ربما أصبح المشهد واضحاً مثل وضوح شمس النهار في سماء البلاد، بعد مضي ما يقارب 4 أعوام من ثورة ديسمبر، و تزايدت آمال وتطلعات السودانيين شيئاً فشيئاً نحو غد أزهر وأنضر ينسيهم مرارة الفقر والبطالة والتضخم الاقتصادي، والنزاعات و الصراعات التي شهدتها الأطراف، وكان وقتها ذرف شبابها دموعاً تعبر عن انتصار تحقق بزوال الإسلاميين من برذخ الحكم إلى زنازين السجون، لتطل على المشهد السوداني قوات تتصدر مركز اتخاذ القرار، و بعد ثورة ديسمبر يبدو أنه بات من حكم المؤكد الدعم السريع وحركات الكفاح المسلح خاصة بعد اتفاقية سلام جوبا، كلاهما ناضل من أجل التغيير بشكل أو بآخر، بعد كل ذلك، تطرح بعض التساؤلات الملحة؛ هل ساهمت تلك القوة في معالجة الأوضاع الاقتصادية والسياسية و الأمنية التي لازالت مضطربة بالبلاد..؟ وهل زادت أم خصمت من رصيد النمو الاقتصادي..؟ ولماذا لم تتوقف عمليات النهب المسلح بعد..؟ وما تأثير تلك القوات بعد وجودها في سدة الحكم على الاقتصاد ومستقبله..؟.
الأزمة في البلاد
يقول عضو اللجنة الاقتصادية بالحرية والتغيير، كمال كرار، إن هذه القوات العسكرية في حقيقة أمرها مليشيات مسلحة وليست قوات نظامية، ولم يكن قادتها في يوم ما مشاركين في الثورة؛ بل إن بعضهم كان يد البطش لنظام المخلوع البشير، وقال بأسى.. إنهم بعد الثورة أصبحوا في قمة السلطة تبعاً للوثيقة الدستورية ووثيقة سلام جوبا وهم في مفاصل السلطة التنفيذية و الأجهزة الأمنية، وبالتالي هذا الوضع أدى للأزمة السياسية والاقتصادية التي يعيشها السودان، وأبان كمال ل(اليوم التالي).. أن تلك التنظيمات هي الآن جزء من الانقلاب العسكري للبرهان وتنكرت لمواثيق الثورة، وأن جل الانفاق الحكومي يذهب لها وبالتالي انهار الاقتصاد، واصفاً أن بعضها دخل طرفاً في النزاعات التي نشبت في الغرب و الشرق، وبالتالي هذه نسفت السلام المجتمعي، وأشار إلى أن ما يسمى بسلام جوبا أجج الحرب في كل مكان، ونبه إلى وجود أكثر من 7 مليشيات مسلحة تطوق العاصمة والمدن الأخرى، ويعتبر أن هذا وحده عنواناً لعدم استقرار النظام السياسي.
الذهب والزراعة
يقول المحلل الاقتصادي الدكتور، الفاتح عثمان.. بحسب ما جاء في تصريحات البرهان وحميدتي أن قوات الحركات الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام سيتم دمجها في القوات النظامية و قوات الدعم السريع سيتم دمجها في الجيش السوداني، ويكشف د. الفاتح عبر تصريح ل(اليوم التالي) عن أن هذه القوات التي تقاتل في اليمن وتحرس حدود السودان مع ليبيا وتمنع تدفق الأفارقة والسودانيين إلى ليبيا بغرض الهجرة إلى أوروبا تتلقى دعماً من السعودية والإمارات والاتحاد الأوروبي، بعضه بشكل مباشر وبعضه يذهب للحكومة السودانية وقيادة الجيش السوداني، ومضى قائلاً : إن شركات الدعم السريع تستثمر في تعدين الذهب وفي الزراعة، وبالتالي تلعب دوراً كبيراً في اقتصاد السودان، وأرجع أن هذا الدور قديم منذ عهد البشير، وبالتالي بعد دمج الدعم السريع ستدمج شركاته في الجيش وتتبع لقيادة الجيش السوداني، وعزا عمليات النهب المسلح بأنها نتاج عن كثرة الحركات المسلحة وانتشار السلاح، إضافة لتعدد الأجهزة النظامية وضعف المرتبات و الانضباط، وأكد أن هناك حاجة ماسة لزيادة مرتبات القوات النظامية وتشديد القوانين والأحكام على من يرتكبون جريمة النهب المسلح.
