محلل : ضعف القرارات ومتابعة التنفيذ
باحث : مستلب الإرادة، ولا يستطيع ألعمل خارج النفوذ الدولي
مراقب : اللجان الأمنية والسياسية تحتاح لمراجعة
أكاديمي : دول الاتحاد الشمولية لا ترغب في نظم ديمقراطية في المشهد
لماذا تخلت الوساطة الأفريقية عن القضية السودانية؟ ولماذا دور الاتحاد الأفريقي ضعيف في حل الأزمة السودانية؟ قطعاً الضباب كثيف جدأ في مرحلة الفراغ السياسي، لكن مراقبين تحدثوا ل ( اليوم التالي) قللوا من فعالية الاتحاد في المشهد السوداني لعوامل تخص منظماته وظروف العمل بها، لكن آخرين
رأوا أن الاتحاد الأفريقي؛ بما يشكله من دول، تتفاوت في أوزانها وتأثيرها على السياسة الإقليمية، وهذه الدول أغلبها ترزح تحت حكومات ديكتاتورية لا ترغب البتة في وجود نظم ديمقراطية في المشهد الأفريقي، وذلك لأن هذه النظم تعبر عن إرادة الجماهير والشعب، وهذا سوف يعيق مواصلة حكم الاستبداد ويكبح جماح مصالح النخب السياسية الحاكمة في العديد من البلدان الأفريقية. كذلك يمكن وصف الاتحاد الأفريقي بالتنظيم الإقليمي المستلب الإرادة؛ الذي لا يستطيع أن يعمل خارج نطاق المصالح والنفوذ الدولي للدول الكبرى في النظام الدولي.
الخرطوم _ إبراهيم عبد الرازق
فلاش باك !
بعد أكثر من عام كاملٍ من مفاوضات السلام الشاقة في أبوجا، تمكن وسطاء الاتحاد الأفريقي يوم 5 مايو/أيار من تحقيق نجاحٍ مهم؛ تمثل في توقيع الحكومة السودانية وأكبر حركات التمرد، وهي جيش/حركة تحرير السودان بزعامة ميني ميناوي أركاو، على اتفاقية السلام في دارفور. وكان من المخطط له أن تتوج مساعي الوساطة السلمية التي يقوم بها الاتحاد الأفريقي ببدء عهدٍ جديدٍ في دارفور، مع تولي الأمم المتحدة مهمة حماية المدنيين التي تقوم بها بعثة الاتحاد الأفريقي، إضافةً إلى مهام أخرى. لكن الحكومة السودانية ترفض طلب الاتحاد الأفريقي بأن تتولى الأمم المتحدة مسؤولياته، وذلك على الرغم من قول تلك الحكومة – سابقاً – أن بوسع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة أن تعمل في دارفور بعد التوصل إلى اتفاقية سلامٍ هناك، وذلك أسوةً بما حدث في جنوب السودان.
ينتشر الآن في دارفور أكثر من 7000 جندي أفريقي (وأكثرهم من نيجيريا ورواندا وجنوب أفريقيا والسنغال). لكن ما يقدر بمليوني مدني مازالوا (وخلال السنتين الماضيتين) غير قادرين على استعادة حقولهم، فالعنف يضطرهم إلى البقاء في المخيمات والمناطق المعزولة. كما أن هناك 1.3 مليون شخص (وهذا ما يصل بالعدد الإجمالي إلى أكثر من نصف سكان دارفور) متضررين بشدةٍ جراء العنف المتواصل منذ ثلاث سنوات، والذي دمر الاقتصاد المحلي إلى درجة تجعلهم بحاجةٍ إلى مساعداتٍ طارئة تقدّر ببلايين الدولارات.
إن “التطهير العرقي” واستمراره في دارفور نتاجٌ لعمل الحكومة السودانية وميليشيات “الجانجاويد” التابعة لها، والتي وافقت الحكومة على نزع سلاحها وتطبيعها بموجب اتفاقية السلام في دارفور. كما تواجه بعثة الاتحاد الأفريقي تحدياتٍ متزايدة من جانب متمردي كلٍّ من حركة/جيش تحرير السودان وحركة العدالة والمساواة، والتي تقوم (مع قواتٍ أخرى لم تحدد هويتها) بهجمات على قوافل الإغاثة الإنسانية وعلى المدنيين، منتهكة بذلك القانون الدولي لحماية الإنسان.
وعلى الاتحاد الأفريقي أن يركز على تعزيز أعمال حماية المدنيين التي تقوم بها بعثته في السودان، من خلال مطالبة البلدان الأفريقية بتقديم القوات الإضافية اللازمة؛ إضافةً إلى مطالبة شركاء الاتحاد الأفريقي بتقديم التمويل والدعم اللوجستي اللازمين لهذه القوات. وعليه ضمان اتخاذ خطوات هجومية لحماية المدنيين، وذلك من قبيل إقامة وحدات الرد السريع التي تكون قادرةً على وضع حد للعنف ضد المدنيين.
