شهدت الساحة السودانية الأيام الماضية تصريحات متفائلة من قبل قيادات سياسية تجاه حل أزمة البلاد التي تفجرت بإعلان قائد الجيش عبدالفتاح البرهان في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 تعطيل الشراكة مع المدنيين، لكن من دون خوض تلك القيادات في تفاصيل صيغة وشكل الحلول المتوقعة.
وأكدت وزيرة الخارجية السابقة ونائبة رئيس حزب الأمة القومي السوداني مريم الصادق المهدي، في تصريحات صحافية، اقتراب القوى السياسية من الاتفاق على وثيقة دستورية سيتم التوقيع عليها خلال أغسطس (آب) الحالي، مما ينهي حالة الجمود السياسي في البلد، مشددة على أن الحكومة المقبلة ستكون مدنية كاملة على أن يقتصر دور المؤسسة العسكرية في جانب الأمن والدفاع بعيد عن أي تدخل سياسي.
فما حقيقة ما يدور من نقاشات على صعيد المشهد السياسي السوداني، وهل أصبح إعلان الحكومة الجديدة قاب قوسين أو أدنى؟
سد الفراغ
القيادي في التجمع الاتحادي المعارض وعضو مجلس السيادة السوداني السابق محمد الفكي سليمان، أشار إلى أنه “من المستحيل أن تكون هناك شراكة في الفترة المقبلة بين المدنيين والعسكريين لإدارة شؤون الحكم خلال ما تبقى من فترة انتقالية، وهذا هو خطاب المؤسسة العسكرية الذي أعلنته على لسان قائدها عبدالفتاح البرهان بانسحابها من الحوار تمهيداً لتسليم السلطة للمدنيين، بالتالي من المفترض أن تلتزم بهذا القرار، لكن واضح أن نياتها ممثلة في قيادتها خلاف ذلك، لذلك يجب على قوى الثورة الحية الإسراع من أجل إنجاز عملية الوحدة والتوافق بين مجموعاتها المدنية لجعل التزام المؤسسة العسكرية اتجاه الشعب السوداني والمجتمع الدولي أمراً واقعاً”.
وأضاف، “تشكيل الحكومة أصبح الآن أمراً ملحاً لسد الفراغ التنفيذي، فالاتفاق في هذا الشأن هو أحد مطالب الشارع السوداني وأن تكون هناك حكومة كفاءات مستقلة غير حزبية وبعيدة من المحاصصة، فهذا التوجه يخفف من حدة الاصطفاف الذي يعانيه المشهد السياسي الحالي، فالجميع مدرك أن التوافق والتراضي ليس مهمة سهلة في ظل هذا العدد الهائل من الكيانات السياسية والمدنية، بل إنها مهمة عسيرة بكل ما تحمل الكلمة من معنى”.
مبادرات ملغومة
ومضى سليمان قائلاً، “المطلوب من قوى الثورة تسريع خطواتها لتسلم السلطة من خلال إنهاء الانقلاب، لأن الوضع لم يعد يحتمل، فضلاً عن الفراغ السياسي الذي انعكس بشكل كبير على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي أصبحت في غاية من التردي والسوء، وقد كشفت السيول والأمطار الحالية ما آل إليه حال البلد والغياب التام للجهاز الحكومي، وأصبح المواطن يدفع الثمن يومياً، وهذا شيء محزن ومؤلم، خصوصاً أن البلاد مقبلة على موسم زراعي وهي تواجه جملة تحديات من أهمها ضعف التمويل وغيره من عشرات المشكلات”.
وأكد أنه في إطار المساعي المبذولة لإنهاء هذه الأزمة هناك نقاشات مستمرة بين قوى الثورة لم تتبلور حتى الآن بصورة نهائية، وفي المقابل هناك جهات تتحرك من خلال مبادرات ملغومة كونها إخوانية بامتياز، ما أربك المشهد السياسي، فهي توحي بأنها جامعة لكل أهل السودان والعسكريون سعداء بها لأنها تحقق مطامعهم”.
وأوضح عضو مجلس السيادة السابق، أن “الأطراف المدنية المعنية بإنهاء الانقلاب وعودة المسار الديمقراطي هي قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، ومكونات إعلان سلام جوبا، والقوى التي خرجت من الحرية والتغيير كالحزب الشيوعي وغيره، ولجان المقاومة التي تعد الفصيل الفاعل في الحراك الشعبي، فهذه الأطراف مجتمعة ستقوم في أول خطوة باختيار رئيس وزراء يملك كامل التفويض والصلاحيات لتشكيل حكومته بالتشاور مع قوى الثورة، ثم تأتي الخطوة الثانية التي تشمل تفاصيل مرحلة الانتقال من أهمها تشكيل المجلس التشريعي”.
معسكران ورؤيتان
في السياق قال أمين الشؤون الخارجية في حزب المؤتمر السوداني فؤاد عثمان، “أعلنت قوى الحرية والتغيير منذ زمن طويل أنها تسعى مع بقية قوى الثورة لإنهاء انقلاب البرهان عبر ثلاث وسائل هي المقاومة الشعبية عبر الشارع، وكسب التضامن الدولي والإقليمي لعزل الانقلاب خارجياً، وإيجاد حل سياسي متفق عليه يتمثل في تسليم السلطة كاملة للمدنيين. ودعمت في إطار سعيها لإنهاء الانقلاب مبادرة نقابة المحامين السودانيين التيسيرية التي ابتدرت مسودة إطار دستوري يتوافق عليه كل السودانيين الذين يمثلون قوى الثورة لتأسيس عهد دستوري جديد ليس فيه عودة للشراكة مع العسكريين وأن تكون السلطة مدنية كاملة، على أن ينأى الجيش بنفسه عن العمل السياسي”.
