مسيحيو السودان والمناصب العليا: هل تغير الحال بعد ثورة ديسمبر؟

صديق تاور: ما يميز فترة الحرية والتغيير حماية حقوق الجميع بدرجة واحدة
أديب: لم يحرم شخص من تولي منصب عام بسبب عقيدته الدينية
قيادي قبطي: التمييز السياسي مرتبط برموز الإسلام السياسي المنتشرين في الخدمة المدنية
ناشط مسيحي: الحرية والتغيير أسوأ من الإسلاميين فيما يتعلق بالتمييز والعنصرية السياسية
محلل سياسي: مشاركة المسيحيين في السلطة قبل وبعد 2019 عبارة عن تمثيل شكلي وترضيات

انطلقت ثورة ديسمبر رافعة شعارات “حرية سلام وعدالة”
مسيحيو السودان والمناصب العليا: هل تغير الحال بعد ثورة ديسمبر؟
تباينت آراء متحدثين لـ(اليوم التالي) حول تمثيل المسيحيين في السلطة قبل وبعد 2019، أكد البعض محافظة حكومات السودان المتعاقبة على إعطاء مسيحيين أدواراً كبيرة في مراكز القرار مقارنة بنسبتهم في البلاد، نافين حرمانهم من حقوقهم في السلطة، على أساس ديني أو عرقي، ما اعتبره آخرون تمثيلاً شكلياً وترميز تضليلي، موضحين أن التمييز السياسي مرتبط برموز فكر الإسلام السياسي المنتشرين في الخدمة المدنية على مستوى السودان، وأن تغيير الفكر الذي ترسخ في أركان الدولة بحاجة لفترة زمنية طويلة، وأجيال جديدة، تتميز بأفق المساواة والسلام والعدالة”، وتحمل حرية المعتقد وتعدد الثقافات وقضايا الديانات المختلفة.

الخرطوم: محجوب عيسى
تمييز سياسي
يعتقد بنيامين عثمان أن ما يصفه بالتمييز السياسي ضد المسيحيين في السودان هو جزء من مشاكل البلاد الداخلية، ولا يمكن اختصاره في فترة نظام الإنقاذ الإسلامي بعد عام 1989، أو خلال تقاسم السلطة بين قوى الحرية والتغيير والجيش بعد الإطاحة بنظام عمر البشير، أو ما بعد انقلاب 25 أكتوبر.
ويوضح عثمان وهو ناشط مدافع عن حقوق المسيحيين، في افادته لـ(اليوم التالي) أن التمييز يعود إلى حكومة الفريق إبراهيم عبود في أواخر الخمسينيات من القرن العشرين، حيث “أصّل للتمييز ضد المسيحيين ومحاربة الجنوبيين وإخفاء الهوية المسيحية في المناهج الدراسية”.
ويستطرد عثمان: “تم هدم المدارس (كمبونيات) في المناطق الطرفية ولم تعوض، ما يعني تدمير المسيحيين من الأساس وقطع جذورهم حتى لا يتمكنوا من التعلم ومن المطالبة بوظائف أو مناصب”.
فيما يرى القيادي القبطي نصر الدين مرقص، أن التمييز السياسي أو العنصرية الدينية مرتبطة برموز الإسلام السياسي المنتشرين في الخدمة المدنية على مستوى السودان، وقطع في افادته لـ(اليوم التالي) بوجود مشاركة سياسية للأقباط والمسيحيين في ثورة ديسمبر وتمثيلهم السياسي في مجلس الوزراء ورئاسة الدولة بعد الثورة.
وبحسب مرقص، فإن “تغيير فكر الإسلام السياسي الذي استمر نحو 30 عاماً وترسخ في أركان الدولة لا يتم بين يوم وليلة، إنما بحاجة لفترة زمنية طويلة، وأجيال جديدة في كل المؤسسات، تتميز بأفق المساواة والسلام والعدالة”، وبحاجة كذلك إلى “عقلية جديدة تحمل حرية المعتقد وتعدد الثقافات وقضايا الديانات المختلفة”.
ويؤكد القانوني والسياسي البارز نبيل أديب على عدم وجود منع للمسيحيين من تولي المناصب العامة في السودان، ويوضح أديب الذي ينحدر من الديانة المسيحية في افادته لـ(اليوم التالي): “لا يهمني عدد المسيحيين الذين تولوا مناصب عامة في الفترة الانتقالية، ولكن يهمني فقط أنه لم يحرم شخص من تولي منصب عام بسبب عقيدته الدينية”.

