د. علي بلدو: (17) ألف حالة انتحار خلال العام
مدير مركز إدمان: نسبة الإدمان ما بين الذكور والإناث أصبحت متساوية
باحث نفسي: 50% من المرضى يذهبون للمشعوذين والشيوخ
حالات الإدمان أصبحت بصورة كبيرة منذ الفراغ السياسي الأول لبدايات الثورة
تحقيق: فايزة أباهواو
شهدت البلاد في الآونة الأخيرة ارتفاعاًفي حالات الجنون والأمراض النفسية والاكتئاب والتي زادت من انتشار المرضى المتشردين والمتسولين وغيرهم في الطرقات بصورة مخيفة تنذر بالخطر.. (اليوم التالي) بدورها سلطت الضوء حول ظاهرة المختلين عقلياً، إيماناً منها بالدور المجتمعي الذي يسهم في تبصير المجتمع وجلست إلى عدد من المختصين لمعرفة الأسباب والدوافع التي أدت إلى تزايد حالات الإصابة بالأمراض النفسية والاكتئاب وغيرها .
وقال استشاري الطب النفسي والعصبي وعلاج الإدمان د. علي بلدو إن السودان شهد في الآونة الأخيرة تصاعداً غير مسبوق في نسبة الأمراض النفسية والعصبية وحالات الإدمان بوتيرة عالية للغاية، أدت إلى اكتظاظ المستشفيات والمراكز العلاجية النفسية بالمرضى والمرافقين بصورة تنذر بالخطر وأضاف أن حالة المواطن السوداني النفسية تمشي على (عجل الحديد في الدرك الأدنى من الحضيض) بسبب الظروف المعيشية التي أثرت عليه .
وأشار بلدو الى المسببات الأساسية لحالات الجنون وسط الأفراد المتمثلة في عدم مقدرة المواطن من توفير متطلبات المعيشة من أكل وشرب .
حالات انتحار مخيفة
وأكد بلدو أن هناك محاولات انتحار بسبب الأمراض النفسية في كل دقيقة بالسودان وبصورة يومية بما يعادل (17) ألف حالة في السنة منها ما ينجح وما يفشل.
وأوضح بلدو أن هنالك العديد من المسببات النفسية تجعل الفرد له قابلية للانتحار منها الشعور بالاكتئاب الحاد والسوداوية والشعور بالخوف في مواجهة الفرد للمستقبل وتحمل الأعباء النفسية .
وأضاف بلدو أن بعض الأمراض النفسية منها (الفصام النفسي وأمراض السوكوباتيه ومدمنو الكحول، ومنها أمراض عضوية تجعل الفرد ذا ملل منها وشعور البعض بعدم الشفاء تؤدي إلى تردي الحالة النفسية لدى المريض والشعور بالاستياء مثل (الكلى والسرطان) .
صدمات عاطفية
وقال بلدو: بعض الأشخاص مصابي الجنون نتيجة لصدمات مثل صدمات عاطفية ويطلق عليه (الشاكوش)، وأضاف: من أسباب حالات الجنون أيضاً الطلاق والضغوطات النفسية والعنوسة، وهنالك حالات أخرى بسبب الخوف من خطاب الكراهية والعنصرية والعطالة تجعل الفرد يشعر بالنقص ويلجأ إلى الجنون .
وأشار بلدو حسب تصنيف منظمة الصحة العالمية فإن السودان يحتل المرتبة الأولى من الدول العربية من حيث حالات الانتحار .
وأضاف بلدو في حديثه الى أن هناك تصاعد خطير من مصابي الجنون وأكثر من (22) مليون شخص مصاب بالاكتئاب. و(780) شخص يعاني من الاضطرابات النفسية والذهان الوجداني وارتفاع في حالات القلق والتوتر.
وكذلك دراسة أوضحت أن نصف طلاب المراحل الابتدائية مصابين بالاضطرابات النفسية المختلفة .
وقال بلدو: أصبحت حالات المرضى النفسيين في الشوارع كثيرة دون رعاية طبية بسبب قلة الكادر النفسي وعدم الاهتمام بالأطباء النفسيين مما فاقم حالات المرضى من المتسولين والمتشردين وقد يسبب وجودهم في الشارع العديد من المشاكل مع الآخرين والتلوث البيئي والتعرض للاعتداء الذي يتسبب له المريض .
