في السودان، زادت صادرات الصمغ العربي بنسبة 120 في المائة خلال العقد الماضي، وبعد أن تم تحرير سوقه بغرض إفادة صغار المنتجين، بدأت مجموعات قروية توفير خدمات التمويل الأصغر للمجتمعات المحلية في الريف، ففي قرية حلة إسماعيل، بولاية شمال كردفان، يقف حامد آدم في صبر وجلد في الرمل تحت الشمس اللافحة في حين يقوم عامل بجمع الصمغ العربي من أشجار الهشاب. ويصل العامل إلى أعالي الشجرة مستخدماً عموداً طويلاً ويقطع كرة الصمغ العربي ذات اللون الذهبي التي تسقط في سلة مربوطة في طرف هذا العمود. والصمغ العربي على هذه الشجيرات الصغيرة في السودان يبدو في مظهره غير ذي أهمية لكنه سلعة رائجة يشتد الطلب عليها.
وحامد مزارع صغير في قرية حلة إسماعيل بولاية شمال كردفان على أطراف الصحراء الكبرى في غرب السودان. تقع حلة إسماعيل التي يعيش فيها 115 أسرة ونحو 500 نسمة في واحد من أكبر حقول الصمغ العربي في العالم. ولكن حامد يقول إنه لا يجمع دائما الصمغ العربي من أشجار السنط.
ويتابع كلامه قائلا “حصاد الصمغ العربي لم يكن يجلب مالا كافيا، مما اضطرنا إلى البدء في قطع أشجار الصمغ العربي لاستخدامها وقودا للطهي.”
ولكن هذا الوضع لم يعد قائما. فاليوم، وبالأرباح التي تنتج عن بيع الصمغ العربي، يقول حامد إنه يمكنه استئجار عامل وشراء عربة يجرها حمار لاستخدامات أسرته.
مستحلب مطلوب
السودان هو أكبر منتج للصمغ العربي في العالم. وتعتبر هذه العصارة المجففة مستحلبا طبيعيا يشتد الطلب عليه في كل أنحاء العالم من جانب صناعات المواد الغذائية والمنتجات الصيدلانية ومستحضرات التجميل والأحبار. وهو يدخل في صناعة المشروبات الخفيفة وحلويات الشيكولاتة والعلكة والمارشميلو ويغطي كبسولات الدواء ويدخل أيضا في صناعة شراب علاج السعال الذي يساعد على تهدئة الحلق الملتهب.
وحامد واحد من أكثر من 12 ألف شخص في السودان استفادوا من تمويل صندوق دعم المانحين القومي لمشروع ترقية إنتاج وتسويق الصمغ العربي في السودان. وأنشأ المشروع الذي يهدف إلى المساعدة على زيادة دخول صغار منتجي الصمغ العربي برامج رائدة في أربع من مناطق السودان: ولاية النيل الأزرق، وولاية سنار، وولاية جنوب كردفان، وولاية شمال كردفان.
ومنذ عقد ونيف من الزمان ساند مشروع ترقية إنتاج وتسويق الصمغ العربي زيادة متوسط الدخل السنوي ما يصل إلى اكثر من 65 في المائة .
الادخار وتقاسم الثروة
حامد عضو أيضاً في جمعية منتجي الصمغ العربي (جابا) بالقرية وهي جمعية تعاونية أقامها أبناء القرية الذين يهدفون إلى تحسين المعيشة اليومية لمجتمعهم المحلي. ويقول الهادي إسماعيل محمد خليل عمدة قرية حلة إسماعيل إن أي قروي يحق له الانضمام إلى الجمعية.
وتلقى أعضاء الجمعية تدريبا على حصاد الصمغ وأصبحت المحاصيل الآن صحية. فعلى سبيل المثال، يجري توعية جامعي الصمغ بطرق الطق المحسنة (جرح لحاء الشجرة) أو كيفية نزع اللحاء الذي يفتح الطريق إلى خروج عصارة الشجرة. وتُترَك العصارة أسابيع حتى تجف وتتحول إلى كرات بللورية مدورة. وبفضل جهود الجمعية، زادت المبيعات ويمكن لصغار المزارعين أيضا أن يبيعوا إنتاجهم مباشرة إلى الشركات دون الاضطرار إلى الاعتماد على وسطاء.
وتُقدِّم جمعية جابا وبمساندة من صندوق دعم المانحين القومي قروضا للقرويين مع السماح لهم بردها على دفعات بمرور الوقت. وقال الهادي “حلة إسماعيل لها 52 ألف جنيه سوداني (11785 دولارا) في خزينتنا من الأرباح.”
