بعد أسبوع من إعلان الجيش أن اختيار كبار مسؤولي الدولة المستقبليين سيكون بيد الفصائل السياسية المدنية، قال رئيس مجلس السيادة السوداني، عبدالفتاح البرهان، إنه لن يرشح نفسه لانتخابات البلاد المستقبلية.
وفي مقابلة مع وكالة أسوشيتيد برس على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، أجاب البرهان ردا على سؤال إن كان يفكر في الترشح للانتخابات المقبلة: “لا أعتقد ذلك، ليس لدي رغبة في التقدم (كمرشح) ولا أريد الاستمرار في هذا العمل”.
خلال الأسبوع الماضي، جدد نائب رئيس مجلس السيادة، محمد حمدان دقلو، الالتزام “بخروج المؤسسة العسكرية من السلطة وترك أمر الحكم للمدنيين” وذلك بعد اجتماع مع البرهان.
ومع ذلك، كان هناك سمة مشتركة في تصريحات البرهان ودقلو: لم يقدما جدولا زمنيا بشأن موعد إجراء الانتخابات وتخلي الجيش عن السلطة.
وبينما يرى محللون أن جنرالات الجيش جادون في التنازل عن السلطة، يقول آخرون إن تلك التصريحات المتكررة ليست سوى “مناورة” من القوات المسلحة لبعث رسائل تطمئن الشعب.
وأنهى الانقلاب الذي قاده قائد الجيش، الفريق عبدالفتاح البرهان في 25 أكتوبر 2021، تقسيما هشا للسلطة بين المدنيين والعسكريين الذين تم تنصيبهم بعد الإطاحة بحكم الرئيس السابق، عمر البشير، عام 2019 تحت ضغط ثورة شعبية.
وقال رئيس تحرير صحيفة “الجريدة” المحلية، أشرف عبدالعزيز، إن “الجيش لا بد أن يطلق تطمينات في إطار المناورات” بهدف البقاء لفترة أطول في السلطة.
وأضاف أن “تصريحات البرهان لبث التطمينات ليس إلا … قال سابقا إن الجيش سينأى بنفسه عن العملية السياسية وينتظر توافق المدنيين وبعد ذلك أبلغ المدنيين أنه لن يسلم السلطة إلا لحكومة منتخبة”.
وخلال المقابلة، قال البرهان إنه لن يترشح في الانتخابات المستقبلية. لكنه امتنع عن تحديد موعد لإجراء الانتخابات، على الرغم من قوله سابقا إنه يمكن إجراء تصويت في يوليو 2023.
في المقابل، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، الرشيد محمد، أن تكرار التصريحات “أكثر من مرة بتسليم السلطة” يؤكد جدية البرهان بذلك.
وقال إن في تصريحاته “قدر كبير من الصدق والواقعية … وجوده حاليا في المشهد السياسي بناء على وضعه كقائد أعلى للقوات المسلحة واستمراره مربوط باي اتفاق يجعل القوات المسلحة في العملية السياسية”.
وأضاف: “كشخص منفرد، ليس من المفترض أن يكون (البرهان) مرشح؛ لأن الترشح يحتاج إلى حاضنة سياسية … وهذا غير متوفر للبرهان”.
التوافق “غير ممكن”
ويشهد السودان اضطرابات منذ أن قاد البرهان انقلابا عسكريا في أكتوبر من العام الماضي أطاح بالتكتل المدني الرئيسي في السلطة، مثيرا إدانة دولية واسعة.
ومنذ ذلك الحين أدت الاحتجاجات شبه الأسبوعية المناهضة للانقلاب والأزمة الاقتصادية المتصاعدة وتزايد الاشتباكات العرقية في المناطق النائية في السودان إلى تفاقم الاضطرابات.
وفي يوليو الماضي، تعهد البرهان أيضا عبر خطاب تلفزيوني التنحي وإفساح المجال أمام القوى السياسية السودانية للاتفاق على حكومة مدنية.
لكن قادة مدنيين اعتبروا هذه الخطوة بمثابة “خدعة”، فيما شدد المتظاهرون المؤيدون للديمقراطية في هتافاتهم على شعار “لا تفاوض لا شراكة” مع الجيش.
يعتقد عبدالعزيز أن مسألة التوافق “غير ممكنة” على اعتبار أن الجيش مصر على إشراك كل القوى السياسية في المحادثات بعيدا عن الاتفاق الذي تشكل عقب ثورة 2019 بتشكيل حكومة من قوى الثورة السياسية التي “لا علاقة لها بالنظام البائد”، وفق تعبيره.
وأشار إلى أن ذلك يجعل من الوصول لاتفاق مسألة “صعبة”. وخلال الأشهر الأخيرة، ظهرت مبادرات عدة في محاولة لحل الأزمة السياسية في السودان، لكن لم يتم التوصل إلى أي تقدم حقيقي ضمن هذا المسار.
وأضاف رئيس تحرير “الجريدة” أن “الجيش له تاريخ حافل بالاستحواذ على الحكم … الجيش مسيطر على السلطة بنسبة 70 بالمئة من الحكومات المتعاقبة … حكم الجيش أطول من الحكومات الديمقراطية الثلاث … لن يخرج بسهولة من المعادلة السياسية”.
لكن الرشيد يختلف في ذلك بقوله إن الجيش السوداني تاريخيا سلم السلطة في أكثر من مرة لمكون مدني على مدى العقود الماضية.
والجمعة، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرش، خلال لقائه، بالبرهان عن قلقه تجاه الأزمة السياسية في السودان.
وأبدى غوتيرش قلقه من التدهور السريع للأوضاع الامنية والاقتصادية والإنسانية في البلاد.
وأكد على “الحاجة الملحة” للتوصل إلى “اتفاق سياسي شامل يعيد الانتقال السياسي الذي يقوده المدنيون حتى يحقق الشعب السوداني تطلعاته إلى سلام مستدام وديمقراطية شاملة وازدهار اقتصادي”.
يعلق الرشيد قائلا إن تصريحات أمين عام الأمم المتحدة يجب أن تعطي الفرقاء السودانيين “دفعة” للتوافق على كيفية إدارة الفترة الانتقالية وتشكيل حكومة.
من جانبه، يقول عبدالعزيز إن هناك “مؤشرا جديدا” بإصرار الشباب الذين يمثلون 60 بالمئة من الشعب على عودة الجيش لثكناته حتى لو ضحكوا بالمزيد من الأرواح على اعتبار أن الحكم المدني هو “الخيار الأمثل”.
ومع ذلك، قال إن المسألة الأهم لا تتعلق بترشح البرهان في الانتخابات من عدمها، بل بمخاوف من عودة سيطرة الإسلاميين مرة أخرى وهذا يعني أن “الثورة السودانية ضاعت”.