بدأ الأمر بخلاف بين ديوان المراجع القومي وجهاز الرقابة على التأمين حول إعادة تقييم أصول حملة وثائق شركة شيكان للتأمين استدعى كلٌ حججه ودفوعاته لينتهي الأمر بمناقشة القضية في سياقها الكلي، ليعقد الجهاز الرقابة على التأمين بالتنسيق مع الاتحاد العالمي لشركات التكافل واتحاد شركات التأمين ورشتته الأولى حول الملاءمة المالية في قاعة تدريب الإمدادات الطبية والتي تداعى لها قطاع التأمين بقياداته وخبرائه وأهل الاختصاص والدربة قبل أن يردفها بورشة أخرى أكثر عمقاً وتخصصاً حول إعادة تقييم أصول حملة الوثائق واستجلاء الآراء والمقترحات والمواقف والانتهاء إلى توصيات قابلة للتطبيق ولجان مشرفة على أعمال التنفيذ.
تحرير المسائل قبل تقرير الأحكام
تناولت الورقة الأولى المنهج التنظيمي والرقابي الشامل للملاءمة المالية في شركات التأمين التي قدمها الأستاذ محمد عوض محمد عمر الخبير الأكتواري ومدير الشركة التكافلية عبر محاور مختلفة تناولت نظم الملاءمة المالية ومتطلباتها الكمية والنوعية ومتطلبات الحوكمة والشفافية والإفصاح مع حديث واسع حول تقييم السلامة المالية قبل أن يخلص إلى دراسة هامش الملاءمة المالية من منظور مقارن وإفراد حيز مقدر من النقاش حول سؤال (سودنة المعايير وملاءمتها مع الأوضاع السودانية).
وعضد دكتور محمد فاروق عبد الحليم، الاتجاه الداعي إلى ضرورة تعديل هامش الملاءمة المالية وهو ما توافق حوله جميع المتداخلين في الورشة سيما الرؤساء التنفيذين في الشركات التأمينية الذين أجمعوا على تعديل المعادلة بصورتها القديمة (إجمالي حقوق حملة الأسهم + حقوق حملة الوثائق ÷ إجمالي الاشتراكات) وهي صيغة تحمل في طياتها مفارقة غريبة متصلة باتساع الفجوة بين الحد الأدنى للملاءمة المقررة بـ20% مع اضطراد زيادة حجم الاكتتاب وأن أكبر الشركات على قائمة الاكتتاب هي الأقل إنجازاً لهامش الملاءمة المطلوب.
أفق المعالجة المطروح
وقدم دكتور محمد عبد العزيز الصافي الورقة الثانية، وعقب عليها مولانا محمد موسى الأمين السابق لجهاز الرقابة والسيد حسن السيد العضو المنتدب للشركة السودانية للتأمين والتي تناولت طرق قياس الملاءمة المالية المستخدمة بواسطة الجهاز القومي السابقة واللاحقة ومقترحات التطوير والتجويد، حيث تم عرض مقاربات بديلة أثارت نقاش كثيف من الحضور سيما فيما يتعلق بمنهج حساب الملاءمة ومعادلات البسط والمقام والمقتضيات النظرية والعملية.
التجربة الماليزية حاضرة دائماً
وقدم بروفسور يونس صوالحي ورقة الثالثة حول الملاءمة المالية في شركات التكافل الماليزية وعقب عليها عمر الفاروق مدير القطاع الفني السابق بشركة شيكان والخبير المعروف والدكتور عادل حسين من مصر، حيث تم الاستئناس بالتجربة الماليزية في حساب هامش الملاءمة والنظم والقياسات التطبيقية المعتمدة ومدى صلاحيتها للتجربة السودانية.
سودنة المعايير الدولية
وتم إفراد الورقة الرابعة والخامسة للحديث عن المعيار رقم 11 ومتطلبات الملاءمة المالية وقدمها الأستاذ مصطفى شريف نائب المدير العام للشركة المتخصصة للتأمين وبتعقيب من دكتور إبراهيم الضرير ودكتور صلاح حسيب والمعيار رقم 29 والخاص بالتقرير المالي في الاقتصاديات ذات التضخم المرتفع وأثره على الملاءمة المالية وإعادة تقييم الأصول لشركات التأمين والتي قدمها الدكتور عبد الهادي ساتي محمد وعقب عليها الأستاذ آدم عبد الله لتنتهي الورشة إلى تكوين لجنة برئاسة الأستاذ صلاح الدين موسى مدير عام شركة شيكان للتأمين لتجسيد النقاشات والتوصيات وخلاصات الأوراق والاستفادة منها في تقديم مقاربة جديدة للملاءمة المالية.
طرح القضية في منظور أعمق
وجاءت الورشة الثانية استكمالاً للنقاش حول الملاءمة المالية بتركيز أعلى على موضوع إعادة تقييم أصول حملة وثائق التأمين والتي انعقدت بقاعة تدريب الإمدادات الطبية، وقدمت فيها ورقة حول ضرورة إعادة تقييم أصول حملة الوثائق أعدها حامد أحمد الطيب وناقشها يوسف آدم بخيت والدكتور محمد عبد العزيز وقد ذهبت إلى ضرورة إعادة تقييم أصول حملة الوثائق سيما في ظل ارتفاع معدلات التضخم وحدوث أزمة اقتصادية تعيد ترتيب الواقع الهيكلي للاقتصاد الكلي كتلك التي يمر بها السودان.