والنساء من العناصر الفاعلة الرئيسية في مشروع جمعية جابا، وهن يؤلفن نحو 25 في المائة من كل أعضاء الجمعية. وهناك عشر جمعيات لمنتجي الصمغ العربي تنتشر في المناطق الأربع وتقتصر عضويتها على النساء فقط.
وتعيش فاطمة حامد أيضا في حلة إسماعيل وتأخذ نصيبا من الأرباح التي يدرها بيع الصمغ العربي المملوك للأسر في قريتها. وقالت فاطمة “اقترضت المال من مؤسسة مجتمعية واستطعت استخدامه في إحضار أبي إلى المستشفى في مدينة الأبيض للعلاج. وتحسنت صحة أبي كثيرا. ومن قبل، لم يكن الناس يملكون ما يكفي من المال لإرسال ذويهم إلى المستشفى للرعاية الطبية.”
وتتخذ جمعيات منتجي الصمغ أيضا القرارات بشأن كيفية إنفاق الأموال المشتركة لدى هذه الجمعيات على نحو يعود بالنفع على القرية كلها. ويُقدِّم صندوق دعم المانحين القومي منحا لجمعيات منتجي الصمغ ويساعد المجتمع المحلي على شراء الجرارات ومخازن الصمغ وآبار المياه الجوفية وخزانات المياه.
إطفاء العطش السائد
تقع قرية حلة إسماعيل على أطراف مدينة النهود بغرب السودان، ووسط أفدنة من أشجار الصمغ العربي المزدهرة في منطقة تقل فيها موارد المياه. ويقول الهادي إسماعيل محمد خليل المسؤول التنفيذي لقرية حلة إسماعيل إن أبناء القرية ينفقون في المتوسط 60 في المائة من دخولهم في شراء ما يحتاجون إليه من المياه للشرب والطهي والاغتسال.
وبمساندة من صندوق دعم المانحين القومي، حصلت القرية على منحة مقابلة لبناء خزان بالخرسانة تحت الأرض للاحتفاظ بالمياه التي يتم شراؤها وإحضارها للقرية. ويقول محمد إبراهيم عبد الكريم مدير المشروع الذي يموله صندوق دعم المانحين إن الخزان الذي اكتمل بناؤه في عام 2012 يستخدم مُوِّلدا كهربائيا يعمل بالديزل لضخ المياه عبر أنابيب حتى يستطيع سكان القرية المشي بسهولة إلى صنبور عمومي عند مدخل القرية وإحضار الماء البارد النظيف.
وتتفق معه في الرأي ماريا إبراهيم التي تعيش أيضا في حلة إسماعيل التي تقول “لا شك أن مورد المياه واحد من أفضل الإضافات إلى قريتنا وأحد المنافع القيِّمة للمشروع. فقد كنا ننفق جزءا لا بأس به من دخولنا على مجرد جلب المياه اللازمة للشرب. والآن، فإن المياه نظيفة وصحية وبلا مقابل.”
وبمساندة من صندوق دعم المانحين القومي اكتمل تنفيذ 46 مشروعا فرعيا لتعود بالنفع على 4210 من أعضاء جمعيات منتجي الصمغ العربي بتكلفة كلية قدرها 898 ألف دولار.
وأتيحت لأعضاء جمعيات جابا أيضا فرصة التدريب على أنشطة الحراجة الزراعية. وساعد تضافر عوامل التمويل الأصغر والحصاد والتدريب على الحراجة الزراعية على تدعيم جمعيات جابا إلى درجة أن بعضها صار يبيع إنتاجه إلى الشركات مباشرة، وتم استبعاد الوسطاء مرة أخرى من سلسلة حركة الصمغ.
فتح الأسواق
بمساعدة من بحث تحليلي للبنك الدولي بعنوان “تسويق صادرات السودان من الصمغ العربي”، وهو عبارة عن مذكرة سياسات منقحة حول الصمغ العربي أعدها صندوق دعم المانحين القومي قبل سنين، استطاعت السودان كسر الاحتكار الذي كان يتيح لشركة واحدة الاستئثار وحدها بصلاحية تحديد سعر الصمغ العربي الخام. وفي أعقاب ذلك، أنشأت الحكومة مجلس الصمغ العربي. واليوم، يتنافس ما يصل إلى 30 شركة في تحديد سعر الصمغ العربي في أسواق السودان ودور المزادات فيه.
وفي حلة إسماعيل يشير الهادي، عمدة القرية، إلى أشجار الهشاب المنتشرة عبر التربة الرملية. ويقول “الآن نحن نهتم بهذه الشجرة اهتماما كبيرا. وبفضل اهتمام الحكومة وهذا المشروع شهدنا زيادة في الأرباح وتقدما لنا جميعا.”