إبراهيم الشيخ : توقفوا عن عمليات الإقصاء المتبادل تجنباً للأحقاد والغبائن
مريم المهدي: جهات دولية حذرت من تشتت السودانيين
ابو خريس : التنازلات لصالح نجاة الوطن أصبحت ضرورة وطنية ملحة
مازالت الأصوات تتعالى بطلب الحل تزامناً مع استمرار أزمة الحكم بالبلاد، ودعوات من جهات سياسية وأخرى صوفية بضرورة تقديم تنازلات ، لا تقع بالضرورة في سياق الهزيمة في الميدان السياسي ، لكنها تنازلات لصالح أزمة استفحلت حتى ملأت الشوارع؛ ودخلت البيوت ودور الطرق الصوفية وكل مكان في السودان ، مراقبون شددوا على التعامل مع المشهد وفق معطياته لا وفق الأجندات والأحلام، وسياسيون أكدوا أن الحوار هو الشاطئ الذي تؤول إليه كل هذه اللافتات، طال الوقت أم قصر ، القيادي بالحزب الاتحادي عمر حضرة حذر من مآلات الأوضاع، وتبعه سياسيون وصوفيون أمس، فإلى أي مدىً تستجيب القوى السودانية للتنازل لصالح الوطن.
دعوات وخطوات
اهتم مراقبون بتصريحات لوزير الصناعة في الحكومة المعزولة، القيادي بحزب المؤتمر السوداني، إبراهيم الشيخ، (الأحد)، أطراف الأزمة السياسية بتقديم تنازلات لـ”رأب الصدع، وبرء الجراحات، وتقيم عدالة انتقالية تفتح الطريق للحرية والسلام والعدالة والانتخابات وممارسة الديمقراطية ”.
وحثّ الشيخ في تصريحه أمس على تطبيق التراسل الفوري واتساب، إلى إنهاء مرحلة نقل الصراعات الجامعية إلى الأحزاب السياسية.
ومع إقراره بصعوبة القفز على الجراحات، أهاب بالساسة التوقف عن عمليات الإقصاء المتبادل، تجنباً للأحقاد والغبائن.
مضيفاً :“ آن للشعب الصابر والصامد أن يستريح من طول الطريق الذي استغرق كل سنين الاستقلال؛ وثلاث ثورات قتلناها مع سبق الإصرار والتعمد”.
وفي عبارة تشي بالزهد، أردف: “ لا أرغب في هزيمة أحد وأريد الانتصار “ لوطننا وشعبنا الذي يستحق الأفضل والأجمل”.
ووجدت أحاديث الشيخ تفاعلاً وصدًى كبيراً في منصات التواصل الاجتماعي.
ولم يصدر تحالف الحرية والتغيير، رداً على أحاديث الرجل الخاصة بزهده وتحرره من القيود، ما اعتبره البعض (استقالة).
في المقابل، سارع القيادي في تحالف الحرية والتغيير (التوافق الوطني)، الموالي لسلطة الانقلاب، مبارك أردول للترحيب بمقالة الشيخ.
وقال على صفحته بفيسبوك، إن من يقترب منهم خطوة سيتقدمون نحوه عشراً.
من جهتها قالت نائبة رئيس حزب الأمة القومي وزيرة الخارجية السابقة د. مريم الصادق المهدي، إن اتفاقاً سياسياً سوف يكون “قريباً”. وأوضحت أن الاتفاق قد لا يكون الأفضل؛ ولكنه يعبر عن إرادة واسعة، وسيقود الناس إلى الأمام.
ونوهت مريم إلى أن كبار المسؤولين الدوليين أكدوا لهم خلال اللقاءات عن دعمهم للتحول الديمقراطي، لكنهم أكدوا أيضاً بأنهم لن يسمحوا بأن “يتشتت” السودان.
وأوضحت مريم – في حديث لها أمس (الأحد)، في دورة تدريبية لمجموعة منتقاة من الصحفيين – بشأن دور الإعلام خلال الفترة الانتقالية بالمجلس الثقافي البريطاني، تنظمه مؤسسة “تومسون فاونديشن” أكبر مركز تدريب للصحفيين حول العالم، عن انتظام حراك سياسي بين القوى الفاعلة. وقالت إن حزبها فاعل في هذا الحراك ويجري اتصالات مع آخرين ولديه لجان مشتركة مع حزبي المؤتمر الشعبي والاتحادي الأصل.
ولفتت إلى أن العلاقة بين قحت ولجان المقاومة تطورت خلال الشهرين الماضيين، وذلك للعمل كسياسيين وليس “كنشطاء”. وحذرت مريم من سياسة “الإقصاء” ووصفتها بالغبية.