أما الورقة الثانية حول أثر إعادة تقييم أصول حملة الوثائق في شركات التأمين والتي قدمها دكتور حامد عبد الله حامد وعقب عليها الأستاذ صلاح الدين موسى والشيخ إبراهيم الضرير فقد بدت أقل حماسة إلى إعادة تقييم الأصول، إلا لضرورة يحتمها سياق الظروف والأوضاع .
وذكر الأستاذ صلاح الدين موسى المدير العام لشركة شيكان ونائب رئيس الاتحاد العالمي لشركات التكافل والتأمين الإسلامي، أنه لا مناص من تعديل معادلة الملاءمة المالية واعتماد إعادة تقييم الأصول ضمن عناصرها، موضحاً أن الظرف الاقتصادي الراهن يحتم على السلطة الرقابية إعادة تقييم الأصول وهو ما يتماهى مع رغبة جميع شركات التأمين واتحادهم الممثل لتطلعاتهم، مؤكداً أن جميع الشركات لا تعتبر الاستمرار في المعادلة الحالية والمستقبلية ويلبي احتياجات راهن التجربة في تجليها المشهود.
قضايا القطاع.. الاستشراف والهواجس
حلول جذرية
بدت في تقديرات كثير من المراقبين متراجعة على نحو مقلق جعلت الأمين العام للجهاز القومي للرقابة على التأمين الأستاذ محمد ساتي يعلن على الملأ أن سوق التأمين ليس بخير وأن الإشكالات تبدو من العمق بمكان بحيث تستدعي حلولاً جذرية لجهة أن العقلية التي تحكم كثيراً من الشركات هي عقلية التاجر لا عقلية المستثمر وأن الزيادة المهولة في حجم الاكتتاب مردها إلى التضخم وليس إلى اتساع قاعدة المشتركين بل أن قطاع النفط الذي تبلغ أقساطه التأمينية 11 مليون دولار كأكبر قطاع مؤمن تذهب جل أمواله إلى الخارج ولا يحتفظ إلا بما نسبته 4% في سوق التأمين السوداني مبيناً أن شركة إعادة التأمين الوطنية لا يتجاوز اكتتابها 8 ملايين دولار، مظهراً ضيقه من شكاوى كثير من حملة الوثائق حول مستوى الخدمات وتعثر دفع الاستحقاق لينتهي إلى ضرورة رفع رأس مال الشركات وتقوية مراكزها المالية وتنفيذ توصيات المؤتمرات التي تم عقدها في عهدة أمانته العامة بخصوص مؤتمر التأمين، ومؤتمر التأمين التكافلي، ومؤتمر تجربة التأمين الزراعي، والسمنارات وورش العمل المختلفة، مؤكداً أنه يسعى إلى توسيع دائرة الحوار حول القضايا والاعتناء بالنظر المستبصر في الممارسة العملية وتأسيسها على قواعد راسخة من الإجماع..
مراجعة لا تراجع
من جهته أمّن المهندس حسن إبراهيم الحسن الأمين العام لاتحاد شركات التأمين على نهج الحوار بين ثلاثة مكونات رئيسة هي الجهاز كسلطة رقابية واتحاد الشركات كممثل للسوق ومعبر عن مصالح الشركات والاتحاد العالمي لشركات التكافل لاهتمامه بإغناء التجارب التكافلية العملي منها على ضوء المقاربة النظرية التي غدت مناهج ونماذج يفيد بعضها من بعض، موضحاً أن القضية وأن بدت جزئية فإنها تعبر عن الحاجة إلى مراجعة التجربة وتعهدها بالتطوير والتحسين المستمر.
الأفق المفتوح
يبدو أن التجربة العملية في حاجة ماسة لإصلاح وتطوير الصناعة التأمينية وتوسيع قاعدتها وتنويع محفظتها والارتقاء بمسارات المهنة ومدونتها الأخلاقية والسلوكية فضلاً عن الاشتغال على القضية المركزية المتصلة بإعلاء مستويات الوعي التأميني ونشر المعرفة والتنويه بالمزايا التأمينية في عمومها وخصوصها عبر آليات التعليم والمثاقفة والتدريب والإعلام والخطاب المجتمعي المفتوح والاتصال المباشر مع القطاعات المهنية والفئوية والمؤسسات من خلال التنسيق والتشبيك والاستثمار في العلائق ومد جسورها على مبدأ الفوز المشترك.. وهو أمر لن تقوم به شركة بمفردها أو اتحاد بمفرده أو هيئة بمفردها كونها مهمة تنتظر الجميع وواجب لا يمكن تأجيله إلى الغد سيما إذا كان هذا الغد محفوفاً بالمخاطر والمكاره مجهول العاقبة بغرر كثير أو مغتفر..