د/ عادل عبد العزيز الفكي
نحتاج في بلادنا لمشروع نهضوي كبير، تحشد كل الإرادة الوطنية من ورائه، وتوجه كل أجهزة الإعلام للتبشير به والحديث حوله، مشروع للتفاؤل بمستقبل باهر للبلاد، وباعث للأمل بتحسن الأحوال المعيشية للمواطنين، نخرج به من حالة الإحباط التي تحيط بالسودانيين في الوقت الحالي، ونجمع حوله الفرقاء من مختلف الأحزاب والتنظيمات السياسية والمجتمعية.
في خمسينيات القرن الماضي وضعت مصر الشقيقة مشروع السد العالي كمشروع نهضوي كبير لكل الجمهورية ولكل المصريين، في كل شارع وفي كل قرية وحي كانت توجد لافتة مكتوباً عليها: (نحن حنبني السد العالي)، كل برامج الإذاعة والتلفزيون وجهت لحشد الجماهير لدعم ومساندة المشروع، الأشعار والأغاني بحناجر كبار المطربين أمثال عبد الحليم حافظ وأم كلثوم وظفت لهذا الغرض، دبجت المقالات وكتبت الكتب تمجيداً للمشروع وحثاً على إنفاذه.
أما في إثيوبيا، ومع بداية الألفية الثانية، أعلن الرئيس الراحل ملس زيناوي عن انطلاق العمل في أكبر سد مائي في قارة إفريقيا، وأطلق عليه اسم سد النهضة، وركز عليه كحجر أساس لمكافحة الفقر في إثيوبيا. وتمكن بحنكته ودرايته، وبمعاونة جهازه الحكومي، من حشد كل الإثيوبيين داخل وخارج إثيوبيا حول مشروع السد العملاق.
(السودان البلد الأخضر) هو بتقديري المشروع النهضوي المناسب. تتوفر لدينا في الوقت الحالي فرصة كبرى لاستغلال مواردنا الضخمة في القطاع الزراعي، في ظل ظروف دولية مواتية للغاية، حيث تمثل أزمة الغذاء العالمية، والتغييرات المناخية، والحرب الروسية الأوكرانية فرصة لبلادنا لن تتكرر.
يمكن أن تكون بداية المشروع من خلال مبادرة الأمن الغذائي العربي، التي وافقت عليها القمم العربية، وتتابع تنفيذها جامعة الدول العربية برعاية أمينها العام أحمد أبو الغيط، وتجد المبادرة اهتماماً كبيراً من د. جبريل إبراهيم وزير المالية والاقتصاد الوطني، وتجد الدعم والمساندة الفنية من البروفيسور إبراهيم الدخيري مدير المنظمة العربية للتنمية الزراعية ومقرها الخرطوم، وينسق الاتصالات بشأنها السفير محمد الياس سفير السودان لدى مصر ولدى الجامعة العربية.
كبداية يتوقع توفير تمويل بمبلغ خمسة مليارات دولار من الدول العربية لتحسين نظم الري بمشروعي الجزيرة والرهد، ولإنشاء سدود كجبار والشريك ودال، واستصلاح وزراعة مليون فدان في أعالي نهري عطبرة وستيت وإنشاء محطة توليد غازي عملاقة بطاقة ألف ميقا واط بولاية البحر الأحمر.
تحسين نظم الري بمشروعي الجزيرة والرهد سيمكن من إحداث طفرة هائلة في إنتاج الفول السوداني والقمح، وستوفر السدود الثلاثة الطاقة الكهربية اللازمة لري مساحات هائلة بولايتي الشمالية ونهر النيل تخصص لزراعة القمح، فيما تخصص المليون فدان بأعالي نهري عطبرة وستيت لزراعة الخضر وتربية الحيوان، وتوفر المحطة الغازية العملاقة ببورتسودان الطاقة اللازمة لتشغيل مخازن تبريد وتجميد كبرى للمنتجات الغذائية بالميناء الرئيس.
وهكذا تتكامل مكونات مشروع عملاق، يمكن أن يشكل أساساً لنهضة البلاد، من خلال صادرات غذائية لدول الخليج فقط بقيمة 25 مليار دولار، نحتاج لتصميم رسالة إعلامية واضحة بأهداف محددة لهذا المشروع النهضوي الذي توفرت له كل عوامل النجاح. والله الموفق.