مناصب ومنافع
بحسب اعتقاد الباحثة في المجال الاقتصادي الدكتورة، دلال عبد العال، أن نضالهم لم يكن من أجل التغيير، بل كان من أجل مناصب ومنافع يبحثون عنها، بدليل أنهم ارتضوا بمشاركة الحكومة الحالية، منوهة إلى وجود فساد واختلاس المال العام، وحسبت أن هذا ما جعلهم يتمكنون بالمناصب، وقالت إنهم اختزلوا ما أسموه بالنضال في مناصب سيادية وتركوا مطالب أهل دارفور، وبالتالي نقلوا أنفسهم من مناضلين إلى مجرد مرتزقة ينهبون ويتحدثون باسم أهل دارفور وجبال النوبة وكردفان والنيل الأزرق، وتضيف: لا أعتقد أن هناك حركة مسلحة كان همها التغيير أو مستقبل هذا السودان، قاطعة أنه من سار في طريق نزف الدماء وحمل السلاح لن يكون من دعاة السلام يوماً، وأمنت على أن ثورة ديسمبر قد أثبتت أن السلمية أقوى وأنزه من السلاح والاقتتال، وتساءلت عن الرصيد الذي يتمتع به الدعم السريع من أي نضال وطني كان، واستغربت من وضع حركات الكفاح المسلح يدها على يد من قاتلها واليوم تقاسمه المغانم. واستبعدت د. دلال أن يفكر هؤلاء في بناء دولة أو إعادة توازن أوضاع الاقتصاد و الاستقرار السياسي والنسيج الأمني، وقالت.. هؤلاء كل مايهمهم المال العام، متساءلة كيف لحامل سلاح أن يزرع شجرة أو يؤلمه منظر جوعى أو جرحى وهو تعود على رؤية الدم نازفاً، بل أضافت على ذلك أن بعضها يساهم اليوم في سرقة موارد البلاد وتهريبها.
استقرار الدولة
واعتبرت د. دلال أن النمو الاقتصادي ليس فعلاً تلقائياً؛ بل هو تراكم سياسات توضع على أساس مصلحة المواطن من قبل رجال دولة يعرفون واجب مناصبهم، وقالت إن الاقتصاد حتى ينمو يحتاج لاستقرار الدولة حتى تضع الخطط والاستراتيجيات للنمو، ونوهت إلى أن الطفيليات على بلادنا أكملوا ما بدأه الإسلاميون من نهب وتخريب وسوء إدارة لموارد البلاد، وقطعت بأن النمو الاقتصادي كذلك يحتاج للشباب؛ إذ هم عماده، وأشارت إلى أن هؤلاء يشاركون في قتل الشباب بالشوارع وتشريد المزيد من قراهم، حيث لم يستطيعوا حتى اليوم أن يرسوا دعائم سلام وأمن بمناطقهم.
صنيعة الإسلاميين
وحول وجودها على سدة الحكم وتأثيرها على الاقتصاد ومستقبله، تحسب د. دلال أن وجودها هو أولى عتبات التدهور والذهاب إلى حالة اللا دولة، وتشير إلى أن هذه الحركات المسلحة هي صنيعة الإسلاميين، وقالت في حديثها ل(اليوم التالي).. إن التقارب بينهم في قوى الوفاق الوطني أبرز دليل لذلك، وقالت بأسى: ما يحزننا أن أهلنا بدارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة وكردفان لم يثوروا حتى اليوم على هؤلاء، وتضيف.. ننتظر ونترقب شبابنا بتلك المناطق ليكونوا قوة تطيح بهؤلاء الذين يتحدثون باسمهم، وتابعت قائلاً : نحن اليوم في خانة الصراع بين القديم والحداثة، داعية للوحدة الوطنية دون تمييز، وأكدت أن الحداثة كانت في شعار “ياعنصري ومغرور كل البلد دارفور”، وحثت الشباب بأن يعي لهذا الفخ، وعلينا أن نتحرك تجاه اهلنا وشبابنا في مناطق دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق لنساعدهم على عدم الانضمام لهؤلاء فهم يستخدمونهم دروعاً للقتال دون الاهتمام بمناطقهم، ولفتت إلى أن ما حدث في النيل الأزرق كانت تمثل إحدى المؤشرات، وأكدت أن اتفاقية سلام جوبا لم تفلح في إخماد الحرب في السودان حتى تاريخه.
اتفاقية مطلبية
ووفقاً لوصف الباحث الاقتصادي الدكتور، هيثم محمد فتحي، أن ما يجري الآن في المشهد السوداني هو تبادل مصالح ومنافع، فهو مجرد مكافآت متبادلة، فواقع الحال يقول إن السلام حتى الآن لم يتحقق، وبحسب تقديره؛ حتى الآن الواقع المعاش يؤكد أن اتفاقية جوبا اتفاقية مطلبية للسلطة وليس من أجل أهل دارفور ومطالبهم المعروفة سواء التنمية والعدالة وقضايا النازحين واللاجئين، وغيرها، وحقن دماء السودانيين الغالية، وتوفير طاقات الشباب للبناء والتعمير وفك الاحتقان الداخلي والخارجي، والمحافظة على الموارد السودانية،
وأردف د. هيثم في حديثه ل(اليوم التالي).. أنه لا يمكن تحقيق إصلاح اقتصادي وسياسي دون إجراء تغيير جوهري في الظروف الاجتماعية والسياسية للبلد، وأوضح أنه يجب أن تكون التدخلات لتحقيق السلام ودمج وتسريح هذه القوات التي تعتبر عالة على الاقتصاد الوطني، وشدد على ضرورة أن تكون هذه التدخلات واقعية ومتسلسلة، مناشداً بأن تكون الخطوة الأولى هي تحقيق الاستقرار الأمني؛ ما يستلزم خفض العنف للتقليل من الخروج على القانون، لتعزيز الأمن العام والسلامة، وتوقع، حالما يتم إنجاز هذه الخطوة الأولى، سيكون الانتقال إلى للاستفادة من هذه القوات المسلحة مجديًا أكثر.