كلمة الأمين العام للأمم المتحدة أمام الجمعية العامة

حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اليوم من الشلل الذي يعاني منه العالم والانقسامات الجيوسياسية التي تتسبب في تقويض عمل مجلس الأمن الدولي والقانون الدولي، فيما ينادي الناس مطالبين بتسريع وصول الإغاثة.
وقال الأمين العام، وهو يلقي خطاباً قوياً أمام زعماء العالم المجتمعين في يوم افتتاح المناقشة رفيعة المستوى للجمعية العامة: “يتخبط عالمنا في مشاكل عويصة. والانقسامات تزداد شدة. وأوجه عدم المساواة تتفاقم. والتحديات تزيد امتدادا… نحن في حاجة إلى هذا الأمل. بل أكثر من ذلك، نحن في حاجة إلى العمل.”
وفيما كانت تظهر وراءه على شاشة قاعة الجمعية العامة الشهيرة صور رائعة لإحدى السفن ( Brave Commander) التي كانت تحمل أطنانا من القمح الأوكراني متجهة إلى أماكن في إثيوبيا واليمن وما وراءهما، قال السيد غوتيريش إن السفينة ومبادرة حبوب البحر الأسود التي توسطت فيها الأمم المتحدة والتي أطلقتها لم تكن رمزا للصراع والجوع بل كانت رمزا للأمل الناشئ عن التعاون.”
“فقد أبحرت في البحر الأسود وعلم الأمم المتحدة يرفرف عاليا وبفخر فوقها. هذه السفينة التي هي في جوهرها رمز يجسد ما يمكن للعالم تحقيقه عندما يتحد من أجل العمل معا. فقد اتفقت أوكرانيا والاتحاد الروسي، بدعم من تركيا، على تحقيق هذا الإنجاز رغم التعقيدات الهائلة، ورغم الممانعين، بل ورغم جحيم الحرب.”
“وقد يقول قائل إن هذا الإنجاز معجزة انشق لها البحر. لكنه في الواقع إنجاز تم بفضل العمل الدبلوماسي متعدد الأطراف. وكل سفينة منها محملة أيضا بسلعة من أندر السلع في الوقت الراهن، ألا وهي الأمل.”
وقال الأمين العام في معرض تقديمه لتقريره السنوي عن أعمال المنظمة، بشكل واقعي:”لندع الأوهام جانبا. فنحن بالفعل وسط بحر هائج. ويلوح في الأفق شتاء يعمه السخط على المستوى العالمي. وتستعر أزمة تكلفة المعيشة. وتتهاوى أسس الثقة. وتشتد مظاهر عدم المساواة بشكل صارخ. ويحترق كوكبنا. ويعاني الناس الأمرّين، علما أن أكثر الفئات ضعفا هي أشدها معاناة. ويتعرض ميثاق الأمم المتحدة وما يجسده من مثل عليا لخطر محدق.”
وبينما كان على المجتمع الدولي واجب التصرف، “نتخبط في مأزق الاختلال الوظيفي العالمي الهائل. وليس للمجتمع الدولي الاستعداد ولا الإرادة لمواجهة تحديات عصرنا الكبرى والهائلة. وتهدد هذه الأزمات مستقبل البشرية ذاته ومصير كوكبنا.”
إلى جانب حالة الطوارئ المناخية وفقدان التنوع البيولوجي، والحرب في أوكرانيا، أشار الأمين العام إلى بروز علامات شتى تنذر بالخطر، في خضم طائفة عريضة من التكنولوجيات الجديدة، بما فيها منصات التواصل الاجتماعي، التي تلحق أضرارا لا توصف بالجماعات والمجتمعات؛ وخطاب الكراهية والإعلام المضلل وسوء المعاملة؛ وبيع بياناتنا دونما أي اعتبار للخصوصية، فيما “ليست لدينا ولو نواة هيكل عالمي للتصدي لأي من هذه المخاطر.”
وقال إن التقدم في كل هذه القضايا والمزيد أصبح في الواقع رهينة التوترات الجيوسياسية.