وقال بلدو إن مسببات الأمراض النفسيه التي تؤدي إلى الجنون مواد التسمين والتجميل عند الفتيات، وعدم الاستقرار الأمني والسياسي بالبلاد يؤدي إلى الكثير من الأمراض النفسية.
وقال: لا يمكن تحديد عدد معين للمرضى النفسيين بسبب ٩٩% من المرضى يلجأون للعلاج عن طريق الدجل والشعوذة مما يجعل الوضع كارثياً.
وأضاف: أن هنالك حالات إغماء إزاء التدافع على العيادات والمراكز النفسية وإذا استمر الحال لن يجد أحد صينية يقف عليها .
اضطراب نفسي
ومن ناحية أخرى قال د. عبدالباقي دفع الله الباحث الاجتماعي بكلية آداب جامعة الخرطوم لـ(اليوم التالي) إن المرض النفسي هو اضطراب نفسي تنجم عنه اتجاهات غير سليمة للفرد تجاه نفسه ومجتمعه، أي أنه حالة من عدم التوافق في التفاعل النفسي والإجتماعي وظهور سلوكيات غير السويه التي تؤثر على سلامة إنجازات الفرد وسير حياته بشكل آمن ومستقر لنفسه ولمن حوله وقد يتنقل المرض النفسي في حالات متقدمة من الاعتلال النفسي إلى الاعتلال العضوي والوظيفي .
وأضاف د. عبدالباقي أنه أجريت دراسة مع عدد من الباحثين للحصول على دراسات يمكن الوثوق في نتائجها، ولكن معظم نتائج التقارير حول معدل انتشار الأمراض النفسية في السودان تذكر بنسب مئوية تقريبية، أو بواسطة أطباء في مقابلات تلفزيوينة ولم تقم حتى الآن إحصائية شاملة للأمراض النفسية في السودان .
وقال إن من أسباب الأمراض النفسية القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية متمثلة في الحروب والنزوح وارتفاع نسب الفقر والتفكك الأسري والبطالة.
ونوه عبد الباقي إلى أن 50% من المرضى يذهبون للمشعوذين والشيوخ، فيما يتعالج 10% فقط من المرضى النفسيين عند الأطباء والمستشفيات النفسية، ولفت إلى أن الأمراض النفسية بولاية الخرطوم تساوي 40% من إجمالي الأمراض.
وقال في دراسة أجريت مع عدد من الباحثين إنه لم يتم توضيح معدل انتشار الأمراض النفسية أو توزيعها على أي مستوى من المستويات في السودان، أو حتى توفر أرقام دقيقة للمرضى النفسيين خلال أي فترة زمنية، أو نوعية الأمراض التي يعاني منها أفراد المجتمع السوداني بالرغم من عراقة المستشفيات العاملة في علاج الأمراض النفسية وذلك ربما بسبب عدم كشف الكثيرين عن أمراضهم النفسية ربما بسبب وصمة العار الاجتماعية من دلالة المرض، أو الاعتقاد في معالجة هذا النوع من الأمراض بواسطة المعالجين التقليديين، وبذلك تقل الدراسات التي تتناول أعداد المرضى النفسيين، أو الأمراض التي يعانون منها.
وقال: لا يمكن تحديد أنواع الأمراض النفسية، وأكثرها شيوعاً، والفئات العمرية التي تنتشر بينها هذه الأمراض، وتضعف الرؤية للتخطيط والعمل العلمي المتعلق بالوقاية من الأمراض، أو حتى مختلف الأسباب المميزة لنشوء هذه الأمراض وسط المجتمع السوداني.
ومرض الجنون تحدياً كبيراً للإنسان لا يؤثر فقط على الفرد ولكن يمتد أثره ليشمل المحيطين به .
حالات اكتئاب
فيما يرى الخبير الاقتصادي حسام الدين حسن أن هناك علاقة بين الانخفاض الاقتصادي وحالات الاكتئاب والإحباط وقال إنها هي أمراض نفسيه قابلة إلى أن تكون أمراضاً عصبية، أما الجنون فهو من الأمراض العصبية، وقال حسام ازدادت حالات الجنون أواخر أيام النظام المُباد وأصبحت أعداد الأشخاص في الشوارع من مصابي الاكتئاب والإحباط بشكل كبير .
