ابراهيم أحمد الحسن يكتب: عبدالمعين يركب الفيل

هو من اخطر تجار المخدرات في التأريخ الحديث لا يضاهيه في معيار الخطورة الا مواطنه لو إسكوبار والذي تم القاء القبض عليه في عمليات شبيهة انتهت بوقوعه في الشباك . يقول الخبر ألقت السلطات في كولومبيا القبض على دايرو أنطونيو أوسوغا، وهو زعيم أكبر عصابة إجرامية في البلاد وأبرز مهربي المخدرات المطلوبين للعدالة.
وأسفرت عملية مشتركة للشرطة والجيش عن القبض على أوسوغا المعروف باسم “أوتونيل”. التقطت عشرات الكاميرات صورا ل “أوتونيل” وهو يبتسم ساعة القبض عليه ويقال لم تفارقه الابتسامة حتى ساعة صرير ابواب الزنزانة التي اودعوه اياها في انتظار المحاكمة .
كنت اشعر برهبة شديدة وانا اجلس في المنصة الرئيسة الي جانب علماء نفس واجتماع والجهة الشرطية المختصة بعملية مكافحة المخدرات ، كل عهدي ومعرفتي بالمخدرات تنحصر في الحكاوي ونكات التعاطي للمخدر المعروف بالبنقو في مجتمعنا الصغير والكبير ، ما زال عالقاً منها في الذاكرة ، جلسنا نرعى حملة مكافحة المخدرات طوف خلالها العلماء والجهات الشرطية في استعراض احصاءات تداول المخدرات والجهود المبذولة لمكافحتها ثم تبيان مضارها واثارها السالبة في المجتمع .لم استطع ان اخفي ابتسامتي وانا اتذكر صديقي ضابط الشرطة الذي كان يحكي بانه عمل مدة طويلة في ادارة مكافحة المخدرات ، وعرف بذلك في الحي الذي يسكن فيه ، قال جاء جارهم ل زيارة والده ولم يجده فترك له وصية مع ابنه الضابط ، الابن المشغول ابدا في عمله ما تمكن من ايصال الوصية لوالده ، فقابل الجار الوالد في المسجد وسأله عما اذا ما استلم الوصية ، رد الوالد بالنفي فقال الجار : ياخ انا سلمتها ولدك ( بتاع المخدرات ) !! . بقدرة قادر اصبح من يعمل في مكافحة المخدرات ( بتاع مخدرات ) .
ونحن في خواتيم السنة الدراسية الثالثة في المرحلة المتوسطة والتي كانت تسمى المرحلة الثانوية العامة والتي تتوسط عقد المرحلتين الابتدائية والثانوية العليا ، زميلنا عبد المعين التلميذ النجيب والمجتهد والمشاغب مرتاد المغامرات عثر علي عقب سيجار من مخدر البنقو في الخور الذي يجاور المدرسة.
رمال الخور الذهبية والتي لا تشابه سوى التبر المنثور ساعة سطوع ضؤ القمر عليها وانعكاس اشعته مشتتة علي سطح مرايا الرمال الكثيفة ، ملمس الرمال الناعمة وبرودة ذراتها المحتشدة في تماسك ينهال علي جانبي النعال عند المشي وربما يجعل الاقدام تغوص بين الذرات وتجعل من المشي عليه سهلاً ممتنع ، الجلوس علي رمال الخور والصيف تبدو بشائره غير بعيد كان متعة لكل طالب للانس و المؤانسة بانواعها كافة وكلما اوغل الليل كلما خالطت جلسات المؤانسة تلك بعض ما يشحذ الكيف ويعلو بالمتأنسين مصاف شتى تتراوح بين الصمت المطبق والصخب الشديد حسب مصحوبات الكيف ونوعه ، وما اذا كان جاف ، رخو ، صلد ام سائل . في هذا الجو العجيب خرج صديقنا عبدالمعين الي الخور الذي يجاور المدرسة هرباً من وطء المذاكرة الاضافية استعداداً للامتحان ، المذاكرة الاضافية علي اعتاب الامتحانات تشكل ضغطاً شديدا علي التلاميذ والطلاب وتثير موجات من الضجر لطمت احداها صديقنا عبدالمعين فقادته الي حافة التهلكة. اسبل عبدالمعين غلاف كتاب الرياضيات المسجي امامه بعد ان اعيته مسألة حسابية معقدة لم يتستطيع من خلالها الوصول الي المطلوب اثباته فتركها وشأنها مفتوحة الاحتمالات اغلق دفتي الكتاب ثم خرج .
