أصبح الطلاق في المجتمع السوداني في الآونة الأخيرة أمراً عادياً بعدما كان مستهجناً وغير مقبول في الماضي القريب، نظراً إلى تردي الأوضاع الاقتصادية التي جعلت من الصعوبة بمكان مجاراة الحياة المعيشية في ظل التطلع إلى حياة زوجية عنوانها الرفاهية والترف.
وبحسب متابعات “اندبندنت عربية” فإن كثيراً من حالات الطلاق بين الأزواج السودانيين أسبابها بالدرجة الأولى عدم القدرة المالية على الإيفاء بمتطلبات الحياة الزوجية نتيجة لارتفاع أسعار السلع وإيجار العقارات وغيرها، مما أسهم في زيادة المشاحنات والمشاجرات بين الزوجين مما يجعل من الاستحالة استمرار العلاقة بينهما.
عنف لفظي
استشاري الطب النفسي والعصبي علي بلدو أشار إلى وجود تزايد مطرد في حالات الطلاق في السودان بواقع سبع حالات في الساعة الواحدة، ما يعتبر نذيراً خطراً جداً على الأسرة السودانية من ناحية آثاره النفسية والاجتماعية في الزوج والزوجة والأبناء والمجتمع عموماً، وأضاف “الطلاق له آثار سلبية عدة، أولها الشعور بالصدمة، لا سيما بالنسبة إلى الزوجة، كما أن محاولة إشراك الأبناء في المشكلات، فضلاً عن محاولات جذبهم إلى أحد الطليقين، كلها أمور تؤدي إلى تعقيدات كبيرة للغاية في بناء شخصيتهم وشعورهم بالاهتزاز وعدم الثقة وتنازع المشاعر واضطراب العواطف وحدوث نوع من عدم التوازن النفسي، خصوصاً أن معظم الطلاقات في البلاد تكون بصورة غير ودية، تتبعها إجراءات في المحاكم كالنفقة والبنوة والضرر وما شابه ذلك. وربما تقود هذه الإجراءات إلى ملاحقات وزيادة مستوى العنف اللفظي، مما يغزي الشعور بعدم الاطمئنان وعدم الاستقرار نتيجة التنقل بين المنازل بالنسبة إلى الأطفال وتكون النتيجة الحتمية تراجعاً في التحصيل الأكاديمي”.
وأوضح بلدو أن الطلاق يؤدي إلى الشعور بنقص المناعة بسبب الإحباط والعراك المستمر وتعرض الطرفين للإصابة بأمراض مختلفة نتيجة ذلك، إلى جانب انعدام الثقة لدى الزوج أو الزوجة، كما يقود أحياناً إلى ملاسنات ومشاجرات تصل إلى الاحتكاك البدني وحدوث نوع من الأذى بمستويات مختلفة، بسيطة وجسيمة. وربما يتطور الأمر إلى ارتكاب كثير من جرائم القتل، إذ إن كثيراً من المطلقات أصبحن في مرمى نيران طلقائهن بعد انتهاء العلاقة الزوجية بسبب تراكم المشكلات وعدم القدرة على حل الأمور بصورة ودية.
خلع وفدية
وأردف استشاري الطب النفسي والعصبي “من آثار وسلبيات الطلاق في مجتمعنا السوداني المشاحنات المتصاعدة بين الأسر وتناقل الأحاديث غير اللائقة ومحاولات إلصاق تهم بالآخرين من أجل إبراء ذمة الأبناء، إضافة إلى الضغوط المعيشية والاقتصادية في التربية والتنشئة، مما يشكل ضغطاً نفسياً هائلاً إذا أخذنا في الاعتبار نظرة المجتمع السلبية إلى المرأة المطلقة باعتبارها المذنبة والسبب في ما حدث من طلاق أي أنها خربت منزلها وهو اتهام يؤدي بلا شك إلى أذى معنوي وشعور بالكآبة وعدم السعادة في معظم الحالات”.
ولفت إلى أن الطلاق أصبح في الآونة الأخيرة مطلب كثير من السيدات في السودان نتيجة المشكلات المستعصية التي تعترض الحياة الزوجية لدرجة إصرار بعض النساء على الاحتفال بالطلاق أو محاولة الحصول عليه حتى عن طريق الخلع أو الفدية للتخلص من نيران وغضب الأزواج، كما يقول بعضهن بسبب الخلافات الزوجية نتيجة الشعور بالطلاق الصامت أو غير المعلن أو الطلاق العاطفي وعدم القدرة على إسعاد الشريك في الحياة الزوجية.
