الطاهر ساتي يكتب: نابليون المرحلة..!!

:: عندما كان أهل السودان يتوافدون إلى مشروع الجزيرة بغرض العمل، قرر ثلاثة من أبناء قرية (أب ربجة) اللحاق بالوافدين.. وهناك اندمجوا في مجتمع الجزيرة، واحترفوا كل المهن، و أصبح الطلب عليهم كثيراً.. حدادة، نجارة، ميكانيكا، خرصانات، طوب أخضر، تكييف وتبريد، تجليد العناقريب، حفر الآبار و..و.. (أولاد أب ربجة) لكل الأعمال.. و ذات يوم، تمخضت زوجة مدير المشروع، وطلبوا من السائق الذهاب بها إلى مستشفى مدني، فرد عليهم : (قبل ما نمشي مدني؛ نشوف أولاد أب ربجة ديل، يمكن نلقى فيهم داية)..!!

:: وفي البلاد ظاهرة لا تختلف عن ظاهرة (أولاد أب ربجة)، بحيث يتكلم البعض في كل شيء، و يسعى إلى عمل كل شيء، و كأنه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير.. والشاهد، عندما يُنظم تحالف سياسي ندوة عن الوضع الاقتصادي أو عن هيكلة الجيش أو المناهج المدرسية، فإن الظن الحسن يذهب بك إلى أن المتحدثون في الندوة حتماً هم بعض علماء الاقتصاد و خبراء العلوم العسكرية و أساتذة التربية والتعليم، و ليسوا مجرد سياسيين و نشطاء، أو كما يحدث حالياً..!!

:: ليس هناك ما يمنع الأحزاب عن عقد ورش و ندوات متخصصة، يتبارى فيها الخبراء والعلماء في طرح الرؤى والأفكار و المشاريع التي تُسهم في تطوير وإصلاح مؤسسات الدولة، بما فيها العسكرية، فهذا مشروع و مقبول و مطلوب.. ولكن ما يحدث حالياً نوع من التهريج الذي لا يليق بمن نلقبهم بالمسؤولين، ولا يخدم المؤسسات المراد تقويتها وتطويرها، بل يُضعفها ويهدمها.. وإن لم يكن إضعاف مؤسساتنا الوطنية وهدمهما بعض مطالب دول الجوار و المحاور، فهما بعض أماني تلك الدول، والمهرجون إما ينفذون المطالب بذكاء خارق أو يحققون الأماني بغباء مدقع ..!!

:: وعلى سبيل المثال، من يتحدثون اليوم – باسم قوى الحرية و التغيير – عن هيكلة القوات المسلحة هم ياسر عرمان وصديق المهدي و وجدي صالح، وبغض النظر عن مخاطر الفترات الانتقالية في كل دول العالم، فالمتحدثون الثلاثة علاقتهم بالنظم و العلوم العسكرية مثل علاقة طه الضرير والطيب ود ضحوية بتكنولوجيا صناعة الطيران.. ولو أدخلوهم الثلاثة إلى مكاتب هيئة الأركان، و أجلسوهم على مقاعد الهيئة، و وضعوا أمامهم الأوراق و الأقلام، ثم طالبوهم بتنفيذ الهيكلة التي في مخيلتهم، لرأينا عجباً..!!

:: فالمشير الركن ياسر عرمان خدم في جيش قرنق الذي أصبح عشرين جيشاً، و يستلهم هذه التجربة حين يتحدث عن هيكلة جيش السودان، بحيث يصبح (جيوش قبائل).. أما الفريق الركن صديق المهدي، فقد نهل التجارب من جيش الأمة وعمليات تهتدون التي حررت الخرطوم من الفلول، ويسعى لتطبيق تلك التجارب في جيش السودان، بحيث يصبح (جيش حزب).. وكذلك المهيب الركن وجدي صالح خليل، وحسب شعار حزب البعث الذي ينتمي إليه، فإن العقيدة القتالية لجيش السودان يجب أن تكون عروبية مثل (كتائب حنين)..!!

:: تلك هي سيرة و مسيرة وتجربة عظماء المرحلة – وجدي وعرمان وصديق – مع (جيوشهم).. وبتلك السيرة الطيبة والمسيرة الظافرة والتجربة الثرة، بلغوا مقام الأسكندر الأكبر ويوليوس قيصر وصلاح الدين الأيوبي، ولم يعد ينافسهم أحد في هيكلة وتأسيس وقيادة الجيوش، والمطلوب من الشعب السوداني الاستفادة منهم في تأسيس قواته المسلحة عاجلاً، أي قبل أن يصبحوا أساطيراً في كُتب تاريخ مثل نابليون بونابرت..!!

 

Comments (0)
Add Comment