وأشار إلى وجود البعض في الشارع من مصابي الجنون نتيجة عجز الأهل عن علاجهم بسبب الفقر .
وقالت لبنى بت مكلي مدير مركز قادرين لعلاج الإدمان إن ذهاب العقل نتيجة لتأخير العلاج من الإدمان مما يصاب العقل جزئياً أو كلياً.
وقالت لبنى: في الآونة الأخيرة أصبح التردد العام على المراكز العلاجية للإدمان عالٍ جداً، وذكرت أن المركز حالات التردد اليومي فيه من المدمنين تتراوح أعمارهم من (20 إلى 30) مدمن، وفي أقل من شهرين هنالك (19) حالة مريض يتم تنويمه للعلاج من حالة الإدمان .
وذكرت لبنى أن نسبة الإدمان بين الذكور والإناث أصبحت متساوية . وأضافت أن حالات الإدمان أصبحت بصورة كبيرة منذ الفراغ السياسي الأول لبدايات الثورة بسبب العطالة .
وقالت لبنى إن الجنون كان يحدث نتيجة لتعاطي المخدرات لفترات طويلة في السابق، ولكن الآن من أول جرعة تعاطي للمخدرات يذهب العقل ويصاب الشخص بالجنون مثل الكريستاا، ولفتت لبنى الى أن المشاكل النفسية أصبحت كثيرة بسبب الوضع الاقتصادي غير المستقر والوضع السياسي وضعف الإيمان. داعية الدولة الى ضرورة الاهتمام بالشباب وبقضاياهم وتوفير فرص العمل وتوفير كل الدعم اللازم في سبيل تحقيق آمالهم وطموحاتهم.
وناشدت أولياء الأمور بضرورة الالتفات إلى أبنائهم بالمراقبة والنصح ومعرفة تفاصيل تحركاتهم لتفادي وقوعهم في مشاكل الإدمان، مؤكدة أن الشباب عماد الاقتصاد وأمل المستقبل ويجب أن يجدوا كل الرعاية والاهتمام من الدولة والمجتمع والأسر .
جنون وراثي
ومن جانبها قالت الأستاذة سارة كشان المعالج النفسي لـ( اليوم التالي) إن الجنون أو فقدان السيطرة على العقل ليست لديه أسباب واضحة ومعينة في الغالب تكون الوراثة لها دور كبير وأيضاً الشعور المتواصل بالقمع والظلم الشديد .
وقالت كشان إن تعاطي وتناول الكحول والمواد المخدرة تؤدي إلى الجنون والاكتئاب والهوس وثنائي القطب واضطرابات النوم والأكل والعزلة الاجتماعية من إهمال النضافة الشخصية والتحسس من الصوت مثلاً .
وقالت كشان: “المجنون لا يستيقظ من النوم مجنوناً” وأن هنالك أعراض توحي بأن المريض على حافة الجنون ولكن لا يتم الاهتمام بها ويتم تجاهل الأعراض من البداية .
وأوضحت سارة أن الوعي مهم بالأسباب وبدايات الأعراض لأن المريض إذا وصل آخر مرحلة يصعب علاجه .
مؤكدة أن الإحصائيات غالباً تكون تقريبية لعدم حضور المرضى للمستشفيات وأضافت: “لو اعتمدنا على حصر المجانين الموجودين بالشارع فقط سنكتشف أرقاماً مخيفة .
مجانين بالمعتقل
وقال المحلل السياسي الأستاذ صلاح الدومة لـ(اليوم التالي) إن هنالك العديد من الأسباب التي تؤدي لحالات الجنون منها الاعتقالات وتدهور حالتهم صحياً داخل المعتقل مما يؤدي إلى جنون بعضهم، وكذلك تعاطي المخدرات سبب رئيس لزيادة حالات الجنون وسط الأفراد .
وأضاف الدومة أن انتشار وجود المجانين في الطرقات بسبب عدم الرعاية الصحية والأسرية وارتفاع نسبة الأدوية وعدم اهتمام الدولة بتوفير العلاجات اللازمة .