بدا واضحاً أن الآلية التي تضم أمريكا وبريطانيا والسعودية بعد انسحاب الإمارات، تنشط هذه الأيام لإيجاد حل للأزمة السودانية، من خلال التركيز على المحاور السياسية والدبلوماسية وقد تكون أكثر المبادرات حظاً في وصول الأطراف إلى توافق نسبة للعلاقة التي تربط الرباعية بأكثر الأطراف السودانية اختلافاً، لكن السؤال المطروح الآن في الساحة، في أي سياق يمكن فهم ما تقوم به الرباعية على ضوء المبادرات الدولية والإقليمية والوطنية المطروحة.
بعض المختصين في الشأن السوداني فهموا هذا الدور في إطار حرص الالية على استعادة الوضع الديمقراطي في البلاد، خاصة أمريكا، فيما فهمه آخرون في سياق تحقيق هذه الدول لمصالحها في السودان والمنطقة، على خلفية أن الدول التي ضمتها الرباعية يجمعها تحالف دولي .
لم يكن الاجتماع الأخير الذي نظمته الرباعية في بيت السفير السعودي وكان من المفترض أن يضم المكون العسكري ومركزي الحرية والتغيير والحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا لم يكن الأول، ففي يونيو الماضي وبدعوة من مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون الأفريفية مولي فيي بادرت الرباعية بعقد اجتماع في منزل السفير السعودي في الخرطوم، وأثار جدلاً وتساؤلات في الساحة حول هل ما تم من هذه الدول مبادرة أم إنه اجتماع لتسهيل الحل بين الأطراف، خاصة أنه جاء بعد انطلاق حوار الآلية الثلاثية وبعده تم تعليق حوارها لأجل غير مسمى، إلا أن الرباعية من جهتها سارعت بالإجابة عن هذه التساولات حينما قالت في بيان «إنها تدعم بقوة مبادرة الحوار السودانية التي تيسرها الأمم المتحدة من خلال بعثتها للمساعدة الانتقالية في السودان يونيتامس».
لكن ما يدعم رغبة دول الالية في حل الأزمة السودانية وربما وفقاً لوجهة نظرها، هو انهيار المبادرة الثلاثية والمبادرات الوطنية، كما يرى بعض المراقبين، وعدم تفاعل بعض دولها مع مبادرة نداء السودان التي أطلقها شيخ الجد، حيث لم يحضر سفراء هذه الدول التدشين الأول.
على المستوى الدولي تشهد الآن العلاقات بين أمريكا والفاعلين الأساسيين في الساحة وهما المكون العسكري ومركزي التغيير تحولات، والبعض يعتقد أن أمريكا ترغب في تطوير علاقتها بالمكون العسكري لتحقيق مصالحها، بينما يشير آخرون الى أن مركزي الحرية والتغيير ظل يطالب أمريكا بالضغط على العسكريين لاستعادة الحكم المدني.
وعضد من هذا التكهن “وليام لورانس الدبلوماسي والمسؤول السابق بوزارة الخارجية الأمريكية في حديثه للجزيرة مباشر السبت الماضي، حيث أكد أن القوى الديمقراطية في السودان “ستنتصر والأمر ليس مرتبطاً بأعداد المحتجين في الشارع.
وأوضح لورانس أن السفير جون غودفري يمتاز بمجموعة من الخصال ستساعده كثيراً على إحداث اختراق سياسي ودبلوماسي في السودان .
وكان السفير الأمريكي في السودان جون غودفري قد التقى، وفداً من تحالف قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي.
أكد له دعم بلاده للتحول المدني الديمقراطي في السودان.
كما ألمح لورنس إلى تسريع العودة إلى الديمقراطية، لقطع الطريق أمام النفوذ الروسي الممتد في البلاد، فهل تملك الالية مفتاح حل الأزمة السودانية أم ماذا تعني وساطتها بين الأطراف السودانية رغم وجود مبادرة أممية.؟؟
أجندة مخابرات:
الأكاديمي والمحلل السياسي دكتور حاج حمد قال لـ(اليوم التالي) إن المبادرة ثنائية وليست رباعية، أطرافها أمريكا وبريطانيا، وأشار الى أن اجتماعهم بالأطراف يأتي لتحقيق مكاسب مشتركة بينهما وبين إسرائيل، وبحسب حمد أن هذا اللوبي الصهيوني ظل مسيطراً على الواقع السوداني منذ انقلاب الإنقاذ لتفكيك سيطرة الاتحاد السوفيتي في القرن الأفريقي آنذاك وحقق مصالح ضخمة.. حمد ذكر شواهد تشير لاختراقات حققها هذا اللوبي في عهد حكومة الإنقاذ وأضاف أن سقوط مانجستو في إثيوبيا وانفصال الجنوب جاء في سياق تحقيق هذه المصالح، ولفت الى وجود الاختراق منذ الإنقاذ نتج عنه تحالف على المستوى الأمني والعسكري وحتى الآن هذا التحالف مستمر، مدللاً على ذلك بالقاعدة الأمريكية والتطبيع مع إسرائيل، واعتقد حمد أن المخابرات المصرية رغم عدم ظهورها ضمن هذا التحالف، لكنها (تؤشر من بعيد) وقال إن الأحزاب في السودان كلها تعاني من اختراق مزمن من هذه المجموعات، في بعضها واضحاً، وفي البعض الآخر خفي مثلما الحال بالنسبة للحزب الشيوعي، وختم حديثه بالقول: المشكلة أن الأطراف في السودان لا تتفق على أجندة وطنية وإنما يتم الاتفاق على أجندة مخابرات تعمل على زعزعة استقرار المنطقة والإلهاء عن القضايا الوطنية، لكن يجب أن يقتنع النظام العالمي بأن القوى التي اخترقها لم تتمكن من بسط الاستقرار لإدارة الفترة الانتقالية والوصول للانتخابات، وتوقع عدم وصول الرباعية الى نتيجة طالما أن الشارع ما زال حياً.
