استبعد اقتصاديون وسياسيون حرص الولايات المتحدة الأمريكية على مصالح السودان الاقتصادية، مؤكدين أن هناك مصلحة لأمريكا من هزيمة العلاقات الروسية السودانية، موضحين أن توازن القوة ومراكزها في العالم تبدل من أمريكا والغرب إلى روسيا، وأشاروا إلى أن السودان لم يستفد من روسيا على الرغم من دخول عدد من الشركات الروسية إلى السودان، وقالوا إن الاستثمارات الروسية لم تظهر في حياة السودانيين، مبينين أن الفقر الذي ضرب الحياة السودانية يؤكد نهب ثروات البلاد بأيادٍ سودانية وأجنبية.
اتهام أمريكا
ونقلت مصادر صحافية اتهام الولايات المتحدة الأمريكية المرتزقة الروس باستغلال الموارد الطبيعية في دول أفريقية من بينها أفريقيا الوسطى ومالي والسودان، للمساعدة في تمويل حرب موسكو في أوكرانيا، وهي تهمة رفضتها روسيا ووصفتها بأنها غضب مناهض لموسكو، وقالت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس، إن مجموعة مرتزقة فاغنر تستغل الموارد الطبيعية وهذه المكاسب غير المشروعة تُستخدم لتمويل آلة الحرب الروسية في أفريقيا والشرق الأوسط وأوكرانيا.
وقال توماس جرينفيلد في اجتماع لمجلس الأمن الدولي بشأن تمويل الجماعات المسلحة من خلال الاتجار غير المشروع بالموارد الطبيعية في أفريقيا: لا نخطئ، الناس في جميع أنحاء أفريقيا يدفعون ثمناً باهظاً لممارسات فاغنر الاستغلالية وانتهاكات حقوق الإنسان.
تدخل أمريكا واستفادة روسيا
وقال الباحث د. أزهري بشير إن الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا أوقعت ضرراً على الأوكرانيون الذين يحسون بوقوع ظلم عليهم، مضيفا ًأن حكومة بوتن تعاملت مع الأمر بنوع من الغضب، موضحاً أن الرئيس الروسي لم يضع حسابات الحوار والتفاهم والتفاوض، مما جعل ذلك الأمر بهذا الشكل، ويرى أنه كان لابد من تدخل أمريكا بحكم القيادة العالمية والقوة العسكرية، وبالتالي على حكومة روسيا العودة إلى الصواب، بإجراء حوار وتفاوض مما يجعل من روسيا مستفيدة.
وأشار إلى أن دخول روسيا الى السودان كان للاستفادة من الموارد الطبيعية التي تساعد روسيا في الصناعات الدفاعية والأمنية، وأوضح في حديثه لـ(اليوم التالي) أن دخول روسيا كان نتيجة لبعد أمريكا من الدخول والاستفادة من موارد السودان بشكل إيجابي خلال الأربعين عاماً الماضية.
تطبيع وتحسين
ويبين د. أزهري أن هنالك الكثير ما يجمع بين السودان وأمريكا بعكس روسيا، مثل وجود عدد كبير من السودانيين بأمريكا، منذ زمن طويل، بجانب معرفة علاقة ومعرفة الشعب السوداني بأمريكا أكثر من روسيا، وتابع: السودان لم يستفد من روسيا كثراً، قائلاً إن أمريكا بدأت في تطبيع وتحسين العلاقة مع السودان خلال الفترة الأخيرة، وذلك بعد رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، إلى جانب إعفاء ديون السودان في مؤتمر باريس، وتعيين سفير أمريكي لدى السودان، إضافة إلى زيارة الرئيس السوداني البرهان لأمريكا بعد غياب لأكثر من 30 عاماً.
واعتبر ذلك مؤشر إيجابي لتحسين وإعادة العلاقات السودانية الأمريكية، مؤكداً أن علاقة السودان بأمريكا أقرب وأفضل من روسيا، لافتاً إلى أن روسيا تحتاج إلى ترتيب بيتها ومعالجة المشكلة مع أوكرانيا، واصفاً إياها بالحرب الاستنزافية لروسيا، وأن اتهام أمريكا لروسيا كان يستند على أدلة دامغة، وقطع الباحث بأن السودان لم يستفد من روسيا على الرغم من دخول عدد من الشركات الروسية السودان للاستثمار في الذهب والمعادن الأخرى، وقال إن السودان يحتاج إلى قيام دولة قوية لتستفيد من الموارد الطبية التي تمكنها لتصبح دولة عظمى، مؤكداً أن ذلك لا يتم إلا بتحقيق السلام الشامل والتنمية المستدامة.
