توزعت الأمطار بين أحياء العاصمة الخرطوم وكأنها تذكرهم بأن المدينة التي أسست قبل أكثر من مئة عام تفشل سنويًا في تصريف المياه من الشوارع والأزقة والساحات.
بدأت الأمطار أمس الاثنين بعد الظهيرة قبل عودة العمال والموظفين والطلاب إلى المنازل، وأحدثت اختناقًا مروريًا في العديد من التقاطعات الرئيسية بالخرطوم واستغرق مواطنون نحو ثلاث ساعات للوصول إلى منازلهم.
وكانت الهيئة العامة للأرصاد الجوية (هيئة حكومية) قد أطلقت تحذيرًا مبكرًا ظهر أمس الاثنين بتجمع السحب شرقي العاصمة الخرطوم مع نشاط للرياح السطحية.
يقول سعيد وهو عامل في متجر صغير في حي العمارات بوسط الخرطوم لـ”الترا سودان” إن المياه غمرت جميع الشوارع ولم تترك متسعًا لحركة السيارات التي اضطرت إلى السير في المياه.
ويبدأ فصل الخريف لا سيما في ولاية الخرطوم عادةً في حزيران/ يونيو وينتهي في أواخر أيلول/ سبتمبر. ويتخوف سكان العاصمة من الأمطار بسبب تدهور البنى التحتية وعدم تشييد شبكة صرف للتخلص من مياه الأمطار.
ثم أن وجود العاصمة على مرمى نهر النيل وقبل ذلك النيلين الأبيض والأزرق يجعل العديد من مناطق العاصمة عرضة للسيول والفيضانات التي تتأثر بها في هذا الوقت من كل عام.
لم يتغير شيء في العاصمة السودانية فالشوارع تكاد تتخلص ببطء شديد من النفايات عندما تحضر شاحنات المحليات وبعض شركات القطاع بينما تضرب الأمطار بقوة على بنية تحتية قد لا تحتمل الكثير من الضربات.
ونتيجة الأزمة الاقتصادية لم تتمكن الحكومة الانتقالية التي أطاح بها قائد الجيش في 25 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي من ترميم البنى التحتية أو بناء شبكات جديدة لتصريف مياه الأمطار في عاصمة يقطنها أكثر من (13) مليون شخص.
وتراوحت نسبة الأمطار التي هطلت بولاية الخرطوم أمس الاثنين بين (82) مليمترًا غربي العاصمة و(51) مليمترًا جنوبي الخرطوم وستة مليمترات في بعض المناطق – حسب تقديرات الهيئة العامة للأرصاد الجوية.
وربما أفاق سكان العاصمة والمدن اليوم بعد سنين عدّة على حقيقة واحدة، هي أن “البنى التحتية” لم تعرف طريقًا إلى مدنهم التي تُشيّد من دون أيّ تخطيطٍ أو ضوابط رسمية.
مدن سودانية تشكو شح القطارات ومركبات النقل العام ونقص الكهرباء ومياه الشرب وانعدام شبكة تصريف الأمطار، فيما يتباعد الأمل عن السودانيين نتيجة عدم الاستقرار السياسي.
قال عبدالله عبدالرحيم وهو مهندس مدني لـ”الترا سودان” إن الحكومة تعمل بنظرية “الطوارئ” في فصل الخريف وعندما تدير المدن خاصة العاصمة لا يمكن أن تطلق مشروعًا بمسمى “الاستعدادات المبكرة”.
ويرى المهندس عبدالله أن الخرطوم تحتاج إلى مشروع “عملاق” لتشييد شبكة صرف صحي وطرق وخدمة كهرباء وخطوط مياه ضمن حزمة واحدة إلى جانب إعادة تخطيط بعض المناطق وإبعاد السكان من “أودية السيول”. ويعتقد أن هذا المشروع “غير صعب”، لكنه رهين بالاستقرار السياسي في البلاد.