من الافات التي ابتلي بها السودان ما يطلق عليه بعض المؤرخين لعنة الوسطية ، و هنا اقصد الفقر الوسطي ، فرغم انتشار الفقر والفقر المدقع احيانا. الا انه لا يقارن بفقراء دول اخري مثل الهند و بنقلادش ، و مشكلة هذا النوع من الفقر هي انه لا يوفر حافزا كافيا للخروج منه ، خصوصا اذا اضفنا الحماية الاجتماعية الزائدة عن اللزوم احيانا الي المعادلة. فتجد ان الشاب يمكن ان يجلس عدة شهور في المنزل بعد تخرجه من الجامعة بذريعة انه لم يجد عملا في مجاله . اذا قارنا سلوك هذا الشاب بنظرائه في الدول المتقدمة فتجد ان الشاب في تلك البلدان يترك منزل ذويه و يعتمد علي نفسه منذ بلوغه سن الرشد لذلك تجده يتقن حرفة واحدة علي الاقل لانه اعتمد عليها و او جزئيا لاعالة نفسه و تمويل دراسته الجامعية.
كانت اوضح نتائج هذا الوضع ( الاتكالية الاجتماعية ) ضعف انتاجية السوداني مقارنة بجنسيات اخري وصفت بانها اكثر فقرا مثل الهنود مثلا رغم ان هذا الوضع تغير في السنين الاخيرة بسبب عمل الهنود الجاد لسنوات طويلة ، اما بالنسبة للسودانيين فانتج فقرهم الوسطي دائرة شريرة فهم يرون ان الرواتب التي يتقاضونها لا تستحق العمل الجاد ، و اذا لم يعملوا بشكل جاد لن تزيد الرواتب و هكذا ،.
ايضا ادت الحماية الاجتماعية و الفقر الوسطي الي عزوف شرائح واسعة عن العمل المهني و الحرفي و احتقاره رغم اهميته الشديدة لاي اقتصاد .
بالطبع ادي كل ما سبق الي عدم جاذبية البلد للاستثمارات الاجنبية التي تتطلب التركيز علي العمالة ، و هي ايضا ضرورية للنمو الاقتصادي .
و هنا يكمن السؤال كيف يمكن كسر هذه الحلقة ، ربما اقرب الحلول هو زيادة الانفاق علي التعليم لخلق عمالة ذات مهارة عالية نسبيا في بعض الصناعات الخفيفة و حتي المتوسطة تكون جاذبة للاستثمار ، ايضا من الضروري ان يلعب الاعلام دوره في التوعية باهمية العمل الحرفي لاي اقتصاد و تغيير النظرة الدونية له.
اخيرا من الاشياء التي تدعو للتفاؤل هو ظهور بعض التغيرات الاجتماعية نتيجة للضغوط الاقتصادية حيث بات الطلاب يعملون في الاجازات و الموظفون لديهم اعمال اضافية لمقابلة الاعباء الاسرية بدلا من الاعتماد علي تحويلات ذويهم في الخارج بسبب انها لم تعد كافية ، كل هذه التغيرات تؤدي الي زيادة انتاجية الفرد و بالتالي تساهم في تحسن الاقتصاد في المدي المتوسط و الطويل