وسوف يدرس مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي توسيع مهام بعثة الاتحاد الأفريقي في السودان. ويجب أن ينص التكليف الجديد على أن من واجب بعثة الاتحاد الأفريقي وصلاحياتها أن تستخدم القوة لحماية المدنيين من الهجمات أو من التهديد بالعنف، وذلك بحيث ينص تحديداً على “استخدام جميع الوسائل اللازمة لحماية المدنيين، بمن فيهم عمال الإغاثة الإنسانية”.
وعلى مجلس السلم والأمن مطالبة بعثة الاتحاد الأفريقي بنشر تقارير هيئة مراقبة وقف إطلاق النار على وجه السرعة، والتخلي عن مسعى التوصل إلى توافقٍ عليها من خلال السماح لأطراف اتفاق وقف إطلاق النار، بتقديم اعتراضاتهم على التقرير، وإضافاتهم عليه، بحيث تنشر بالتزامن معه.
ولابد من أن ينص التكليف الجديد – بوضوح – على أن بعثة الاتحاد الأفريقي في السودان مخولةٌ بمساندة الجهود الرامية إلى نزع سلاح الجماعات المسلحة وحلها وتطبيعها، وكذلك القيام بالمهام الأخرى التي جرت الموافقة عليها بموجب اتفاق السلام في دارفور.
تنفيذ المهام الأساسية الضرورية لحماية المدنيين بموجب اتفاق السلام في دارفور.
على بعثة الاتحاد الأفريقي في السودان اتخاذ خطوات فورية لتنفيذ ما يقع ضمن مسؤولياتها من اتفاق السلام في دارفور، وخاصةً ما يتعلق منها بالوقف الشامل لإطلاق النار وبالترتيبات الأمنية الدائمة المصممة لوضع حد للعنف هناك. وثمة جماعتين متمردتين أصغر حجماً، لم توقعا على اتفاقية السلام في دارفور، وهما حركة العدالة والمساواة والفصيل التابع لعبد الواحد محمد نور ضمن حركة/جيش تحرير السودان. لكن الفصيل الآخر من الحركة الذي وقع على الاتفاقية يمثل الشطر الأكبر من القوة العسكرية للمتمردين. وعلى الاتحاد الأفريقي ودوله الأعضاء؛ حث كلٍّ من الحكومة وحركة/جيش تحرير السودان على تنفيذ ما اتفقا عليه في أبوجا يوم 5 مايو/أيار دون مزيدٍ من التأخير، وذلك طبقاً للجدول الزمني الذي تفاوضا عليه بالتفصيل. فكلما تأخرا في الالتزام باتفاق السلام في دارفور؛ تضاءل الدفع الناجم عن توقيع ذلك الاتفاق، وكلما بقيت حالة انعدام الأمن تخيم في أرجاء دارفور.
وعلى دول الاتحاد الأفريقي أن تصر على التزام الجانبين بالمواعيد الزمنية المحددة لعددٍ من النقاط المتعلقة بالأمن ووقف إطلاق النار، والتي فات موعدها. فمثلاً، كان على الطرفين أن يقدما إلى وسطاء الاتحاد الأفريقي تركيب قوات كلٍّ منهما، إضافةً إلى قوائم بالميليشيات والجماعات المسلحة التابعة لكلٍّ منهما، وكذلك المواقع المعروفة لميليشيا الجانجاويد، وذلك قبل تاريخ 16 مايو/أيار، وهو الموعد الذي أطلق عليه اسم “يوم D‘”. وهناك خطواتٌ أساسية تسبق نزع سلاح الجانجاويد والقوات الأخرى التي تهدد المدنيين.
مشاكل الاتحاد
وقال استاذ العلوم السياسية د راشد محمد علي الشيخ: إن الوساطة الأفريقية كانت ( بالتركيب ) جزءاً من المبادرة الأممية التي ابتدرتها رئاسة (اليونتامس)، وأضاف ل ( اليوم التالي) ، وبطبيعة التفويض وقتها طلبت (اليونتامس) من الاتحاد الأفريقي أن يكون موجوداً كوسيط مباشر لحل الأزمة السودانية، بهذا الشكل صار النظر للاتحاد الأفريقي على أنه جزء من المسألة الكلية المتعلقة بعملية المفاوضات، لم يكن المساهم الأساسي لأن البداية الأساسية للمساهمة كانت من ( اليونتامس )، وهنا يظهر دور الاتحاد الأفريقي كوسيط مساعد بالنسبة للأمم المتحدة، ووسيط مباشر لحل الأزمة من قبل المنظمة، بهذه التركيبة وبطبيعة شكل التفاوض في السودان أصبح التركيز على الأبعاد الأممية أكثر من التركيز على الأبعاد الأفريقية، وتابع شيخ الدين.. ما شكل خللاً كبيراً صاحب آلية التفاوض، يترافق مع ذلك كله أن الاتحاد الأفريقي – بكل أسف – لا يمتلك رؤية قوية في مسألة إدارة الأزمات السياسية في الدول المنضوية تحت لوائه، وأيضاً ظهرت بعض الثغرات الاستراتيجية في إسكات صوت البنادق في 2020 ، وهي الاستراتيجية المركزة للاتحاد في مسألة إنهاء الحروب والنزاعات في القارة الأفريقية.
