تبقت بضعة أيام ويكمل الإعلان السياسي الذي أصدره رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان شهره الثاني، دون أن تكون هناك أي استجابة من القوى السياسية لما ورد فيه، وكان البرهان أصدر إعلاناً سياسياً أكد فيه خروج المكون العسكري من المشهد السياسي ودعا القوى المدنية للجلوس والاتفاق على تكوين حكومة مدنية ورئيس وزراء لإكمال ما تبقى من الفترة الانتقالية والحق نائب رئيس المجلس هذا الإعلان ببيان دعم هذا التوجه، إلا أن القوى المعارضة ممثلة في مركزي الحرية والتغيير، إضافة إلى الحزب الشيوعي وحلفائه شككوا في هذه الدعوة، وشددوا على ضرورة خروج الجيش من المعادلة السياسية فعلياً، كما واعتبروا أن تكوين المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي نص عليه الإعلان سيستحوذ على نفوذ الحكومة المدنية وقراراتها ويكون الحاكم الفعلي.
وتمسكوا بتكوين حكومة مدنية يختارها المدنيون ويعود الجيش لمهامه الأساسية.
تجديد ثقة:
وفي محاولة لإعادة وترميم الثقة المفقودة بين العسكريين والمدنيين بشأن تكوين الحكومة المدنية وخروج الجيش من السياسة، جدّد أول أمس نائب رئيس مجلس السيادة، الفريق أول محمد حمدان حميدتي، التأكيد بالتزام المؤسسة العسكرية الصارم بترك أمر الحكم للمدنيين والتفرغ التام لأداء المهام الوطنية المنصوص عليها في الدستور والقانون – بحسب ما جاء في تعميم صحفي وأعلن حميدتي، استعداد المكون العسكري لعقد لقاءات تشاورية مع الأطراف، حول الجهود المبذولة لانطلاق الحوار السوداني، من أجل تحقيق توافق وطني يكمل مسار الانتقال والتحول الديمقراطي، دعا جميع قوى الثورة، للإسراع في التوصل إلى حلول لتكوين مؤسسات وهياكل الحكم الانتقالي المدني وبحسب المحللين ان الجديد هذه المرة هو دعوة الأطراف إلى التشاور.
مشاريع دستورية تبحث عن شرعية:
بالموازاة للإعلان السياسي الذي أصدره البرهان في الرابع من يوليو المنصرم، شهدت الساحة السياسيةخلال هذه الفترة ميلاد إعلانات سياسية ودستورية أخرى عبرت عن قناعات متبنوها، وفي هذا الإطار كانت قد أصدرت قوى للحرية والتغيير التوافق الوطني إعلاناً دستورياً، من أبرز بنوده إجراء تعديلات واسعة على الوثيقة الدستورية (للعام 2019)
والإبقاء على علاقة متزنة بين المدنيين والعسكريين، وتكوين مجلس تشريعي قوامه 400 عضو يراعى فيه اختيارهم التنوع الثقافي والعرقي والجغرافي.
وأدخل على الوثيقة الدستورية نص يمنح قوى التوافق الوطني سلطة إعفاء رئيس الوزراء بدل المجلس التشريعي، وحذف المادة (20) التي تحظر ترشح شاغلي المناصب الدستورية في الانتخابات المقبلة، وقوبل هذا الإعلان بالرفض من قبل أحزاب مركزي التغيير، كما تعرض لانتقادات من قوى أخرى.
وبدورها عقدت قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي ورشة طرحت فيها مشروع إعلان دستوري للتشاور مع بعض القوى وقالت إنها شكلت لجنة مختصة لإعداد «الإعلان الدستوري» مع القوى الثورية الأخرى، وينتظر أن تفرغ من المسودة الأولية في وقت قريب، وذكرت أن المسودة ستشمل مقترحات الأطراف التي ستلتقيها اللجنة، وستتم مناقشتها قبل طرحها للجميع من أجل التوافق على مشروع إعلان دستوري يشكل أساساً لإقامة السلطة المدنية الديمقراطية.
والإعلان ينص على “عدم تقاسم السُّلطة مع قادة المؤسسة العسكرية، ويتحدث عن سُّلطة مدنية ونظام برلماني”.
كذلك الجبهة الثورية أعلنت عن إعلان دستوري، لم يحظ بتأييد القوى المؤثرة في المشهد، ويعكس وجهة نظرها الدستورية، مشاريع الدساتير المطروحة والتي سيتم طرحها تشير إلى حالة التباين والاختلاف بين السياسيين، لأن كل جهة ستتمسك بمشروع دستورها ورؤيتها.
حراك سياسي:
إضافة الى الحراك الدستوري تتواصل الجهود لإعادة الحياة لبعض المبادرات، تأتي في مقدمتها المبادرة الثلاثية للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والإيقاد حيث ينشط هذه الأيام ممثل الأمم المتحدة بالسودان فولكر بيرتس في عقد اللقاءات، بينما يواصل القائمون على أمر مبادرة شيخ الجد الاتصالات بالقوى السياسية لتحقيق أكبر قدر من الالتفاف حولها، لكن دون أن يكون هناك رابط بين هذه المبادرات، على مستوى آخر يبدو أن الخارج وخاصة أمريكا تريد أن تلعب دوراً في تكوين الحكومة المدنية القادمة ولذلك اختارت الدفع بسفيرها للخرطوم في هذا التوقيت، على المستوى الإقليمي سيشارك رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان في أعمال قمة مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر بدعوة من المملكة العربية السعودية، وليس مستبعداً أن يتم تناول الأوضاع في السودان على هامش القمة، وتكوين حكومة مدينة مواصلة للدور السعودي الذي ابتدره سفيرها بالخرطوم.