تدخل أجنبي
ومن جهته يقول رئيس حزب بناة المستقبل د. فتح الرحمن محمد الفضيل إن الصراع بين المركز العالمي القديم الغربي والاتحاد السوفيتي الشرقي الحالي هو صراع قديم متجدد، وأوضح أن أدواته دائماً هي الصراع خارج الأرض أو حروب الوكالة، وقال في حديثه لـ(اليوم التالي) إن آخرها تصريح السفير الأمريكي ضد روسيا ورد عليه السفير الروسي، مبيناً أن الأمر اتضح بجلاء في هذا التوقيت، وتابع: كلما تضعف الدولة يصبح التدخل الأجنبي أعلى، وعندما تكون في أعلى حالاتها من القوة يكون التدخل أقل ولكن لا يختفي.
وأشار فضيل إلى أن السودان الآن في أضعف حالاته من القوة مع اختراق كبير في قراره السياسي، متوقعاً أن يكون حديث فاغنر فيه تضخيم للجانب الأمريكي للنَّيل من العلاقة السودانية الروسية، ويقول: كثيراً ما نسمع عن شركات ذهب روسية نسمع ضجيجاً ولا نرى طحيناً، موضحاً أن كل هذه الشركات والاستثمارات من الروس لا تظهر في حياة السودانيين، واعتبر الفقر الذي ضرب حياة السودانيين والضرائب الباهظة تؤكد نهب ثروات بأيدٍ سودانية وأجنبية من الخارج، مبدياً اتفاقه مع الرأي الأمريكي بأن هناك نهب لثروات السودان، إلا أنه عاد وقال: هذا لا يعني أن الجانب الأمريكي حريص على المصالح السودانية، قاطعاً بوجود مصلحة من هزيمة العلاقة السودانية الروسية لأنها علاقة يستفيد منها الروس، مطالباً الحكومة السودانية بضرورة الاستفادة من هذا الخلاف.
مواجهة مباشرة
وفي السياق ذاته يتفق القيادي الإسلامي المهندس نور الدين أمبدي مع الرأي السابق حول تبديل توازن القوة ومراكزها في العالم من أمريكا والغرب إلى روسيا والشرق، مبيناً أن أمريكا منذ إنشائها كانت دولة تخسر كل حروبها لجهة أن مكونات قواتها عبارة عن مرتزقة أجانب أتوا من كل بقاع الأرض بحثاً عن حياة أفضل بحسب كذب الإعلام الأمريكي وأخذوا جنسيات، كما عملوا في كل الوظائف بما فيها الجيش، لكن دون وطنية، وقال في حديثه لـ(اليوم التالي) إن أمريكا لا تستطيع دخول أي حرب وحدها لأنها سرعان ما تخسرها بهروب جيشها من المواجهة المباشرة، كما حدث في فيتنام والصومال والعراق، وأخيراً مع طالبان في أفغانستان، مؤكداً أنه السبب الرئيس الذي يجعلها تستقطب كل علماء العالم لمصلحتها للحصول على العلم والتطور والتكنولوجيا.
ويشير أمبدي إلى أن أمريكا تحاول الإيحاء للعالم بأنها البوليس العالمي مع أنها مصدر الإرهاب الأساسي، وأنها تخالف وتنتهك كل القوانين الإنسانية وتدعم من يفعل ذلك علناً، مستخدمة آلة الإعلام التي تغبش الحقائق للبسطاء، وتتهم بعض أصدقائها مثل بريطانيا وفرنسا بأنهم دول يريدون نهب الثروات بالإرهاب للإيحاء للرأي العالمي بأن هذه الدولة تهدد الأمن القومي وتستحق العقاب، مؤكداً أنها متحكمة في كل المنظومات الدولية ابتداءً من الأمم المتحدة وحتى منظمة الصحة العالمية، وقال: نرى بعد ذلك مقتل أطفال بالآلاف على شاشات التلفاز دون أن يرف للناس جفن وصورة الإرهاب “معشعشة” في عقولهم.
حشد مجتمع
ولفت إلى أن روسيا والصين شكلتا “بعبعاً” لأمريكا خاصة بعد تدهور اقتصادها وابتعاد الخليج عن هذه الحرب كشف ظهر أمريكا، مبيناً أن أمريكا تريد حشد المجتمع الدولي بأن روسيا تستخدم مرتزقة في أفريقيا، وتساءل: منذ متى اهتمت أمريكا بالأفارقة وهم الذين نهبت دول أوروبا كل أملاكهم وذهبهم وبترولهم وبقية مواردهم وبنوا بها أنفسهم وتركوهم للجوع والمرض، إلى جانب اتخاذ الأفارقة حقول تجارب لفايروسات وعلاجاتها لصالح شركات أغلبها في أمريكا، وأشار إلى أن أفريقيا الآن بدأت في التعليم والوعي وطرد المستعمر من أراضيها، موضحاً أنه آخر ما تبقى لها للنهوض من هذه “الكبوة”، وأكد أن لا فاغنر ولا غيرها سيسمح لهم الأفارقة بنهب ممتلكاتهم، إلا أنه عاد وقال: لكن أمريكا تريد أن توهم العالم أن قوة روسيا هذه بسبب نهب ثروات الأفارقة، وتساءل: من أين أتت ثروات الدول الأوروبية؟