قال مهتمون بالشأن الاقتصادي: إن حكومة السودان تعيش حياة أصعب من المواطنين، وبرروا ذلك بإعلان الحكومة رسمياً بأن مخزونها الاستراتيجي صفر، فيما انتقد آخرون حديث مسؤول بوزارة الزراعة قائلين: إن حديثه يفتح الأبواب واسعة لضعاف النفوس لاستغلال ما قاله عن المخزون الاستراتيجي، بتخزين السلع والمحاصيل؛ ما يحدث ندرة وشحاً في ضروريات الحياة، مطالبين بضرورة الانتباه والاهتمام بالزراعة، لافتين إلى أنها الحل الأنسب للخروج من الأزمة الاقتصادية في السودان والابتعاد من شبح المجاعة.
مخزون صفر
وكان مسؤول إدارة الأمن الغذائي بوزارة الزراعة الاتحادية المهندس عمار حسن بشير قد قلل من أهمية التقارير التي تتحدث عن مجاعة قادمة للسودان في شهر سبتمبر، مبيناً أن الوضع ليس بهذا السوء، وأشار في حديثه لبرنامج(حديث الناس) بقناة النيل الأزرق إلى أن الأمن الغذائي ليس في الزراعة فقط، مقراً بوجود مشاكل كبيرة تواجه القطاع الزراعي في السودان، متمثلة في التمويل والخدمات الزراعية والبحوث، مؤكداً أن الغذاء موجود في الأسواق الآن، مبيناً أن المخزون الاستراتيجي للسودان الآن “زيرو”، واصفاً بأنها مسألة خطرة تمس الأمن القومي، مشدداً على أن الزراعة هي قلب الأمن الغذائي، وأضاف أنه إذا حدثت مجاعة في السودان ستكون بفعل أيدينا بإهمال الدولة للمخزون الاستراتيجي للبلاد، مبيناً أن إدارة الأمن الغذائي بوزارة الزراعة مسؤولة عن التنسيق بين كل الجهات ذات الصلة بالقطاع الزراعي في السودان، والزراعة ليست هي المسؤول الوحيد عن الأمن الغذائي، فهنالك التجارة والاستيراد والمخزون الاستراتيجي يمكن أن يوفر الأمن الغذائي، وقال إن تقارير العام 2021 تتحدث عن 6 ولايات فقط كان لها فائض إنتاج زراعي، مؤكداً أن الحل في الاستيراد وفتح البلد للاستثمار الخارجي وزيادة المساحات المزروعة.
ألاعيب السوق
قال الأكاديمي د. محمد عثمان عوض الله: إن أزمة الحكومة أصبحت أسوأ من أزمة المواطن نفسه، مضيفاً بأن الحكومة تعيش حياة أصعب من التي يعيشها المواطن، وبرر ذلك بأن إعلان الدولة رسمياً بأن مخزونها الاستراتيجي صفر، يعني أن أزمة الحكومة تحولت من رزق اليوم باليوم إلى أزمة تعيشها الوجبة بالوجبة، كما أن الحكومة الآن تحت رحمة ظروف اقتصادية، وضغط خارج عن سيطرتها بنسبة 100%، إضافة إلى أن الحكومة تستيقظ كل صباح لتواجه بحقيقة أن قفة ملاحها وكيس خبزها ومطبخها خاوٍ تماماً، وليس لديها من المال والمقدرة أو الحيلة ما تستطيع به التحكم في أو مواجهة ألاعيب السوق وتقلبات الأسعار وتكتيكات الاحتكار ولوبيهات التجار، إلى جانب ظهرها وبطنها المكشوف، وجيبها خاوٍ وحيلتها معدومة وشعبها يصرخ، وتساءل : هل ستصمد الحكومة كما صمدت المرأة الثكلى التي شعارها أن لا تقتات الحرة من ثديها؟، أم أن الحكومة مكبلة بكروت ضغط، ستركب بسببها قطار الصنف الآخر من النساء؟
إعادة مفصولين
وطالب بمحاسبة من دمر المؤسسات السودانية وأعاقها من القيام بعملها، بفصله لخيرة الموظفين فيها وأصحاب الخبرات والتأهيل العلمي والمهني، بعد أن صرفت الدولة على تدريبهم مئات المليارات، وأشار إلى أن هذه الكارثة ظهرت في قطاع الكهرباء والبترول والطرق، موضحاً بأن الأزمة حالياً تتفاقم في المخزون الاستراتيجي، كما طالب بإعادة المفصولين عن الخدمة حتى تستطيع مؤسسات الدولة القيام بأعمالها الروتينية، وقال إن الموظفين المهنيين سيقومون بعد إرجاعهم إلى وظائفهم باللازم.