تحديات المدنية:
تكوين حكومة مدنية في السودان لا تواجه فقط تحدي الخلافات بين العسكريين والمدنيين، وإنما أيضاً تواجه تحدي الخلاف المدني- المدني بعض انحياز بعضهم للمؤسسة العسكرية وتبنيهم لرؤيتها لذلك تعتبر الاختلافات بين الفاعلين الأساسيين في الساحة السياسية، من أكبر معوقات قيام سلطة مدنية في السودان، وبدا ذلك واضحاً من خلال اختلاف التصورات لمسألة قيام حكومة مدنية فلكل تحالف وجهة نظر تتقاطع مع التحالف الآخر وهذه الرؤى المختلفة انتجت مشاريع لإعلانات دستورية لا يجمع بينها قاسم مشترك، حالها حال المبادرات التي أطلقت ولم يتحقق إجماع حولها حيث ظل كل مكون متمترساً حول قناعاته وينظر لأي مبادرة من زاوية تحقيق مصالحه وكان آخرها مبادرة الشيخ الطيب الجد
لكن يبدو أن المكون العسكري يسعى لفرض سياسة الأمر الواقع اذا لم تتفق القوى المدنية على تشكيل حكومة منذ أن إعلان خروجه من المشهد، قد يكون إعلان انتخابات مبكرة أو تعيين حكومة مهام، لكن دعونا نتعرف على رؤية المحللين حول إمكانية قيام حكومة مدنية.
حكومة مهام:
المحلل السياسي دكتور عبد اللطيف سعيد أشار في حديثه لـ(اليوم التالي) الى أن العسكريين على المستوى النظري تحدثوا عن انسحابهم من المشهد السياسي ودعوا لتكوين حكومة مدنية، لكن فعلياً لم يتم شيء في هذا الشأن، وفي سياق تشخيصه للمشكلة قال إنها تكمن في عدم قناعتنا ببعضنا البعض لذلك أي شخص يريد أن تكون له الأغلبية وأن يكون منسوبوه وقناعاته حاضرة فيما يراد قيامه واستبعد عبد اللطيف قيام حكومة مدنية في ظل هذه الظروف، لكن استمرار العسكر سيقود الى تدخل العالم لاستعادة الوضع الديمقراطي، ورجح عبد اللطيف قيام حكومة تصريف مهام يشارك فيها المدنيون والعسكريون.
العودة لدستور ١٩٥٦:
من جانبه وصف المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان وخط الحرية والتغيير معز حضرة التباين بين القوى السياسية حول تكوين الحكومة المدنية بالطبيعي مع توفر الحد الأدنى من الاتفاق، وأشار في حديثه لـ(اليوم التالي) الى أن هناك قوى أساسية صنعت الثورة ممثلة في قوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة وبعض منظمات المجتمع المدني، واتهم حضرة المكون العسكري بخلق المشاكل والتباينات بين القوى السياسية حتى يخلق حواضن داعمة له من بعض المدنيين، وقال: الآن كل جهة تحاول فرض رؤية دستورية أو اختراق وهذا أمر طبيعي، بيد أنه سأل: ما هي الجهة التي ستحسم هذه التباينات الدستورية، فأجاب: لا توجد جهة لديها شرعية لتحديد وجهة نظر دستورية محددة، وأكد أن في كل التغييرات السابقة كانت القوى السياسية ترجع للدستور ١٩٥٦م بتعديلاته المختلفة ولفت إلى أن هذا الدستور متفق عليه ويمكن أن يتم اللجوء له مع إجراء بعض التعديلات الى حين قيام المجلس التشريعي.
حكومة تكنوقراط:
أما الدكتور والمحلل السياسي حسن الساعوري فاعتقد أن الأشهر الستة أكثر كافية كفرصة لاتفاق الأطراف حول تشكيل حكومة مدنية، وشدد في حديثه لـ(اليوم التالي) على ضرورة تجاهل هذه الأطراف وأن يقوم مجلس السيادة بتكوين حكومة تكنوقراط، يكون هدفها الإعداد للانتخابات وبعد ذلك يتم حله وحل مجلس الوزراء ويكون مجلساً أعلى للأمن والدفاع، وأضاف: إذا وصلنا لهذه المرحلة سنصل للديمقراطية واقترح الساعوري العمل بدستور ٢٠٠٥م الذي شاركت فيه قبل ذلك حركات مسلحة والحزب الشيوعي ودعا كافة الأطراف للجلوس والتناقش، وقال: لكن هناك جهات استراتيجيتها عدم حدوث استقرار في السودان
ويبدو أن ولادة حكومة مدنية لن يكون أمراً سهلاً، على ضوء المواقف المختلفة مع عدم ثقة بعض القوى السياسية في مصداقية المكون العسكري وإمكانية التزامه بالابتعاد عن السياسة، وحتى مشروع التسوية الذي دعا له البعض وجرى بعيداً عن أعين الإعلام واجه صعوبات حتى داخل التحالف الواحد، رغم ذلك لا يستبعد بعض المتابعين للشأن السياسي أن تلجأ الأطراف إلى تسوية ويترك فيها أمر الحكم للمدنيين على أن يقوم الجيش بالمهام العسكرية.