تشتيت المبادرات:
المحلل والخبير في الشأن السياسي د. محمد إبراهيم ابتدر حديثه بقوله: إذا نظرنا للرباعية، نجد أن وجود مصر كجزء من المبادرة الأمريكية مهم، بيد أنه لم يستبعد وجود تواصل غير معلن..
دكتور محمد يرى أن الالية تجد تأييداً من لجان المقاومة ومركزي الحرية والتغيير، لكن هناك تحفظ من قبل المكون العسكري وأضاف: الجيش قد يكون لديه تحفظ تجاه التحرك الغربي، والدعم السريع لديه علاقة مع الروس ويحاول بناء علاقات جديدة، أما الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا فهي تلعب على التناقضات وتحاول الحفاظ على المكتسبات التي حققتها من اتفاق السلام.
وأوضح أن مركزي الحرية والتغيير ليس لديه إشكال في التعامل مع المكون العسكري والحركات الموقعة على اتفاق جوبا، لكن لديه مشكلة مع الحرية والتغيير التوافق الوطني، لذلك يصعب الوصول للتوافق عبر الآلية الرباعية، ووفقاً لدكتور محمد إبراهيم أن الرباعية قفزت على لجان المقاومة رغم تأثيرها في المشهد وصناعتها للمواقف وتصديها للانقلاب، واعتبر أن أي مخرج لا يستوعبها لن تكن له قيمة.
وقال: هناك سوق مبادرات، بعض الفاعلين فيه يبحثون عن مصالحهم الذاتية، بينما يقدمون مبادرتهم بحجة خوفهم على البلد.
وجزم بأن بعض المبادرات تتم بإيعاز وتواصل من المكون العسكري، وهذه المجموعة كذلك لها مصالحها، وقال إن الفاعلين الأساسيين ليس لهم رغبة في التغيير ولكن لهم تأثير على المبادرات، ونحن ننظر فقط للحراك السياسي.
ولفت لوجود قوى مجتمعية واقتصادية حديثة وأصحاب مصالح يقاومون التغيير لحماية مصالحهم ولهم تأثير على المبادرات وأفضل وضع لهم هو حالة اللادولة التي يغيب فيها القانون والمحاسبة، لذلك يعملون على تشتيت المبادرات، وأضاف: هناك أيضاً قوى خارجية وإقليمية لها مصالح اقتصادية تعمل على تحقيقها ولديهم تأثير ويلعبون بالمبادرات، لذلك تظهر المبادرة وتنهار بعد ذلك مما يدل على أن هناك أشياء غير مرئية في المبادرات،
وتوقع محمد إبراهيم أن تقود خطوة التحول في العلاقات السودانية الأمريكية؛ بعد وصول السفير الأمريكي للخرطوم الى تحول جديد ونوه الى وجود تواصل بين البلدين الآن، وقال: على مستوى الأجهزة الأمنية ظهر ذلك في دعوة وحضور الشرطة السودانية للمؤتمر الدولي واعتبر هذا تحولاً ورؤية جديدة بين السودان وأمريكا، ولم يستبعد أن يكون هناك إعداد وتصور جديد يواكب التحول الذي طرأ على العلاقات والتمثيل الدبلوماسي.
ورجح إمكانية تمخض حلول من الرباعية على المدى القريب، تركز على الفاعلين الأساسيين وهم العسكريون ومركزي الحرية والتغيير ولجان المقاومة.
بناء الثقة:
أما المحلل السياسي د. راشد محمد علي الشيخ، فقد كانت له وجهة نظر مختلفة، حيث دعا إلى ضرورة إجراء حوارات تعزز بناء الثفة بين هذه المجموعات المختلفة وعزا التباعد بين الأطراف الفاعلة الى غياب الثقة، ولفت في إفادته لـ(اليوم التالي) إلى أن اجتماع الرباعية فشل، لأن الدعوة وجهت لمركزي الحرية والتغيير وحركات سلام جوبا والمكون العسكري، وظهور الحرية والتغيير التوافق الوطني، فهمته أحزاب مركزي الحرية والتغيير في سياق أن هناك درجة من الصراع مستصحبة داخل هذا الحوار، لذلك لا بد من أن تطرح الرباعية حلولاً وتعمل على زرع الثقة حتى تحدث استجابة من كل الأطراف، وأشار الى أن الأزمة واحدة، لكن الحلول متعددة من الداخل والخارج، وكل الأطروحات تعمل على حلها، ولم يستبعد أن يكون غياب المكون العسكري من اجتماع الرباعية، كان ردة فعل لما جاء في ندوة الحرية والتغيير الأخيرة حول الجيش.