ومضى راشد ، كذلك فيما يتعلق باستراتيجية التنمية بين 20 إلى 2030 فإن من الواضح الدور الضعيف للاتحاد في عمليات التنفيذ، وهذا بالطبع يشير إلى أنه هناك خلل واضح في مسألة اتخاذ القرار داخل أروقة الاتحاد. وكذلك تنفيذ القرارات الصادرة، كل هذه المسائل تنم عن ضعف التفاعل الأفريقي مع القضايا القائمة في القارة الأفريقية بشكل عام، وفي الدول التي ظهرت فيها الأزمات بصورة حديثة كالسودان عقب عملية التغيير..
وأرجع راشد ضعف دور الاتحاد لضعف التجمع بداخله، وزاد.. الاتحاد لم يتزود بالقوة الكافية التي تجعله يحقق الاستراتيجيات التي خطط لها وكتبها، بالتالي كونه لم يحقق إستراتيجيته، لم يستطيع إدارة الأزمات، لأن الأساس أن تعمل في تنفيذ الاستراتيجيات حتى تتفادى الأزمات، لكن العمل عليها لحظة وقوع الأزمات يحمل اعترافاً ضمنياً بعدم سلامة التنفيذ، هذا يشير إلى الدور الكبير المفترض القيام به من بعض الأجسام داخل الاتحاد مثل ( مفوضية السلم والأمن الأفريقي) و ( مفوضية الشؤون السياسية)، أحياناً تظهر أدوار لمفوضية السلم والأمن، لكن الشؤون السياسية لا تظهر أدوارها في الاتحاد وأزمات المطروحة، ويترافق مع هذا وذاك، هنالك أيضا(لجنة السيسا)
وهي لجنة أجهزة الأمن والمخابرات في أفريقيا، وهذه تنشط لفترات متقطعة، لكنها تخاطب قضايا ذات تحرك آلي أو لحظي في الإطار الأفريقي، وهي مسائل متعلقة كلياً بالمفاهيم الأمنية والاستخباراتية، وأخرى تتعلق بمكافحة الإرهاب وما إلى ذلك، وهذه كلها قضايا مستحدثة موجودة داخل السياق الكلي المتعلق بالوجود الأفريقي والاتحاد الأفريقي، لكن مخاطبته كاتحاد لا تعكس الإرادة الأفريقية الكلية في مسألة حلحلة المشاكل والقضايا، تجدر الإشارة إلى أن طبيعة تكوين الاتحاد نفسه تحتاج إلى مراجعه، خصوصاً في ما يتعلق بالإدارات المنفذة للاستراتيجيات، لا سيما مفوضية الشؤون السياسية و الشؤون الاجتماعية، وكذلك مفوضية السلم والأمن الأفريقيين.
تفاوت الأوزان
من جهته.. رأى استاذ العلوم السياسية عبد القادر محمود صالح؛ أن الدور الأفريقي في حل قضايا القارة بصفة عامة والسودان على وجه التحديد مهم جداً، وأضاف ل( اليوم التالي)..لكن الاتحاد الأفريقي منذ تأسيسه لم يفلح بشكل كبير في المساهمة لمعالجة قضايا القارة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وقضايا النزاعات والانقلابات وعدم الاستقرار السياسي في كثير من بلدان القارة بما في ذلك السودان.
وتابع عبد القادر.. الاتحاد الأفريقي بما يشكله من دول تتفاوت في أوزانها وتأثيرها على السياسة الإقليمية، وهذه الدول أغلبها ترزح تحت حكومات ديكتاتورية لا ترغب البتة في وجود نظم ديمقراطية في المشهد الأفريقي، وذلك لأن هذه النظم تعبر عن إرادة الجماهير والشعب، وهذا سوف يعيق مواصلة حكم الاستبداد ويكبح جماح مصالح النخب السياسية الحاكمة في العديد من البلدان الأفريقية. كذلك يمكن وصف الاتحاد الأفريقي بالتنظيم الإقليمي المستلب الإرادة الذي لا يستطيع أن يعمل خارج نطاق المصالح والنفوذ الدولي للدول الكبرى في النظام الدولي.
لا أعتقد أن الاتحاد الأفريقي يمتلك القدرة الذاتية للتحرك نحو أي قضية تتعلق بعدم الاستقرار السياسي في السودان، وما يؤكد ذلك هو أن الاتحاد الأفريقي اختفى من المشهد السياسي السوداني، بمجرد تراجع جهود اليونيتامس والتأثير الإقليمي.
هنالك معادلة سياسية تتأسس عليها جهود الاتحاد الأفريقي؛ وهي أن الوضع الراهن في السودان لا يمكن معالجته إلا من خلال دعم المكون العسكري، دون الاهتمام لأمر الثورة ورغبة الجماهير الواسعة التي تريد تأسيس دولة مدنية وديمقراطية في قلب القارة الأفريقية، وهذا يقض مضاجع الدول الاستبدادية التي لها نصيب الأسد في هرمية الاتحاد الأفريقي.