وأكد بلدو أن الطلاق بلغ حد الظاهرة لتمدده بشكل ملحوظ وسط المجتمع وتسببه في تضعضع الأسرة وتشكيل خطر على بنائها البنيوي، مما تطلب تحركاً من قبل اللجان والهيئات الحقوقية تمثل في التوسع في إنشاء مراكز الإرشاد الأسري والدعم النفسي والاجتماعي، فضلاً عن تفعيل مراكز البحث والفحص ما قبل الزواج وإنشاء مراكز الإنذار المبكر لحلحلة الخلافات الزوجية أو حتى التوصل إلى الطلاق المثالي بصورة ودية من دون مشكلات تحفظ كرامة الأبناء وإنسانيتهم وحقوقهم وتحافظ على المجتمع والأسرة السودانيين.
دورات تدريبية
وفي السياق قالت الاختصاصية الاجتماعية عالية عبدالله مدني “الطلاق في السودان أصبح موضوع الساعة نظراً إلى ارتفاع معدلاته بصورة مخيفة تهدد المجتمع، فهو يرجع إلى نواح تربوية واقتصادية واجتماعية، فضلاً عن آثار العولمة الزائدة والتقليد الأعمى لما هو متبع في مجتمعات غربية وغيرها، كلها عوامل أسهمت في زعزعة ركائز الحياة الزوجية”، وأردفت “المشكلة أن كثيراً من الزوجات في بداية حياتهن الزوجية يتطلعن إلى أحلام وردية مع الإصرار على تحقيقها بأي وسيلة كانت من دون مراعاة ظروف الزوج ولا يصبرن على بناء عش الزوجية خطوة خطوة، فلا بد من التدبر حتى تسير الحياة بصورة طبيعية بين الزوجين. ومن جهة الرجال نجد أن هناك نسبة كبيرة منهم لا يهتمون بالمسؤولية وغير مبالين بواجباتهم تجاه أسرهم ويرجع ذلك إلى العامل التربوي”.
وأشارت مدني إلى أن نسبة كبيرة من حالات الطلاق تتسبب فيها التدخلات الأسرية، خصوصاً عندما تكون الزوجة تعيش مع أسرة زوجها مما يحدث احتكاكاً متواصلاً ومطالبة الزوجة بالعيش بعيداً من أهل زوجها، بيد أن إمكانات الزوج لا تسمح بتوفير سكن منفصل، فضلاً عن الاختلاف بين الزوجين بعد الارتباط حول الأمور المتعلقة بعمل الزوجة أو مواصلة دراستها.
وللحد من هذه الظاهرة قالت الاختصاصية الاجتماعية “يجب على المقبلين على الزواج الالتحاق بدورات تدريبية تتناول دروساً وتفهماً لواقع الحياة المستقرة من نواح دينية ونفسية واجتماعية بواسطة خبراء ومتخصصين في تلك المجالات، إضافة إلى قيام الآباء والأمهات بدور يسهم في زيادة الوعي لأبنائهم من الجنسين قبل خوض تجربة الزواج”.
إحصاءات صادمة
وبحسب آخر إحصاءات صادرة عن السلطة القضائية السودانية فإن عام 2021 شهد وقوع 70 ألف حالة طلاق ونظرت المحاكم خلال الفترة الممتدة من 2016 إلى 2020 إلى نحو 271 ألف دعوى طلاق، منها 48351 حالة في 2016 و55478 حالة في 2017 و59339 حالة في 2018 و60202 حالة في 2019 و47506 حالات في 2020، فضلاً عن وجود كثير من حالات الطلاق التي لم يتم حصرها نظراً إلى اختيار أصحابها عدم الذهاب إلى القضاء وإنهاء العلاقة الزوجية في الإطار الاجتماعي.
واحتلت ولاية الخرطوم المرتبة الأولى في عمليات الطلاق بوقوع 93119 حالة، ثم القضارف بعدد 21280 حالة، فولاية النيل الأبيض بإجمالي 18789 حالة، تليها ولاية الجزيرة بـ 17508 حالات، ثم نهر النيل 15951 حالة، فشمال كردفان 13675 حالة، وأعقبتها ولاية غرب كردفان 11316 حالة، ثم النيل الأزرق 10300 حالة، فولاية شمال دارفور 8499 حالة، بعدها ولاية البحر الأحمر 7297 حالة، ثم ولاية سنار 6568 حالة، فولاية جنوب دارفور 6344 حالة، تليها ولاية شرق دارفور 5148 حالة، فولاية جنوب كردفان 5557 حالة وأخيراً ولاية وسط دارفور بعدد 1491 حالة.