وأبدت مريم، أسفها من الذين يتحدثون عن “البيع والشراء” في الوسط السياسي، وتساءلت: “الكثير بذل أعماراً طويلة في العمل السياسي، فهل من السهولة أن يباعوا ؟”. وأضافت: (البقولوا بعنا ليهم، يومياً بشيلوا من السودان كم مليار من الذهب، علينا أن نتحدث مع بعض بشوية احترام).
وين المشكلة؟
من جهته قال متحدث الوفاق الوطني علي عسكوري ل ( اليوم التالي) إن بلاداً بها أكثر من ٤٠ مليوناً لا تحل مشاكلها بتتريس الشوارع، وقذف البوليس بالحجارة . ودعا عسكوري لجان المقاومة للجلوس على طاولة الحوار، وأردف.. (فلتأت هذه اللجان بلاءاتها الثلاثة إلى طاولة الحوار ، وين المشكلة ؟ وتابع.. الجلوس والحوار وترتيب الفترة الانتقالية ، غير ذلك لا مخرج للسودان ولا للشعب السوداني، حتى لجان المقاومة، ولدينا قطاع كبير منهم يشتركون معنا في هذا الخط التحاوري ، هناك جماعة رافعين شعار لا تفاوض لا شرعية لا مساومة وهؤلاء بالطبع ضد المجلس المركزي؛ لأنه طعنهم من الخلف وذهب وجلس مع العساكر ، وهنالك مجموعة ثالثة رافضة لذلك كله، حتى اللاءات، وهذه مجموعة غير واضحة الأجندة، وللأسف هي التي تحرك الشارع، لأن الحزب الشيوعي مشتبك مع لجان المفقاومة بعد رفضهم الخضوع إليه، ولذلك لجان المقاومة الذين يقفون في الشارع وليس لديهم أجندة أو برنامج انتخابي هؤلاء هم الأكثر تأثيراً، فهم ليسوا مع السلطة الحاكمة، ولا مع المجلس المركزي، بل لديهم إشكالات كبيرة مع قيادات من المركزي حاولت التظاهر معهم فطردوهم .
وتابع عسكري.. نحن في قوى التوافق الوطني وجدنا عدداً مقدراً من الشباب حكموا صوت العقل ورأوا أن الحوار هو المخرج لهذا البلد من الدرك الذي هو فيه، لا التظاهرات ولا تتريس الشوارع ستخرجنا مما نحن فيه ، الصحيح أن نجلس لنخرج البلد من هذه الوهدة التي هو فيها، وتساءل عسكوري؛ مفترض أن اللاءات الثلاثة التي تصر عليها لجان المقاومة قد تحققت، فما الذي سيحدث ماذا بعد ؟ هل يريدون الحكم، وكيف سيحكمون وهل سيقف الشعب معهم، نعترف أن لهم الحق في التعبير عن أنفسهم، لكن إدارة البلاد وتوفير الأمن ومزيد تفاصيل، هذه الإدارة ليست لعبة.
بالواقع لا الأحلام
استاذ العلوم السياسية عبد الرحمن ابو خريس؛ قال.. الحيش الآن متأهب لإحداث تغييرات سياسية إذا استمرت حالة الخلافات، وأضاف ل (اليوم التالي) تقديم التنازلات بات مهماً، بعد حديث إبراهيم الشيخ ومريم الصادق، الأخيرين ولمس فيهما روح الحث على تقديم حل الأزمة على كل المطالب، وتابع.. تسعة أشهر الآن على إجراءات البرهان وثلاث سنوات على الثورة وحكومة قحت؛ ولم يتحقق هدف واحد من شعارات الثورة السودانية!
وتابع خربس.. لا مفر لكل القوى من الموافقه على حكومة مدنية تسير أمور الانتقال لحين للانتخابات، وهذا هو الخط الذي يتبناه المجتمع الدولي نحو السودان، وهذه هي رؤية الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة .
وشدد خريس على أن الكل مجبرين على التنازل والتوافق، معتبراً مبادرة الشيخ الطيب الجد خطوة نحو الأمام، ورأى أن المشهد السياسي يجب التعامل معه بالواقع ومعطياته المعيشة وليس بالأحلام و الأيدولوجيات.
وإعتبر ابوخريس تصريحات رئيس مجلس السيادة في عيد الجيش تسير في طريق الحل، ومضى.. وهو كلام واقعي حول توافق أو انتخابات مبكرة.
وحول إمكانية قبول التنازلات لصالح الخروج من الأزمة قال أصحاب الأيدولوجيات لن يستجيبوا ، لكن قطاعات أكبر وصلت لتحكيم صوت العقل.
