:: ثلاثة أيام، أضرب خلالها أطباء الامتياز عن العمل بالمشافي العامة، احتجاجاً عن فشل السلطات في دفع استحقاقاتهم لأكثر من (8 أشهر)، وقد يتواصل الإضراب في حال تواصل فشل السلطات المسماة بالمسؤولة، ولو كانت مسؤولة – فعلاً – لما عجزت عن سداد هذه الحقوق لما يُقارب العام.. فالإضراب كان عن الحالات الباردة، ولكن القادم – ما لم يستلموا حقوقهم – سيشمل الحالات الطارئة أيضاً..!!
:: تعريف الحالة الباردة يُذكرني إحدى طرائف الراحل المقيم عوض دكام، وكان طيب المعشر.. ذات ليلة، وهو يعالج في مريض، اقترب موعد مباراة (هلال/مريخ).. وكان دكام من رواد دار الرياضة، فخرج إلى صالة العيادة ثم نظر إلى المنتظرين، وخاطبهم ضاحكاً: (عايزين الجد ولا ود عمو؟، أنا من بقيت طبيب أسنان ما شفت زول مات بوجع ضرس، يلا امشوا وتعالوا بكرة)..!!
:: فالأطباء يعرفون الحالات، إن كانت باردة ويمكن تأجيل علاجها، أو طارئة ويستدعي العلاج عاجلاً.. فالأطباء هم أحرص الناس على حياة المريض وسلامة صحته، بل هم أحرص – على حياة المريض – من المريض وأسرته.. وعندما يضرب الطبيب عن العمل، ليس في بلادنا فحسب، بل في كل العالم، فهذا لا يعني رفضه لعلاج كل الحالات، بل هم يعالجون الطارئة ويؤجلون الباردة إلى موعد آخر..!!
:: وطبيعة مهنة الطب تجعل خبر إضراب الطبيب مثيراً للجدل، وهناك من يستنكر الإضراب متجاوزاً الأسباب التي من شاكلة هضم الحقوق وبيئة العمل الطاردة وغيرها من (معيقات العمل).. فالفكرة الجوهرية لإضراب الطبيب، ليس في تنفيذها كما يظن البعض، بل تكمن الفكرة في تأثير الإعلان على الرأي العام وعلى من نلقبهم بالمسؤولين، وهؤلاء لا يشعرون ولا يتأثرون حتى ولو أضرب الأطباء عن كل الحالات ومات نصف الشعب..!!
:: على كل، يجب الوقوف مع أطباء الامتياز، وكل الأطباء، حين يعبروا عن الظلم بمثل هذه الرسائل الغاضبة.. ويجب دغم قضيتهم العادلة ونقد السياسات التي تعكر صفو طرفي المعادلة (الطبيب والمريض).. هذا القطاع مصاب بكل أمراض سوء الإدارة، من أعلى مستويات الدولة وحتى المشافي.. تدني الراتب، تقزم فرص التدريب والتأهيل، تردي بيئة العمل ونقص الأجهزة والمعدات و..و..و..!!
:: والمؤسف أن الثورة التي قادها الأطباء لم تغيّر بؤس حالهم.. وهجرة العقول المتواصلة لم تجفف المشافي من الكفاءات فحسب، بل أفقدت البلاد استثماراً ضخماً يتمثل في الصرف على التعليم والتأهيل، إذ كسبت دول المهجر كوادر مُدرّبة ومؤهلة.. فالإحصاء الأخير يُشير إلى أن (60%) من أطباء السودان بالخارج، والمتبقي إن لم يكن طبيب امتياز، فإنه يستخير ليُغادر.. ما الذي يُبقيه في بلاد تحرمه أجره لما يُقارب العام، وربما ليأكل – حين يجوع – جثامين مرضاه..؟؟