في منطقة السوق العربي وسط الخرطوم، حلت وكالات السفر التي تساعد الشباب السوداني في البحث عن مستقبل اقتصادي أكثر إشراقاً في مصر محل بعض متاجر مواد البناء التي كانت مكتظة في السابق في المركز التجاري الرئيسي بالعاصمة.
يأتي ذلك في وقت يعكس النزوح حالة اليأس المتزايدة إزاء الآفاق في الداخل، حيث يعاني الاقتصاد من السقوط الحر، فيما يؤثر نقص الغذاء على ثلث السكان، ويشيع انقطاع الكهرباء والمياه، بحسب الأمم المتحدة.
في حين لا توفر مصر، التي تستضيف بالفعل جالية سودانية تقدر بنحو 4 ملايين نسمة، وظائف مربحة، لكنها تعد وجهة أسهل ومألوفة في كثير من الأحيان.
وبينما يسافر البعض في رحلات عبر البحر المتوسط محفوفة بالمخاطر إلى أوروبا، تتمتع مصر بمزايا ملحوظة.
فيمكن للشباب السوداني السفر إلى الشمال بتكلفة أقل والبحث عن عمل، بينما تسعى العائلات للحصول على الرعاية الصحية والتعليم لأطفالهم وعيش حياة مستقرة، وفق رويترز.
من جهته قال مالك إحدى شركات الحافلات في الخرطوم إن ما يصل إلى 30 حافلة تنقل نحو 1500 راكب إلى مصر من السودان يومياً، لافتاً إلى أن هذا يمثل زيادة بنسبة 50% عن العام الماضي، على الرغم من الارتفاع الحاد في أسعار التذاكر.
بدورهم ذكر اثنان من وكلاء السفر أن عدد الشبان الذين يسعون للحصول على تأشيرات قد تضاعف تقريباً في العام الماضي.
فيما قال عادل عثمان، وهو سائق حافلة: “في الحقيقة عدد الباصات متفاوتة يعني، ما بين 15 لعشرين، وفي الموسم مثلاً رمضان بتزيد، ومرات بتنقص من الخمسة عشر ذاتها بتنقص إلى 12، بتزيد لحد 25 في المواسم، ففي البداية ما كان فيه باصات أصلاً، كان خمسة ستة باصات”.
ولا توجد بيانات متاحة تظهر توجهات السفر في الآونة الأخيرة من السودان إلى مصر.
لكن دبلوماسياً مصرياً كشف أن الأرقام في ارتفاع منذ عام 2019، عندما أطاحت ثورة بالرئيس السوداني السابق عمر البشير.
كما أضاف أن حركة السودانيين إلى مصر تتزايد بشكل تدريجي ومتناسب مع تدهور الوضع في السودان.
يشار إلى أن معدل التضخم الرسمي تراجع من 423% العام الماضي إلى 117% في أغسطس، وهو ما يقول رجال أعمال ومحللون إنه يعكس الركود الاقتصادي، غير أنه لا يزال من أعلى المعدلات على مستوى العالم.
كما انخفضت قيمة الجنيه السوداني بنسبة 950% خلال السنوات الأربع الماضية، بينما أصبح الوقود، الذي كان مدعماً بشكل كبير في السابق، أغلى منه في العديد من البلدان الغنية.
ويقول أصحاب الأعمال إن معظم الناس لم يعد بإمكانهم تحمل تكاليف أكثر من السلع الأساسية، مما تسبب في إبطاء نشاط العديد من التجار والمصانع أو إغلاق متاجر.
الأمر الذي قد يدفع المزيد من الناس للمغادرة. وقال متحدث باسم المنظمة الدولية للهجرة إنها تتوقع أن يفكر المزيد من الناس في الهجرة كخيار، أو كآلية للتكيف، في إشارة إلى السودان.
الجدير بالذكر أن الظروف في مصر صعبة أيضاً، حيث بلغ التضخم أعلى مستوياته منذ ما يقرب من أربع سنوات، كما أن حوالي ربع الشباب عاطلون عن العمل، وفق منظمة العمل الدولية.
وكثيراً ما ينتهي الحال بالشباب السوداني إلى العمل في وظائف متدنية في المصانع ومناجم الذهب أو كعمالة منزلية، بحسب وكلاء سفر ومهاجرين. لكن لديهم مجتمعاً يمكنهم الاعتماد عليه، ويمكن أن يكسبوا أكثر مما يكسبونه في بلدهم.