تمثيل تضليلي؟
إلا أن بنيامين عثمان يقطع بهضم حقوق المسيحيين في الخدمة المدنية، مشيراً إلى “أنهم غير قادرين على تمثيل أنفسهم في وظائف الدولة سواء كانت هيئات أو مؤسسات وأن نسبتهم في هذه الأجهزة هي أقل من 1%”، ويذكر أنه لا يوجد تمثيل للمسيحيين، حتى داخل المنظمات الإنسانية في السودان عدا المنظمات الكنسية داخل الكنيسة، وأن “العمل غير متاح لهم كبقية السودانيين”.
ويتابع عثمان بلهجة يتخللها الغضب أن “التمييز السياسي ضد المسيحيين بعد سقوط نظام البشير لم يشهد جديداً”، ويذهب إلى القول إن “نظام قوى الحرية والتغيير أسوأ من نظام الإسلاميين فيما يتعلق بالتمييز والعنصرية السياسية”، متهماً هذه القوى بممارسة “تمثيل تضليلي”، حيث يستشهد بتجربة عضوة مجلس السيادة السوداني رجاء نيكولا، فالأخيرة رغم أنها مسيحية الديانة إلا أنها “غير ناشطة في حقوق المسيحيين، وليست لديها مواقف ضد السياسات القمعية التي يتعرض لها المسيحيون”، على حد وصفه.
ويتفق مرقص مع عثمان في دمغ مشاركة نيكولا في السلطة بأنها عملية تضليلية كبرى وتجربة معيبة للمسيحيين والأقباط، “لجهة أنها لم تعكس مظهراً وطنياً للأقباط وتقدم استقالتها، إنما قبلت مشاركة الانقلابيين في السلطة”، حيث استمرت نيكولا في منصبها بعد الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر من العام الماضي.
غير أن نبيل أديب، الذي كلف برئاسة لجنة التحقيق في مقتل العشرات خلال فض اعتصام القيادة العامة بالخرطوم عام 2019، يرى أنه لا توجد صلة بين تولي رجاء نيكولا لمنصبها من جهة وعقيدتها الدينية من جهة ثانية، لافتاً إلى أن اختيارها إنما كان بناءً على “قدرتها على اتخاذ المواقف التي تخدم السياسات العامة المطلوبة لأداء مهام الفترة الانتقالية”، ويبيّن أن “تولي المناصب العامة يتصل بموقف الشخص المعني من المسائل السياسية العامة وقدرته على إدارة دفة الدولة من الموقع الذي يتولاه بما يتفق مع السياسة العامة التي تتقبلها الأغلبية السياسية”.
ويلفت عضو مجلس السيادة السابق صديق تاور من جانبه إلى أن رجاء نيكولا “موظفة في السلطة القضائية منذ الثمانينات، وبحكم التجربة الطويلة فهي خبيرة قانونية في مجالها الوظيفي.. وهي شخصية متعاونة ومتفاعلة مع الجميع لم يعرف لها خلاف مع أي شخص أو جهة”.
ويستدرك تاور في افادته لـ(اليوم التالي) أن نيكولا “تفتقر للخبرة في الشأن العام حيث لم يُعرف لها نشاط ملحوظ في الحراك السوداني من أجل الحريات والديمقراطية أو الحقوق عموماً بما في ذلك الحقوق الدينية للمسيحيين السودانيين، لذلك كان اسمها جديداً لدى الرأي العام خلال الفترة الانتقالية”، ويشدد على أنها “جاءت من رمزية اجتماعية ودينية، وتم ترشيحها لمجلس السيادة عبر المكون العسكري ووافقت عليها قوى الحرية والتغيير، باعتبار أن المجلس السيادي جهة تشريفية”.
وينتقد العضو السابق في مجلس السيادة أداء رجاء نيكولا السياسي، معتبراً أن “ضعف الأفق السياسي وربما انعدامه عندها.. جعل وجودها في المجلس خصماً للكتلة المدنية”، مضيفاً أن “موقفها من انقلاب 25 أكتوبر كشف عن انتهازية واضحة عبر تماهيها مع المكون العسكري والصمت المطبق عن كل الخروقات والانتهاكات إلى حين الاستغناء عن خدماتها”.
ويدافع تاور عن فترة وجود قوى الحرية والتغيير في مجلس السيادة، ويرد أن الذين يتهمون القوى بالتمييز ضد المسيحيين “يحاولون حجب شمس الحقيقة بأصبع معطوب، سيما وأن الاهتمام الذي أولته الحكومة الانتقالية والجهود التي بذلتها لرد مظالم النظام السابق كانت كبيرة وواضحة لا ينكرها إلا مكابر”، وفق تعبيره.
ويمضي تاور للقول: “إن أهم ما يميز فترة الحرية والتغيير هو حماية حقوق الجميع بدرجة واحدة من مطلق المواطنة المتساوية، والدفاع عن الحقوق والحريات الدينية”، ويشير إلى بعض الإجراءات التي تم اتخاذها مثل “حماية الأصول المملوكة لمسيحيين وتحريك ملفات الأصول التي صودرت ودعم دور العبادة وإعطائهم مساحات أوسع في الإعلام، كل ذلك في فترة قصيرة”.
وبينما يقر مرقص بأن “الحكومة الانتقالية لم تكن أسوأ من الإسلاميين.. إذ لا يوجد أقبح من شعارات الإسلاميين ولا ظلم أعظم من إعلانهم حرباً على المسيحيين في جنوب السودان” إلا أنه يردف أن “قضية الحريات الدينية خلال السنوات الأخيرة لم تشهد نقلة نوعية”.
ويقر أديب بغياب “الإصلاح القانوني في الفترة الانتقالية التي لم تشهد الإصلاح المطلوب للحريات الدينية مع استمرار التمييز في القوانين ضد غير المسلمين”.
وكفلت الوثيقة الدستورية الموقعة في العام 2019 التي تم تجميد العمل ببعض بنودها في العام 2021، المساواة بين المواطنين على أساس المواطنة واحترام المعتقدات الدينية والتقاليد والأعراف وعدم التمييز بين المواطنين بسبب الرأي السياسي أو الدين أو العرق أو الجنس أو الثقافة أو أي سبب آخر، وذلك وفق المادة 18.

