهم والصرف عليهم بعد الطلاق. وعن بيئة العمل في الكوافير الذي تعمل به، تقول: “لم أرَ من العاملات إلا كل خير، ولا توجد بين الفتيات مشاكل، أنا أكبرهن سنًا، فإذا نظرت إلى الفتاة أفهمها”. وتضيف: “أتعامل معهن كأخوات، أما صاحبة المحل، فتعاملنا كأخوات من دون إصدار الأوامر، وهذا من حسن الحظ”.
وإلى جوار الخالة شادية، كانت تجلس فاطمة وهي إحدى الزبائن. وقالت لـ”الترا سودان” إنها المرة الأولى التي تدخل فيها إلى كوافير، فهي من شرقي سنار، وفي القرى -بحسب زعمها- لا تذهب الفتيات إلى الكوافير إلا بعد الزواج، ووصفت انطباعها عن الكوافير بقولها إن “الوضع جيد”.
فتيات مثقفات
بخلاف المعتقد السائد عن الفتيات العاملات في مجال الكوفير، بأنهن غير متعلمات ومن خلفيات مظلمة، وجدت المحررة الفتيات على درجة عالية من الثقافة والمهارة وحسن الحوار، وتلقت بعضهن تعليمًا جامعيًا، لكن ونظرًا إلى الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد، وجدن أنفسهن في مجال الكوافير النسائي.
وفي هذا الصدد تقول هالة وهي إحدى العاملات إنها لا تهتم بحديث الناس إن وصفت بالجهل، مشيرةً إلى المثل السوداني: “العارف عزو مستريح”. وتتابع قائلةً: “درست الجامعة وبسبب ظروف الحياة خرجت للعمل لكسب الرزق، لتلبية احتياجاتي واحتياجات الوالدة”.
واستطردت: “عندما بدأت العمل تعرفت إلى عدد من البنات، منهن صديقة منذ الروضة ونشأنا معًا، وتربطني سابق معرفة بصاحبة المحل”. وتضيف: “أشعر بأن البنات هنا أخوات، وإلى اليوم لا توجد بيننا خلافات”.
قصة فاطمة
على الرغم من التطور الذي صاحب مجال التجميل في السودان، من انتشار أدوات المكياج وتصفيف الشعر والفيديوهات التعليمية على مواقع التواصل الاجتماعي للعناية الذاتية، إلا أن النساء ما زلن يفضلن اللجوء إلى محلات الكوافير للعناية بأنفسهن.
وتروي لنا فاطمة وهي إحدى العاملات بالكوافير أنها كانت تعمل في مشغل ثياب، وكان الراتب ضعيفًا لا يغطي احتياجاتها اليومية. وتقول إنها كانت تأتي إلى الكوافير لتبادل الأحاديث مع صديقة، ودخلت المجال عن طريقها، وصارت تعمل في مجال الشعر عمومًا، مثل الفرد والكي ونظافة الوجه. وتضيف: “الأرزاق بيد الله”.
التكاليف والأسعار
حسب عاملات في مجال الكوافير تتراوح أسعار الحناء من سبعة إلى تسعة آلاف جنيه، في حين تصل حناء العروس إلى (30) ألف جنيه، أما حنة الأيدي فتكلف ثلاثة آلاف جنيه. ويكلف مكياج العروس (100) ألف جنيه، بينما يكلف المكياج العادي ما بين (10) إلى (15) ألف جنيه. ويكلف حمام الزيت للشعر خمسة آلاف جنيه، وكذلك المكواة والاستشوار. فيما يكلف تنظيف الوجه والحواجب ثلاثة آلاف جنيه.
عالم جميل
وتقول سابينا شوقي وهي صاحبة محل كوافير لـ”الترا سودان” إن مجال الكوافير كان الأقرب لها لأنها لم تكمل تعليمها، بالإضافة إلى أنها امرأة مطلقة ولديها بنات، فكان لا بد من البحث عن مصدر دخل لإعالتهن. وبحسب قولها، لم تجد مشكلة كبيرة في العمل، سوى الإرهاق والإجهاد. وتضيف: “لكل مجتهد نصيب”.
وأوضحت أن الزبائن يشتكون في بعض الأحيان من غلاء الأسعار، لكنها وبحسب ما تقول “تجبر خاطر الناس”، ولا تنتقص من حق العاملات وإنما من حقها الخاص، لمعرفتها بظروف البلد. وتواصل حديثها: “ننتظر المواسم، وفي وقفة عيد الأضحى كان العمل كثيرًا وممتعًا في الوقت نفسه”. وتضيف: “كنا صائمين في يوم عرفة، وكان الهم الأول هو إرضاء الزبائن، وكنا سعداء بسعادة الجميع”.
وتكمل “تعلمت فن المكياج في نفسي ومن ثم الآخرين، وحضرت فيديوهات تعليمية فلا شيء مستحيل”. ووصفت عالم المكياج بـ”الجميل”.
يبقى الكوافير النسائي الوجهة الأولى لكل امرأة تبحث عن الاهتمام بذاتها، ويعد خلوة نسائية، تناقش فيها الهموم اليومية، وتطرح فيها الحلول لمشاكل الأبناء والأزواج، وتبوح فيه النساء بأسرارهن لأخريات.

 

 

الكوفير في السودان
Comments (0)
Add Comment