أثارت عودة العنف المسلح والفلتان الأمني إلى إقليم ”دارفور“ غرب السودان تساؤلات عن الأسباب.
ويأتي ذلك، وسط عجز السلطات الرسمية للدولة عن ملاحقة الميليشيات الخارجة عن القانون والقبض على المتورطين في هذا العنف وتقديمهم إلى العدالة.
وخلال الـ 36 ساعة الماضية قتل 28 شخصًا بينهم 5 عسكريين، في 3 حوادث منفصلة بالإقليم.
وقالت مصادر محلية لـ ”إرم نيوز“، أمس الجمعة، إن ”18 شخصًا قُتلوا في ولاية غرب دارفور، مساء الخميس، خلال هجوم نفذته ميليشيات تشادية على رعاة في منطقة تسمى بئر سليبة الحدودية، ونهبت كذلك نحو 100 رأس من الإبل، عبرت بهم الحدود غربًا“.
وعلى إثر تلك الحادثة، عقد مجلس الأمن والدفاع اجتماعًا طارئًا، أمس الجمعة، برئاسة رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، ونائبه الفريق أول محمد حمدان دقلو.
وبحث الاجتماع التطورات الأمنية في الإقليم عموما خاصة حادثة مقتل 18 شخصًا بواسطة ميليشيات تشادية.
وسبق الهجوم على رعاة الإبل، إعلان الشرطة السودانية مقتل 5 عسكريين بينهم ضابط إثر تعرضهم لكمين مسلح بولاية وسط دارفور غرب البلاد.
كما قتل 5 أشخاص آخرين خلال إطلاق نار بين مجموعتين من قبيلتي ”الرزيقات والمعاليا“ شرق دارفور.
ويوم الإثنين الماضي، قتل 4 مواطنين وأصيب اثنان آخران، في حادثتين منفصلتين، بولايتي شمال وجنوب دارفور، بحسب المتحدث باسم المنسقية العامة لمعسكرات النازحين واللاجئين آدم رجال.
غياب العدالة
وقال رجال، إن ”العنف المسلح في دارفور، لن يتوقف في ظل غياب العدالة“.
وأضاف في تصريح لـ ”إرم نيوز“ أن ”العنف حصد ما بين 500 – 600 شخص، خلال 6 شهور، إضافة إلى الآف الجرحى، والنازحين، أغلبهم من ولاية غرب دارفور“.
وأوضح أنه ”لا يتوقع أن يتوقف العنف المسلح في دارفور طالما ظلت اللجنة الأمنية لنظام البشير، تسيطر على السلطة في المركز حاليًا“.
واعتبر أن ”نظام الرئيس السابق عمر البشير، هو الذي سلح الميليشيات المنفلتة في دارفور، بينما ما زالت الدولة – مع اختلاف أنظمة الحكم – توفر لها الحماية حتى اليوم، وتمنع ملاحقتها جنائيًا“.
ودعا إلى ”تحقيق العدالة على الأرض لمحاصرة نشاط الميليشيات المفلتة، بدء بتسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي دون قيد أو شرط، لمحاكمتهم على الجرائم التي ارتكبوها في الإقليم“.
وطالب رجال بـ“هيكلة المؤسسات العدلية بالبلاد وإصلاح القضاء السوداني، بحيث يكون مؤهلا لمحاكمة المطلوبين للعدالة الداخلية، وفتح الباب امام الضحايا لأخذ حقوقهم بالقانون من المجرمين“.
مصالحات حميدتي
ويأتي تصاعد العنف المسلح في دارفور بالتزامن مع وجود محمد حمدان دقلو الشهير بـ ”حميدتي“، في الإقليم، منذ نحو شهرين، في زيارة قال إنها ”تأتي لأجل العمل على إنهاء العنف وبسط الأمن والاستقرار“.
وخلال وجوده في دارفور عقد حميدتي، عددا من اتفاقيات الصلح بين القبائل المتناحرة هناك، لكن يبدو ان الاتفاقيات الهشة، بدأت في التداعي بعد خروقات متكررة من الميليشيات المسلحة.
ويقول ناشطون مناهضون للسلطات العسكرية الحاكمة في السودان، إن حميدتي، يعمل على عقد مصالحات فوقية تجمع قيادات الإدارات الأهلية للقبائل، ليتمكن من تحقيق أهداف خاصة مرتبطة بـ ”استخراج الموارد المعدنية المتعددة والمتنوعة الموجودة شمال وغرب مدينة الجنينة وفي جبل مون وجبال كرينك“.
”هشاشة أمنية“
بدوره، قال المحلل السياسي المهتم بالشأن الدارفوري، عز الدين دهب، إن ”الهشاشة الأمنية في الإقليم ومنطقة غرب أفريقيا عمومًا، انتجت ميليشيات تنشط في السرقة والنهب، وقد تكون هذه الميليشيات عرضة للاستغلال بواسطة جهات لديها المصلحة في تأجيج الصراعات المسلحة“.
وأشار دهب، لـ ”إرم نيوز“ إلى أن ”هذه الميليشيات التي نشطت مؤخرًا في دارفور ربما تقف خلفها جهات تخطط لإفشال التحركات التي قام بها حميدتي، في استباب الأمن بدارفور، والمصالحات التي أجراها في المنطقة“.
ورأى أن ”الصراعات الخفية بين أطراف السلطة المركزية، الجيش من جهة والدعم السريع والحركات المسلحة من جهة أخرى، ينعكس سلبًا على الأوضاع الأمنية في دارفور“.
وحذر من ”استمرار حالة الفراغ السياسي والدستوري في البلاد، والتي قد تؤدي إلى توسع أحداث الفلتان الأمني وربما الحرب الأهلية“.
ودعا إلى ”ضرورة لملمة الخلافات السياسية وتشكيل حكومة تملأ الفراغ الإداري الحالي“.
وفي أواخر نيسان/أبريل الماضي، هاجمت الميليشيات المسلحة، منطقة ”كرينك“ بولاية غرب دارفور، على مدى يومين متتاليين، مما أسفر عن أكثر من 200 شخص وإصابة المئات، بحسب لجنة أطباء السودان.
من جانبه، رأى مدير مركز ”سلام مديا“ المهتم بالنزاعات المسلحة، الدكتور عباس التجاني، أن ”هنالك أسبابًا جذرية للصراعات المسلحة في دارفور“.
وأضاف التجاني لـ“إرم نيوز“ أنه من بين هذه الأسباب ”عوامل تاريخية مرتبطة بنزاعات تقليدية وأخرى مرتبطة بنشاط اقتصادي اجتماعي، للرعاة والمزارعين في الإقليم، إضافة إلى الصراع على الأرض والسلطة“.
وأوضح أن ”هذه العوامل لديها طرق معالجة تقليدية ناجعة في إنهاء الخلافات، بيد أن الصراع السياسي على السلطة في البلاد، غطى عليها، وجعل العنف المسلح في دارفور يتفاقم بصورة مدمرة“.
ولم تفلح اتفاقية جوبا للسلام الموقعة، في أكتوبر/تشرين الأول 2020، بين الحكومة السودانية وعدد من الحركات المسلحة بدارفور، في وضع حد لجذور العنف المسلح في الاقليم، على الرغم من إقرارها عدد من خطوات المعالجة.
واعتبر التجاني، أن ”اتفاق جوبا يصنف بأنه اتفاق سلبي من ناحية مناهج، لأنه نخبوي ولم يخاطب جذور الأزمة ولم يُشرك الفاعلين الحقيقين وأصحاب المصلحة على مستوى الأرض“.