“تمثيل شكلي وترضيات”
يختلف المحلل السياسي الفاتح عثمان مع الآراء القائلة بوجود تمييز ضد المسيحيين في تولي المناصب الرفيعة بالسودان، ويذكر أن حكومات البلاد المتعاقبة منذ عهد جعفر النميري الذي ترأس البلاد بين 1969 و1985 حافظت على إعطاء مسيحيين أدواراً كبيرة في مراكز القرار مقارنة بنسبة المسيحيين في البلاد، مشيراً إلى أنهم نالوا مناصب لم ينلها نظراؤهم الأقباط في مصر، مثل وزارة الخارجية ومنصب نائب الرئيس.
ويشرح المحلل السياسي في افادته لـ(اليوم التالي) أن نسبة المسيحيين في البلاد تراجعت بعد انفصال الجنوب، وبات وجودهم محصوراً في أقباط العاصمة والمدن الرئيسة وبعض أبناء جنوب كردفان ومنطقة أبيي، ويمثلون نحو 5% من سكان السودان، الأمر الذي يضعف معدل تمثيلهم.
ويسرد الفاتح عثمان عدداً من الأمثلة عن تولي مسيحيين لمناصب عليا، كرجاء نيكولا أو نبيل أديب رئيس لجنة التحقيق في فض الاعتصام بدرجة وزير، وبطرس بدوي مستشار وزير الشؤون الدينية والأوقاف، عدا عن تمثيلهم قبل عام 2019، عبر تولي جون قرنق منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية، ولام أكول وزارة الخارجية، وباقان أموم وزارة رئاسة مجلس الوزراء، بالإضافة إلى أن أعضاء مجلس الإنقاذ الجنوبيين الثلاثة كانوا مسيحيين، وهم دومينيك كاسيانو ومارتن ملوال وبيويو كوان، فيما تولى لوال شول دينق وزارة النفط.
وتختلف أستاذة العلوم السياسية بالجامعات السودانية ابتهال بابكر بدورها مع الفاتح عثمان، وتقول في افادتها لـ(اليوم التالي) إن تمثيل المسيحيين في عهد حكومة البشير كان محاولة لخلق توازن سياسي للحكومة وكسب شريحة المسيحيين من المجتمع ودمجها في العمل السياسي لإضفاء الشرعية والعدالة في التمثيل السياسي، وإن كانت تتفق مع عثمان حول انخفاض نسبة المسيحيين بعد انفصال الجنوب وانعكاس ذلك على توليهم مناصب بارزة.
وتؤكد بابكر أن تمثيل المسيحيين في هياكل السلطة الانتقالية بعد الثورة السودانية اختلف إلى حد كبير، واصفةً تخصيص المقعد رقم 11 في تشكيلة أعضاء مجلس لطائفة الأقباط بأنه اعتراف صريح بوجودها التاريخي وإشارة إلى أهمية التسامح الديني في البلاد.
وعلى خلاف الفاتح عثمان وبابكر، تعتبر المحللة السياسية تماضر الطيب في افادتها لـ(اليوم التالي) أن مشاركة المسيحيين في السلطة قبل وبعد 2019 في السودان هو عبارة عن “تمثيل شكلي وترضيات أكثر من أنها إشراك وتطبيق على أرض الواقع”.

مسيحيو السودان
Comments (0)
Add Comment