قطع باحة المدرسة فيّ تثاقل وتسلل عبر الباب الخلفي الي الخور ، توغل في رمال الخور حتى المنتصف والقى بجسده علي الرمال الباردة في دفء والدافئة في برودة ، مستلقياً علي ظهره ، ثم فرد ذراعيه حد اتساعهما وباعد بين ساقيه حد ما تسمح به تمارين الجمباز التى كان احد ابطالها الصغار في حصص الرياضة وطفق ينظر الي القمر . كان يحس بتعب عضلات ظهره تتسرب الي ذرات الرمل فتكسبه شعور عميق بالراحة ، حرك يده اليسرى من اعلي رأسه في بطء الي اخمص قدمه وإذ هي ترتطم بشئ لدن تحسسه ، رفعه من مكمنه فاذا به عقب سيجارة ، لم يكن من متعاطي السيجار ولم يسبق له التدخين ومع ذلك دفعه الفضول الي رفع الذي وجده الي اعلى ، عرف انه بقايا سيجارة ، قذفها بعيدا ثم واصل تأمله في القمر ، لم يلبث هنيهة حتى تذكر ( المطلوب اثباته ) في مسألة الرياضات التي تركها خلفه في الفصل ، قفز من مكانه يمم وجهه شطر الفصل منتزعاً اقدامه بين طيات الرمال ، علي ضؤ القمر رأها هناك ، علبة صغيرة لاعواد الثقاب رفعها اليه اذا بها بضع اعواد ، تذكر عقب السيجار الذي قذف به غير بعيد ، التمعت في ذهنه بين ثنايا المطلوب اثباته فكرة اعمال العلاقة بين عود الثقاب والسيجار وحلول المشاكل ومسائل الرياضيات ربما !؟ ، التقط العقب رفعه الي شفتيه واعمل فيه عود الثقاب ، فإشتعل الثقاب واشتعلت السيجارة واشتعل هو ، جذب نفسه الاول ثم الثاني وختمه بالثالث . ثم جلس علي امواج متلاطمة من المياه اتي بها الخور في صيف لا ماء فيه . افتقده زملائه ولم يلبثوا ان عادوا به يهزئ محمولاً علي الاكتاف . وكانت المعضلة الرئيسة ايصاله الي البيت في حالة هزيانه المستعرة هذه وبعد استعراض عدة خطط ماكرة تمكنوا من ايصاله الي سريره باقل خسائر ممكنة غير بضع لكمات اصاب بها من كان يحمله وعبارات سباب مقذعة كانت من نصيب صديقه الصدوق الذي كان احرص ما يكون علي توصيله البيت دون ان يحس بشئ غريب اهل البيت والجيران .
و ( عندما شرقت شمس اليوم الثاني ) كان عبدالمعين هو الشغل الشاغل ومحور ونسة زملائه والاصدقاء ، حكى لهم بان الفضول الذي قاده الي حافة حتفه جعله يرى الخور في ثلاث حالات في اقل من دقيقتين ، رأى الثريات البعيدة حوله تعلو وتهبط وتتراقص في مجون ، ثم رأى الرمال تمور ترتفع عالياً وتنزلق الي اطراف الخور قبل ان يرى امواج من المياه تتلاطم تتسابق في الخور في اتجاه المدرسة ، في وقت لا امطار فيه والنيل يبعد مئات الكيلومترات من مدينته هذه . لم يكرر عبدالمعين فعلته هذه واصبحت حكايته مع عقب السيجار هذا درس مستفاد وبضع نكات تستعرض حالات الخور الثلاث والتي رأها بعيني خياله.

Comments (0)
Add Comment