(عصب) سلام جوبا “الترتيبات الأمنية”.. جيوش متعددة في ظل أزمة سياسية

برغم مضي أكثر من عام على توقيع اتفاقية جوبا لسلام السودان، إلا أنه ما يزال بند الترتيبات الأمنية عالقاً، ولم يحدث فيه أي تقدم على الأرض، وتبرر الجهات الرسمية تأخير تنفيذ هذا النص بشح في الأموال المطلوبة لإكمال هذه العملية التي تُعتبر عصب الاتفاق، ومن دونها يصبح على (كف عفريت)، ومهدداً بالنسف بسبب التعقيدات السياسية التي تمر بها البلاد، فضلاً عن تعقيدات تتعلق بتأييد بعض الحركات للانقلاب ومساعدته أو التعامل معه كأمر واقع، لكن بعد الانقلاب أصبح الملف لا يسير إلى أي جهة، مما أدى إلى الخوف والملل من عدم سير الملف. واتهم مصدر في تصريح لـ(اليوم التالي) الحكومة بتسببها في تعطيل تنفيذ الترتيبات الأمنية، متعللة بعدم وجود التمويل الكافي لإجراء العملية، وأشار إلى أن السلطات المحلية لم تكن شريكة في التمويل أو الدعم اللوجستي لعملية الترتيبات الأمنية التي شهدتها إحدى ولايات البلاد مؤخراً.
الخرطوم : أمنية مكاوي
بسبب الأموال :
د.جبريل إبراهيم وزير المالية والتخطيط الاقتصادي، قال: إن ضعف الموارد ووقف التمويل الخارجي أدى الى عدم تنفيذ اتفاقية جوبا بالصورة المطلوبة، وأضاف.. إن اتفاقية السلام خصص لها نسبة محددة في الموازنة لإكمال البنود الأساسية للاتفاقية، وأن وزارة المالية لا تستطيع تجاوز هذه النسبة، مضيفاً أن بند الترتيبات الأمنية وعودة النازحين واللاجئين يحتاج الى أموال ضخمة، وأشار في هذا الخصوص إلى أن العلاقات مع البنك الدولي تتوقف على الاستقرار السياسي في البلاد، لكن هنالك نشاطاً يجري مع الصناديق العربية بالتركيز على السعودية، مضيفاً أن مشكلة موارد السودان تتمثل في الإدارة والتوظيف السليم، وأوضح الوزير للإذاعة – في وقت سابق – أن الاقتصاد يواجه بعض التحديات كما في الاقتصاد العالمي وكثير من الأزمات، إلا أن العمل جارٍ لمواجهة هذه التحديات وتذليل العقبات أمام النهضة الاقتصادية؛ بالتركيز على زيادة الرقعة الزراعية، وتوفير مدخلات الإنتاج والثروة الحيوانية، بجانب الاهتمام بالتعدين، وزيادة إنتاج النفط، والتوسع في الصناعات الصغيرة والمتوسطة والتحويلية وجذب الاستثمارات والمستثمرين الأجانب.
تخريج دفعة جديدة :
قبل فترة؛ شهد الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي؛ الاجتماع الرابع للمجلس الأعلى المشترك للترتيبات الأمنية، مسار دارفور، وقال اللواء الركن محمد علي صبير، مقرر المجلس الأعلى المشترك للترتيبات الأمنية وقتها: إنّ المجلس استعرض مستوى تنفيذ قرارات اجتماعه السابق الذي عُقد بمدينة الفاشر، حول سير تنفيذ بند الترتيبات الأمنية لاتفاق سلام جوبا مسار دارفور.
قرارات المجلس الأعلى :
ولفت صبير إلى أن الاجتماع خلص إلى جملة من القرارات المهمة التي تُصب في مصلحة تنفيذ اتفاقية جوبا لسلام السودان، خاصةً في ما يلي ملف الترتيبات الأمنية، إلى جانب معالجتها لبعض الإشكالات والتحديات التي تواجهها.
لم نشهد تقدم منذ المجيئ :
الناطق الرسمي لقوى تحرير السودان؛ فتحي عثمان قال: إن برتوكول الترتيبات الأمنية من أهم برتوكولات السلام؛ عادة في أي اتفاقات ذات الطابع العسكري يبدأ تنفيذ الاتفاق بالترتيبات الأمنية أولاً وفق المصفوفة والجداول المتفق عليها، منذ مجيئنا إلى السودان بعد التوقيع النهائي لم نشهد تقدماً ملموساً في البروتوكولات الثمانية وخاصة ملف الترتيبات الأمنية، وقال ل (اليوم التالي) برأيي أن تأخير تنفيد بند الترتيبات الأمنية قد أدى إلى تأثير سلبي على عملية السلام برمتها، و الشاهد على ذلك التفلتات الأمنية في دارفور والنيل الأزرق وشرق السودان، وأضاف.. ظللنا مراراً وتكراراً نناشد الجهات ذات الصلة والاختصاص؛ الإسراع في تنفيذ بند الترتيبات الأمنية ولا نجد أذناً صاغية، وأضاف عثمان.. هنالك تحجج بعدم وجود أموال كافية لتنفيذ الترتيبات الأمنية، وهذا بالنسبة لنا غير واقعي، وأي تأخير أكثر من ذلك سوف يعطل عملية السلام، وندخل في دوامة لا يحمد عقباها، و نحن لا نريد ذلك.
مطلب دمج الجيوش :
وقال عثمان: أصبح مطلب الشعب السوداني الآن دمج كل الجيوش الموجودة خارج المؤسسة العسكرية للجيش، ليصبح جيشاً وطنياً موحداً ونحن نؤيد ذلك، لكن بالتأكيد بطء التنفيذ قد يؤخر مسألة الدمج في المؤسسة العسكرية؛ مما يؤدي إلى تأخير التحول المدني الديمقراطي، ولا يكون هنالك تحول مدني ديمقراطي إلا بوجود جيش موحد في البلد، فبالتالي نرى أن عميلة تأخير تنفيذ الترتيبات الأمنية لها تأثير واضح في ملف السلام الذي لم يتم تنفيذ بنوده سوى أقل من 1%.