وأضاف، “هناك معسكران في المشهد السياسي السوداني، الأول مناهض للانقلاب يضم تيارات مدنية عديدة ويسعى لإسقاطه، والأخير داعم للانقلاب يتكون من المكون العسكري وتيارات مدنية مختلفة، وبالتأكيد أن الخلافات ما بين القوى المناهضة للانقلاب هو ما أطال أمده لقرابة العشرة أشهر، التي تمثلت حول رؤيتين مختلفتين الأولى تدعم عملية الوصول إلى حل سياسي تتوافق عليه الأطراف المؤمنة بالديمقراطية، والأخيرة تعتمد على الحلول الجذرية، وهذا التباين يحتاج إلى نقاشات للوصول إلى تفاهمات تمكن من تأسيس جبهة عريضة كواجب ملح وملزم للتيارات المدنية من أجل بلوغ هدف إنهاء الانقلاب”.
وأردف أمين الشؤون الخارجية في حزب المؤتمر السوداني أنه “بالنسبة للقاءات مع الآلية الثلاثية المتمثلة في بعثة الأمم المتحدة في الخرطوم، والاتحاد الأفريقي، ومنظمة إيغاد، مستمرة ولم تنقطع على الدوام على الرغم من أنها جمدت عملها بعد إعلان المؤسسة العسكرية انسحابها من الحوار الذي ابتدرته الآلية في 8 يونيو (حزيران) الماضي، فالنقاش والتداول مستمر معها، بخاصة أن مساعيها تنصب في اتجاه إنهاء انقلاب 25 أكتوبر ودعم البلاد نحو تأسيس حكم مدني ديمقراطي، لكن بشكل عام المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير لن يدخل في حوار أو نقاش مع قوى مدنية داعمة للانقلاب”.
تنازلات مرئية
في المقابل، أوضح المتحدث باسم قوى الحرية والتغيير (التوافق الوطني) محمد زكريا فرج الله، “في تقديري هناك وعي عام وسط القوى السياسية والمدنية بضرورة الوصول إلى توافق وطني يؤهل لتكملة المرحلة الانتقالية، وتمثل ذلك في المبادرات المطروحة حالياً في المشهد السوداني وما يقدم من تنازلات مرئية، فضلاً عن تراجع حدة التعنت التي كانت سائدة بين القوى المدنية مجتمعة”.
ولفت إلى أن “هناك أربعة تيارات نشطة لحل أزمة البلاد تشمل التيار الجذري، وقوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، ومجموعة مبادرة نداء أهل السودان، وقوى الحرية والتغيير (التوافق الوطني)، فالأخيرة أفلحت في تجهيز مواثيقها للإعلان السياسي ورؤيتها للدساتير التي تحكم الفترة الانتقالية المتبقية ومهامها، وهي مجموعة منفتحة على كل الأطراف السودانية، والتقت أخيراً الآلية الثلاثية واستعرضت معها جهود حل المشهد السياسي، وستقوم قريباً بتسليم الآلية المواثيق التي أعدتها، ومن المتوقع أن تعلن الأخيرة اجتماعا موسعاً لكل الأطراف الساعية لإنهاء الأزمة”.
وأشار فرج الله إلى أنه “وفقاً للمعطيات الماثلة أمامه فهو أكثر تفاؤلاً عما مضى من وقت على الأقل حول الثوابت المتعلقة بالشأن السوداني على الرغم من التباينات الواضحة بين الكتل المختلفة، متوقعاً أن تشهد الأيام القليلة المقبلة اتفاقاً سياسياً عريضاً للانتقال الديمقراطي يتم من خلاله تجاوز الأزمة الحالية”.
وأوضح أن “الحديث عن ترشيح أو اختيار رئيس وزراء للحكومة المقبلة كما يتداول في الأوساط الإعلامية المختلفة سابق لأوانه، فالجهد حالياً ينصب حول التوافق الوطني لتكملة مهام الفترة الانتقالية، ومن ثم تأتي الترشيحات للحكومة، لكن أهم ما يميز هذه الخطوات أنها تشمل القوى السياسية وأطراف السلام ولجان المقاومة ومنظمات المجتمع المدني والطرق الصوفية والإدارة الأهلية”.
ونوه المتحدث باسم قوى الحرية والتغيير (التوافق الوطني)، إلى أن “الحوار الدائر حالياً ينحصر بين القوى المدنية باعتبار أن الأزمة في الأساس مدنية – مدنية، وحال حدوث توافق والتقاء حول نقاط مشتركة يكون قد تم إسدال الستار لحالة اللااستقرار التي لازمت البلاد فترة طويلة كانت خصماً على نهضتها وتنميتها، حيث تشكل الحكومة وتوضع البرامج للفترة الانتقالية، وصولاً إلى الانتخابات وانعقاد المؤتمر الدستوري”.
اندبندنت البريطانية