جلابة شارع النيل (بدو بقشيش) محترم..
استمع له / علي الطاهر
تتسابق العديد من المهن على مضمار حياتنا خلال ساعات اليوم من أجل كسب الرزق والفوز بحفنة ملاليم لتسيير شؤون البيت وتوفير احتياجات الأسرة، ويختار كل شخص العمل الذي يوافق قدراته وإمكانياته البدنية والذهنية للقيام بواجباتها تجاه ذلك كاملاً، فهناك من يختار الوظيفة، وهنالك من يفضل العمل الحر كما توجد مجموعة أخرى تتكيف مع الأعمال الشاقة مثلما يفعل الباعة المتجولون الذين يعملون على مدار الأربع والعشرين عشرين ساعة تحت وطأة الشمس الحارقة..
(أحمد ) صبي لم تتعد سنين عمره ثلاثة عشر عاماً رفض الجلوس في الظل عاطلاً، واختار مهنة غسيل العربات بدلاً من البيت والاعتماد على والدته.. حمل الصبي أحلامه داخل (جركانة) وحمل على يده اليمنى قطعة قماش يطلق عليها (تماره)، وعلى يساره قارورة بها مادة صابون سائل وظل واقفاً في انتظار الزبائن ..عيناه لم تتوقف من ملاحقة العربات بمختلف ألوانها وأشكالها وموديلاتها ..كان يتحدث معي بلسانه وباله في مكان آخر يلاحق (الرزق) وسط السوق العربي الخرطوم وقبالة عمارة الذهب المكتظة بالعربات..
# اسمك منو ؟ ومن وين انت يا ولدنا ؟
*انا اسمي (احمد) ولكن ما بوريك أنا من وين
# داير أعرف انت شغال هنا شنو ؟
*انا بغسل عربات، مواتر، عجلات، اي شيء، شفت الحاجة بتاعة الشاي ديك لو قالت جيب موية بقروش بمشي بجيب ليها.
# أهلك في ياتو حي ؟
*ما بوريك، لو عندك سؤال تاني بجاوب ليك لكن أهلي واسم ابوي خليهو ..
# طيب تشتغل في شارع النيل دا من متين ؟
*والله زي سنة ولا سنتين كدا
# بتغسلوا عربات بس ؟
*لا ..لا أي شيء آخر حاجة عربات، عجلات، مواتر، ركشات
# اشتغلت هنا بس ولا في مكان آخر؟
اشتغلت في كم مكان موقف المواصلات، وجنب وزارة المالية، البنك الفرنسي، السوق الأفرنجي، عمارة الدهب، جنب الحديقة كلو إشتغلت؛ ولكن أحسن الحتة دي على طول شارع النيل ..
# لماذا شارع النيل؟
*لأن الزبائن هنا كويسين وبقدروا الشغل وبعد دا كلو يدوك بقشيش كويس، أحسن من ناس موقف المواصلات (جبارين) زي الموظفين وبتعاين المكاتب، الواحد تشتغل ليه في الحر و السخانة دي، وبعد عربيتو تكون (سمحه) ونضيفه يجي يقول ليك شنو (بكره) ..هسي انا بتاع الدكان و بتاع اللحمة برضى اديه قروشو بكره ؟
# طيب يا احمد بتغسلو العربات دي بالموديلات ولا كيري ساكت ؟
*كيري كيف.. العربات بغسلها بطرق مختلفة؛ ولكن نعتمد على المويه والصابون، وعندما نأتي في المرحلة الأخيرة في ناس بتمروا بالـ(جرايد) وفي ناس بالقماش، وهنالك أنواع جديدة من الغسيل مثل الزبدة والطين..
# لكن الطين بوسخ والناس دايرة تنظف؟
*طبعا غسيل الطين عند الشباب وبعض سائقي الحافلات (الشريحة – الهايس- الكريز) و يجو يقولوا ليك غسلها بالطين تقوم (تلطخها) بطين البحر وبعدها يمشوا بيها رحلة وبعد انتهاء الرحلة يجو تاني نغسلها بالمويه؛ فتصبح جديدة وسمحة ..
# طيب غسيل الزبدة دا كيف ؟
*بنرغي العربية كلها بالصابون بعد غسلها بالماء فيصبح لونها ابيض؛ بعد ذلك نقوم (نتمرا) بالقماش..
#بتغسل العربية بكام ؟
*والله نتماشى مع الزبائن ما بين 2 ألف إلى 10 آلاف وهناك (جلابه) بدوك أكثر من ذلك لو الغسيل عجبو، كما أن حجم العربة ليهو أثر على قيمة الغسيل.
# والقروش دي بتوديها وين ؟
*بصرفها على الأسرة خاصة والدتي المريضة التي تحتاج إلى رعاية،
# مادخلت المدرسة قبل كدا ؟
*دخلت لكن كما دخلت خرجت نسبة للظروف الأسرية القاهرة.
#حصل يوم رجعت ما عندك قروش ؟
*مرات كثيرة ولكن بصرْف، بشيل من (الفرد) وبدين منهم
#الفرد منو؟
*الزملاء الحايمين ديلك
# طيب يا (احمد) انت حتواصل في المهنة دي لمن تكبر؟
*يازول انا بشتغل حسه عشان أوفر لقمة العيش ومصاريف الوالدة، ولكن بعدين (الله كريم )
#طموحك شنو؟
*بفكر اشتغل كمساري وبعد داك ابقى سواق، وبعدين اعمل لي حافلة (ملك)
# زملانك ديل كلهم زيك كدا؟
* لا في واحدين زي كدا، وفي واحدين طلبة، لكن
الطلبة موسمين لمن المدارس تفتح يمشوا للقراية
يعني لمن الطلبة ينزلوا المدارس يبدأ الموسم بتاعكم؟
*لالا ..نحن ماعندنا موسم بس في الخريف كدا الغسسيل بكتر..
# طيب ياحمد…
قبل أن أكمل كلامي جاء زبون سائق عربة (برادو) فهرول إليه أحمد دون إذن وهو يضحك وقال “الشغل بدا”..