مسارات كارثة:
فيما يرى المحلل السياسي الفاتح عثمان أن اتفاقية جوبا للسلام؛ تواجه مشكلات كثيرة حالت دون التنفيذ الكامل لبنودها، أهمها عدم وجود جهة دولية ترعى الاتفاقية، وتلتزم بتمويل مستحقاتها، وبما أن حال إيرادات الحكومة السودانية يغني عن السؤال إذ أنها تكابد للوفاء بالفصلين الأول والثاني؛ فإنه لم يكن مستغرباً تعثر تنفيذ الاتفاقية أما إذا استصحبنا ما تمت تسميته بمسار الشرق والشمال والوسط فإنه بات كارثة لأنه تم مع جهات تفتقر للتأييد الشعبي وهو ما أدخل البلاد في أزمة كادت تعصف بأمنها القومي، أي أزمة شرق السودان.
وعليه فإن تنفيذ الترتيبات الأمنية كاملة في ظل الأوضاع السياسية المضطربة في السودان يظل أمراً محفوفاً بالمخاطر، خاصة وأنه لا أحد يعرف مستقبل الاتفاقية ولا مستقبل السودان نفسه، في ظل عدم وضوح الرؤية السياسية للبلاد، ولهذا لم يكن مستغرباً إرجاء تنفيذ الترتيبات الأمنية انتظاراً لمعرفة مستقبل الحكم في السودان، وأضاف الفاتح لـ(اليوم التالي).. وما لم يتم إلغاء مسارات الشرق والشمال والوسط وتعديل او إلغاء بنود تمويل الاتفاقية او إيجاد جهة خارجية تقبل بتمويل الاتفاقية؛ فإنها ستظل غير قابلة للتنفيذ إلا في توزيع المناصب الحكومية لقيادات اتفاقية جوبا للسلام .
هيكلة القطاع
بند الترتيبات الأمنية بمثابة العمود الفقري لاتفاقية جوبا، وذلك لارتباطه بالسلام الحقيقي وإنهاء الحرب، و ارتباطه بهيكلة وتطوير القطاع الأمني في الدولة، ومعالجة وضع الجيوش المتعددة تحت راية وقيادة وهدف وعقيدة واحدة، وأن أساس اتفاقية جوبا لم تكن استوزار وإجلاس عدد من القيادات في كراسي السلطة التنفيذية والسيادة؛ باعتبار ذلك لا ينهي الحرب ولا يحقق السلام، هكذا بدأ القيادي بالجبهة الثورية، عبد الوهاب جميل، إفادته لـ(اليوم التالي) مشيراً إلى أن عدم تنفيذ بند الترتيبات الأمنية يفقد اتفاق جوبا مضمونه الأساسي، ولا يمكن السيطرة على كل الجيوش المالكة للسلاح إلا بتوفيق أوضاعها عبر برنامج الدمج أو التسريح، وبالتالي تسليم أسلحتها للقيادة الموحدة.
عدم التنفيذ يؤجج الصراع :
واعتبر جميل أن عدم تنفيذ بند الترتيبات الأمنية أضعف ويضعف اتفاقية جوبا، ويشعر المواطن بالخوف والخطر.
وتابع “أيضاً عدم تنفيذه يؤجج الصراع ويفقد الثقة بين الجميع؛ حيث الكل يعتمد في تنفيذ شروطه على قوته العسكرية التي مازالت تحت إمرته وقيادته”، واستطرد بالقول:”لكن بالمقابل يحتاج تنفيذ بند الترتيبات الأمنية بكامله ووفقاً لنقاط وشروط الاتفاق إلى المال، في ظل وضع اقتصادي متردٍ، وخزينة خاوية لا تستطيع الإيفاء بمتطلبات الحياة اليومية للشعب السوداني”. مشدداً على أن التنصل عن دعم التزاماتهم المبرم تجاه تنفيذ الترتيبات الأمنية ، سيفاقم الأزمة السودانية المعقدة في الأساس .
الاتفاقية حبيسة الأدراج :
فيما اعتبر رئيس حركة تحرير السودان ـ القيادي بالجبهة الثورية مصطفى تمبور – في تصريح لـ(اليوم التالي) – أن اتفاقية جوبا لسلام السودان من الاتفاقيات الكبيرة والمهمة والتي استطاعت أن تخاطب امهات القضايا الوطنية؛ إلا أنها ظلت حبيسة الأدارج، ولم تجد حظها من التنفيذ سوى استيعاب البعض في مواقع دستورية وإهمال أهم البروتوكولات وهو برتوكول الترتيبات الأمنية، وأضاف تمبور “إن أهمية هذا البند تكمن في ارتباطه المباشر بحياة الناس وأمنهم، وبالتالي يعتبر الانفلات الأمني الواسع في الإقليم سببه الرئيس تعطيل تنفيذ هذا البند، والكل يعلم يقيناً أن السلاح ينتشر بكميات كبيرة جداً وسط المدنيين والمجرمين يتحركون بحرية تامة، والمؤسسات العدلية عاجزة تماماً أن تفعل شيئاً ونحن الآن ندق ناقوس الخطر وننبه الأجهزة الرسمية في الدولة أن تتحرك عاجلاً، وتضطلع بكامل مسؤولياتها تجاه المواطن والإسراع في تنفيذ الترتيبات الأمنية فوراً.

Comments (0)
Add Comment