وقال الأمين العام إن التقدم في كل هذه القضايا والمزيد أصبح في الواقع رهينة التوترات الجيوسياسية فعالمنا في خطر ومصاب بالشلل. وتتسبب الانقسامات الجيوسياسية في تقويض عمل مجلس الأمن، وتقويض القانون الدولي، وتقويض ثقة الناس في المؤسسات الديمقراطية وإيمانهم بها، وتقويض جميع أشكال التعاون الدولي. “والمؤكد هو أنه لا يمكن أن نظل على حالنا هذا.”
واستشهد الأمين العام بما يحصل بين المجموعات المختلفة التي أنشأها بعض أعضاء المجتمع الدولي خارج النظام متعدد الأطراف والتي وقعت في فخ الانقسامات الجيوسياسية، مثل مجموعة العشرين. وأوضح أن العلاقات الدولية في مرحلة من المراحل كانت تبدو متجهة صوب عالم تتزعمه المجموعة. أما الآن، فيحتمل أن يؤول الأمر في النهاية إلى عدم وجود أي مجموعة “فليس هناك تعاون، ولا حوار، ولا عمل جماعي لحل المشاكل.”
ولكن الحقيقة هي أننا نعيش في عالم لا سبيل فيه إلى المضي قدما إلا باتباع منطق التعاون والحوار. فلا يمكن لأي قوة أو مجموعة أن تقرر بمفردها ما يجب القيام به. ولا يمكن تسوية أي من التحديات العالمية الكبرى من قبل تحالف للراغبين في ذلك فقط. “إننا في حاجة إلى تحالف للعالم برمته”، بحسب ما أكد الأمين العام مستعرضا المجالات التي ينبغي على التحالف العالمي أن يتجاوز فيها الانقسامات ويعمل يدا بيد وأول تلك المجالات، دعم المهمة الأساسية المسندة إلى الأمم المتحدة – وهي إرساء السلام والحفاظ عليه.
وأضاف يظل اهتمام العالم مركزا في معظمه على الغزو الروسي لأوكرانيا. فهذه الحرب تسببت في دمار واسع النطاق في ظل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. وتبعث أحدث التقارير الواردة بشأن مواقع الدفن في إزيوم على القلق البالغ.
كما دعا الأمين العام إلى “المضي في العمل من أجل السلام وفقا لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي.” قائلا وفي الوقت نفسه، تنتشر النزاعات والأزمات الإنسانية، في معظم الحالات، في أماكن بعيدة عن الأضواء. ومقابل ذلك، يبلغ العجز في تمويل نداء الأمم المتحدة الإنساني العالمي 32 بليون دولار – وهو أكبر عجز يسجل على الإطلاق. مع العلم أن الاضطرابات المشهودة كثيرة.
وذكر بعض الدول التي مازالت تعامي ذلك، بما فيها:أفغانستان، حيث أصبح الاقتصاد في حالة متردية، ويواجه أكثر من نصف جميع الأفغان الجوع بمستويات شديدة، بينما تداس حقوق الإنسان بالأقدام، ولا سيما حقوق النساء والفتيات، لعراق حيث تهدد التوترات الراهنة بزعزعة الاستقرار، إسرائيل وفلسطين، حيث تتواصل أعمال العنف الدورية في ظل الاحتلال، وتبتعد آفاق تحقيق السلام القائم على حل الدولتين أكثر من أي وقت مضى ، ميانمار، حيث تتدهور يوما بعد يوم الحالة الإنسانية وحالة حقوق الإنسان والحالة الأمنية المروعة ، منطقة الساحل، حيث تتزايد باستمرار مستويات انعدام الأمن والنشاط الإرهابي المثيرة للجزع في ظل تزايد الاحتياجات الإنسانية وسوريا وغيرها وتطول القائمة.