ندرة وشح
وانتقد الخبير الاقتصادي والمحلل السياسي وعضو وحدة ثورة ديسمبر مالك عابدين؛ مسؤول إدارة الأمن الغذائي بوزارة الزراعة الاتحادية قائلاً : إنه ضخم حديثه أكثر من اللازم، وبرر ذلك بأنه بنى حديثه على أشياء دون أرقام حقيقية، وتوقع أن يكون لحديثه آثار سلبية يعطي ضوءاً أخضر لضعاف النفوس الذين يستغلون حديثه بتخزين السلع التموينية والمحاصيل التي يعتمد عليها المواطنون في معاشهم، مضيفاً أن بذلك تحدث ندرة وشح في ضروريات الحياة، ويتكسب حينها المخربون للاقتصاد في مثل هذه الظروف.
سيطرة الدولة
ويرى عابدين أنه لا يمكن أن ننهض اقتصادياً أو زراعياً إلا تحت مظلة الأمن الاقتصادي، مبيناً أن الأمن الاقتصادي دائماً ينظر في شأنه بعين حادبة ترعى ثروات هذا الوطن بمنظور قومي بحت، ولأ يعطي الفرصة للذين يتربصون بالعبث بقوت هذا الشعب الكريم، وطالب بربط كل ما يتعلق بضروريات المخزون الاستراتيجي بالأمن الاقتصادي، وقال في حديثه ل”اليوم التالي” بذلك نضمن سيطرة الدولة في هذا الشأن القومي (أمن زراعي أمن بحري)، وتابع : حينها نضمن سيطرة الدولة على الموارد التي تغذي اقتصاد السودان عبر تصدير المحاصيل الزراعية ذات الحوجة الخارجية، وأشار إلى أن الدولة تقوم بتشجيع المزارعين بالزراعة الآلية لسد العجز للاستهلاك الداخل، لافتاً إلى أن المخزون الاستراتيجي شيئٌ مهم يعود للأمن الاقتصادي، مؤكداً أن الأمن يمنع التهريب والتلاعب ويحكم التصرف في أساسيات الحياة ولا يجامل.
حرفة رئيسة
قال المهتم بالشأن الاقتصادي والمحلل السياسي د. أزهري بشير: إنه وفق المتغيرات العالمية فقد غالبية دول العالم خصوبة التربة وشح المياه بنسبة 80%، نسبة للعوامل الطبيعية، معتبراً أن السودان من الدول المهمة في إفريقيا من الناحية الاقتصادية، قائلاً إنها دولة تتمتع بإمكانيات وموارد طبيعية يمكن أن تكون مخزون العالم الاستراتيجي للغذاء، مضيفاً أنه لأسباب عديدة أدت إلى تدهور الاقتصاد في السودان بسبب عدم اهتمام الدولة والإنسان السوداني بالزراعة، موضحاً أنها الحرفة الرئيسة لشعب السودان بجانب الرعي والصيد المائي والبري.
شبح الأزمة
ويشير د. أزهري في حديثه ل”اليوم التالي” إلى أنه وسط تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا، والتضخم القياسي (192.21% )، يعاني ثلث سكان السودان من انعدام حاد في الأمن الغذائي، مبيناً أن انعدام الأمن الغذائي يهدد 15 مليونًا، وأوضح بأن بياناً صادراً عن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، أفاد بأن عدداً قياسياً يبلغ 15 مليون شخص في السودان، ثلث السكان، يواجهون حاليًا انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي، وأشار البيان إلى أن “الآثار المجتمعة للنزاع والصدمات المناخية والأزمات الاقتصادية والسياسية وارتفاع التكاليف وضعف إنتاجية المحاصيل، تدفع بملايين الناس إلى مزيد من الجوع والفقر، وطالب بضرورة الانتباه والاهتمام بالزراعة، قائلاً إنه الحل الوحيد للخروج من الأزمة الاقتصادية في السودان والابتعاد من شبح المجاعة.