يُعتبر جبل البركة والذي يقع شمال السودان، من المواقع التاريخية التي شهدت جزءاً طويلاً من الحضارات النوبية أو الكوشية القديمة. خلال أكثر من 5 آلاف عام. واعتقد المصريون القدماء أن “الإله آمون” سكن في جبل البركل والذي يُسمى أيضاً بـ”الجبل الطاهر”.
ويُعد البركل من المواقع الأثرية التي تجذب كثيرين لزيارتها، حيث تعبر عن الحضارات القديمة خصوصاً غزو الفرعون “تحتمس الثالث” للمنطقة في عام 1450 قبل الميلاد، حيث تم إنشاء حامية عسكرية في منطقة نبتة (عاصمة ممكلة كوش النوبية) عند الحدود الجنوبية.
تاريخ عريق
وضم جبل البركل مقبرة ملكية خلال الفترة المروية، ويرجع تاريخ أقدم المدافن فيها إلى القرن الثالث قبل الميلاد. ويُعتبر هرم الملك الكوشي، تهارقا، أكبر هرم تم بناؤه في السودان.
والسبب في بناء تهارقا هرمه في مدينة نوري هو التعامد الفلكي أو الشمسي بين قمة جبل البركل والهرم. ففي يوم 31 يوليو (تموز) تحديداً، يمكن رؤية شروق الشمس من قمة الجبل، وفي يوم 16 نوفمبر (تشرين الثاني) من قمة هرم تهارقا يمكن رؤية غروب الشمس من خلف قمة جبل البركل.
بعد 300 عام من ذلك، تحولت منطقة نبتة إلى عاصمة المملكة الكوشية وقام ملوك الأسرة الخامسة والعشرون بتشييد معبد آمون النبتي في المدينة والذي يُعتبر من المعابد الضخمة والتي تُعتبر مقدسة لدى السكان المحليين. كما قام بعانخي (أول ملوك مملكة كوش) بنصب مسلته الشهيرة التي أسماها “20 عاماً من الانتصارات”.
ربط تجاري
وكان جبل البركل من المعالم في الطرق التجارية بين وسط أفريقيا والجزيرة العربية ومصر. وشكل معبراً لعبور النيل إلى كلتا الضفتين. ويعتبر جزءاً من حضارة نبتة. في هذا السياق، قال أستاذ التاريخ محمد الحسن الأمين إن “جبل البركل شكّل جزءاً أساسياً من حضارة نبتة والدولة المدينة. بعد إعلان نبتة وجبل البركل كأحد مواقع التراث العالمي التابعة لليونسكو في عام 2003”.
وعن سر قدسية جبل البركل تاريخياً، قال الأمين إن “الجبل ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالتقاليد الدينية والفولكلور، فقد كان مقدساً منذ فترة عصر الدولة الحديثة، كما أنه يحتوي على 13 معبداً، أكبرها وأشهرها المعبد المخصص للإله آمون رع، كما أن السودانيين لا يزالون يزورونه ويؤمنون ببركاته”.
وعن شكل جبل البركل وعدد المعابد فيه وما يميزه، قال الأمين إن “جبل البركل يحتوي على 31 معبداً، ويتميز بأنه كان مركزاً دينياً مهماً في السودان، وتكمن أهميته الكبرى في كونه موقعاً رئيساً في عاصمة الدولة الكوشية”.
مهرجان البركل
وتم إطلاق مهرجان جبل البركل في عام 2014، وشكّل حينها حضوراً ثقافياً وحضارياً ضخماً يضم العديد من الفنون المختلفة. ولكن سرعان ما توقف ولم يتواصل بعد ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018. وفي هذا الصدد قال الكاتب في مجال التراث، أمجد سامح إن “المهرجانات عموماً يجب ألا تتبع للدولة وأن تتم رعايتها بعيداً من الخلافات السياسية التي تفسد الإبداع دائماً، فهناك عدد كبير جداً من الأنشطة الثقافية والفنية لم تستمر بعد الثورة لأنها كانت تحت رعاية الحكومة السابقة”.
اليونسكو تحتفي
في عام 2020، أُطلق مشروع السياحة المستدامة والمشاركة المجتمعية في مواقع التراث العالمي بالسودان، وذلك بالتعاون مع وزارة الثقافة والإعلام ومركز التراث العالمي والهيئة العامة للآثار والمتاحف واللجنة الوطنية السودانية للتربية والعلوم والثقافة وبدعم من صندوق الدعم الهولندي بالخرطوم.
وقال مندوب منظمة اليونسكو بالسودان، الدكتور باقيل كوكين، في كلمة له خلال حفل الإطلاق، إن “المشروع يأتي في إطار اهتمام اليونسكو ودعمها لمواقع التراث العالمي والمحافظة على القيمة الاستثنائية العالمية لجبل البركل وتطوير استراتيجية السياحة لمناطق التراث العالمي بالسودان”. وأضاف أن “المشروع يحتوي على عدد من البرامج والورش المتكاملة التي تضم مؤسسات حكومية وأكاديمية وفعاليات محلية مجتمعية لوضع خطة سياحية لتطوير التراث العالمي بجبل البركل”.
السياحة في المنطقة
يستقبل جبل البركل سنوياً آلاف السياح من مختلف أنحاء العالم، حيث يعتبره البعض “مزاراً دينياً عظيماً”. وفي ظل وجود أهرامات البركل والعديد من المعالم السياحية في المنطقة، يعتبر المرشد السياحي هيثم دفع الله أن “المنطقة يمكن أن تكون مقصداً لملايين السياح سنوياً، إلا أن عدم الاستقرار السياسي جعل السودان من الدول التي يفكر السائح عشرات المرات قبل أن يصلها”. وعن وضع السياحة في المنطقة بعد الثورة السودانية، قال دفع الله إن “المنطقة شهدت شحاً كبيراً جداً في عدد الزوار بعد ثورة ديسمبر، وأصبح العدد الذي يقصد المنطقة قليلاً ولا يتناسب مع عظمتها”.
وعن الأسباب الأخرى التي جعلت السودان لا يجذب عدداً كبيراً من السياح، أكد دفع الله أن “الترويج للسياحة في السودان ضعيف وغير مدروس ولا يتم العمل في هذا المجال بالصورة المطلوبة، كما أن وزراء السياحة المتعاقبين لم تكن لهم قدرة على إدارة هذا القطاع بصورة جيدة”. وعن مستقبل السياحة في السودان، قال دفع الله إن “السودان يمكنه أن يكون وجهة سياحية كبرى إذا قمنا بتطوير قطاع السياحة وقام الإعلام بدوره ونشر ثقافتنا وتراثنا ومناطقنا الأثرية، ولكن الأمر يتطلب مجهودات ضخمة جداً. والمؤسف أن عدد الأشخاص الذين يعرفون أن هنالك أهرامات في السودان قليلون”.