وشدد السيد غوتيريش على أهمية الاستعانة إلى أقصى حد بكل أداة دبلوماسية للتسوية السلمية للمنازعات، على النحو المبين في ميثاق الأمم المتحدة، من مفاوضة، وتحقيق، ووساطة، وتوفيق، وتحكيم، وتسوية قضائية كما شدد على أهمية دور المرأة في هذا المجال قائلا:”يجب أن تحتل في هذا الصدد قيادة المرأة ومشاركتها مكان الصدارة.”
ودعا أيضا إلى أن نعطي الأولوية لمنع نشوب النزاعات وبناء السلام. وذلك ما يستلزم ترسيخ الرؤى الاستراتيجية المتبصرة، والتصدي بشكل استباقي لنقاط التوتر التي يمكن أن تؤدي إلى اندلاع العنف، ومعالجة التهديدات الناشئة التي تشكلها الحرب السيبرانية والأسلحة الفتاكة الذاتية التشغيل.
كما حث على توسيع دور المجموعات الإقليمية، وتعزيز حفظ السلام، وتكثيف نزع السلاح وعدم الانتشار، ومنع الإرهاب ومكافحته، وكفالة المساءلة. ويستلزم كذلك “الاعتراف بحقوق الإنسان باعتبارها عنصرا محوريا” في تلك أنشطة.
وقال إن ندائي إلى العمل من أجل حقوق الإنسان يسلط الضوء على الدور المحوري للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي للاجئين والقانون الدولي الإنساني. لذا يجب علينا أن نعترف، في كل ما نقوم به من أعمال، بأن حقوق الإنسان هي السبيل إلى نزع فتيل التوترات وإنهاء النزاعات وإرساء السلام الدائم.
وأضاف الأمين العام إن الفوارق بين البلدان المتقدمة النمو والبلدان النامية، وبين بلدان الشمال والجنوب، وبين البلدان المتمتعة بالامتيازات وبقية البلدان أصبحت تكتسي خطورة أكبر يوما بعد يوم.
وأوضح أن هذه الفوارق هي السبب الأساسي للتوترات الجيوسياسية ولانعدام الثقة الذي يسمم كل مجالات التعاون العالمي، بدءا باللقاحات ومرورا بالجزاءات ووصولا إلى التجارة.
“ولكن بفضل العمل ككيان واحد، بإمكاننا أن نقوي براعم الأمل الهشة”، شدد السيد غوتريش”، مشيرا إلى ذلك الأمل الذي يشيعه النشطاء في مجالي المناخ والسلام في جميع أنحاء العالم، بدعوتهم إلى التغيير وبمطالبة قادتهم بأداء أفضل، وإلى الأمل..”الأمل الذي يحييه الشباب، بعملهم كل يوم من أجل مستقبل أفضل أكثر سلاما. الأمل الذي يُلمس في نساء وفتيات العالم، بإبدائهن روح القيادة ونضالهن من أجل أولئك الذين ما زالوا محرومين من حقوق الإنسان الأساسية الواجبة لهم. الأمل الذي يعبر عنه المجتمع المدني بشتى ألوانه، بسعيه إلى بناء مجتمعات وبلدان أكثر عدلا ومساواة. الأمل الذي تمثله الأوساط العلمية والأكاديمية، بسباقها في سبيل الانتصار على الأمراض الفتاكة وإنهاء جائحة كوفيد-19. وأخيرا الأمل الذي يبعثه أبطال العمل الإنساني، بمسارعتهم إلى إيصال المساعدات المنقذة للأرواح في جميع أنحاء العالم وأكد أن الأمم المتحدة تقف إلى جانب هؤلاء جميعا، أنها تدرك أن المثل النبيلة يجب تجسيدها بشكل ملموس في حياة الناس.
ودعا في هذا السياق، إلى العمل على وضع حلول مشتركة للمشاكل المشتركة – انطلاقا من مبادئ الإرادة الحسنة والثقة والحقوق المشتركة بين بني البشر وقال: “لنعمل ككيان واحد، وكتحالف عالمي، وكأمم متحدة.”

غوتيرش
Comments (0)
Add Comment