صراع الشرعيات
من جهته رأى استاذ العلوم السياسية عبد القادر محمود صالح أن الصراع العسكري المدني حول المرحلة الانتقالية ألقى بظلاله فيمن يأبى؛ ومن الذي يتنازل ولمصلحة من، وأضاف ل ( اليوم التالي) وجدت المؤسسة العسكرية نفسها في قلب السياسة والحكم في السودان منذ الاستقلال في ١٩٥٦، الطبيعي أن يكون لها دور كبير في إرساء الأمن والدفاع عن مقدرات الدولة إبان فترة الاستقلال، لكن على غير الطبيعي أن تتغول المؤسسة العسكرية في شؤون الحكم وإدارة الدولة وذلك بحكم طبيعة تكوينها العسكري المنوط به حماية الأمن القومي والدفاع عن سيادة الدولة من المهددات الخارجية. لا شك أن المستعمر لعب دوراً كبيراً في تكوين قوات دفاع السودان، التي أصبحت لاحقاً تعرف بالقوات المسلحة السودانية، فعقيدة القوات المسلحة منذ تكوينها قد شابها التأثير الاستعماري الذي أراد لها أن تكون مؤسسة عسكرية ذات نزعة إلى الحكم وإدارة السياسات العامة في الدولة حتى يضمن استمرار مصالحه السياسية والاقتصادية وفق استراتيجية إبقاء المستعمرة في حيز النفوذ الامبراطوري للمملكة المتحدة سابقاً والولايات المتحدة الأمريكية في القرن الأمريكي الراهن، وكلاهما يعبر بالضرورة عن الهوية الغربية ذات الننزعة الإمبريالية.
منذ تلك اللحظة، لحظة التكوين المشوه، أصبحت الكلية تخرج الضباط العسكريين الذين تقلد عدد مقدر منهم منصب رئاسة الدولة لفترات طويلة مقارنة بالقادة المدنيين، وتساءل صالح.. لماذا تنخرط المؤسسة العسكرية في شؤون الحكم وإدارة الدولة بشكل دائم؟ وأجاب في نفس الوقت:
يعزي البعض ذلك إلى أن الأحزاب السياسية هي التي دآئماً تلجأ إلى المؤسسة العسكرية وتطلب منها تولي أمور البلاد عندما يشتد الصراع السياسي بينها، وتدرك هذه الأحزاب السياسية بأن لا سبيل لإنهاء الصراع لصالحها سوى المؤسسة العسكرية. والمؤسسة العسكرية بسبب نزوعها للسلطة في تكوينها البنيوي وجنوحها إلى رعاية مصالحها وامتيازاتها، نجدها دائماً في قلب المشهد السياسي، بواسطة آلية الانقلاب العسكري لتعيد للواقع السياسي استقراراً نسبياً لا يلبث أن يستمر طويلاً؛ حتى يتجدد ذات المشهد الدائري لثالوث السياسة السودانية المدمر (ثورة، صراع، انقلاب..). كأنما هذه الوصفة الاستعمارية تعلم جيداً كيف تهيمن على المستعمرة بعد تشخيصها الناجح للدولة السودانية. هذا التوصيف ينطبق تماماً على العديد من دول الإقليم، الأفريقي والعربي، لذلك نجد الكثير من نماذج الانقلابات العسكرية وبخاصة في قارة أفريقيا.
المؤسسات العسكرية عموماً في بلدان العالم الثالث ترى في نفسها الكفاءة المهنية والشرعية العسكرية لتولي السلطة كلما فشل المدنيون في التوافق السياسي، ويحدث ذلك بالادعاء بأن البلاد تتهددها المخاطر الأمنية، ويروا أن المخرج هو الحضور في قلب المشهد السياسي بمكانيزم الشرعية العسكرية والانقلاب على الأوضاع الراهنة رأساً على عقب لحفظ الأمن وتجنيب البلاد خطر الانزلاق في الحرب الأهلية التي تعرض سيادة الدولة إلى الزوال!
هذا المنطق الأيديولوجي لما يعرف بالشرعية العسكرية تسنده وتدفعه مصالح وامتيازات تراكمت للمؤسسة العسكرية أينما وجدت، من خلال حضورها الصارخ في النشاط السياسي والاقتصادي لدرجة بالغة في التعقيد يمكن وصفها، وصف المؤسسة العسكرية بأنها دولة داخل دولة لا يمكن تفكيكها أو إعادة هيكلتها إلا إذا استطاعت الشرعية الثورية أن تهدم العقلية السائدة للمؤسسة العسكرية وتطبيعها بالشرعية الثورية وأهدافها.