منذ نهاية الأسبوع الماضي، سرت أنباء متطابقة عن إحراز أطراف الأزمة السودانية الرئيسية (المكون العسكري، وقوى الحرية والتغيير- مجموعة المجلس المركزي) اتفاقا من شأنه إنهاء الأزمة الناجمة عن استيلاء الجيش على السلطة يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
وفي أول تصريح علني عن العملية السياسية الجارية بين الطرفين، قال رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في خطاب جماهيري إن القوى السياسية في السودان قدمت تنازلات، وهي محل ترحيب بالنسبة إليهم، مؤكدا نيتهم السير في أي مبادرة من شأنها إخراج السودان إلى بر الأمان.
ودّعم هذا الاتجاه بيان صادر عن تحالف الحرية والتغيير (الحاضنة السياسية للحكومة المعزولة)، يكشف فيه عن اتصالات غير مباشرة بين الطرفين، تنهض على إعلان العسكريين قبولهم مشروع مسودة الدستور الانتقالي مع إبداء عدد من التحفظات.
ويعاني السودان من اختناق سياسي جراء غياب الحكومة التنفيذية لقرابة العام، وتراجع اقتصادي يتجلي في ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة العملة الوطنية.
ويتأسس الاتفاق على مشروع الدستور الانتقالي الذي طرحته اللجنة التسييرية لنقابة المحامين السودانيين، والذي وجد ترحيبا دوليا ومحليا شمل القوى العسكرية، مع إبداء الأخيرة بعض التحفظات بشأن عدد من بنوده.
ويحاول المشروع وضع إطار دستوري يحكم ما تبقى من الفترة الانتقالية، وتشكيل حكومة مدنية ومجلس بشؤون الأمن القومي والدفاع بقيادة مدنية.
ما أبرز ملامح العملية السياسية المزمعة؟
كشف مصدر رفيع في الحكومة الانتقالية المعزولة، طلب حجب اسمه، عن اتصالات غير مباشرة بين قوى الحرية والتغيير- مجموعة المجلس المركزي والعسكريين انتهت بتوافقات تتماشى مع مطالب الشارع بعودة الحكم المدني، وخروج العسكر من العملية السياسية.
وقال المصدر للجزيرة نت إن الطرفين توافقا على تشكيل سلطة مدنية وحكومة كفاءات غير حزبية، وتعيين رئيس وزراء مدني، ضمن سلطاته مسؤوليات وزارة الداخلية وقوات الشرطة والأمن وقيادة مجلس الأمن والدفاع.
ومن ضمن البنود التي تم التوافق عليها كذلك عودة لجنة تفكيك نظام 30 يونيو/حزيران 1989 عقب نقاشات وتقييم لعمل اللجنة المُجمدة.
وحاولت الجزيرة نت التواصل مع العميد الطاهر أبو هاجة المستشار الإعلامي لرئيس مجلس السيادة لكنها لم توفق في ذلك.
من هم أطراف العملية السياسية؟
تقوم أركان العملية السياسية على قوى الحرية والتغيير- مجموعة المجلس المركزي، والمكون العسكري بقيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ونائبه قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي).
ومن المقرر طبقا للمصدر أن يحافظ الاتفاق على المكتسبات التي حققها اتفاق جوبا للسلام بين الحكومة والفصائل المسلحة في أكتوبر/تشرين الأول 2020 بشأن تقاسم الثروة والسلطة، مع ضمان أن تكون الحركات الموقعة على الاتفاق جزءا من اختيار حكومة الكفاءات.
وترعى الاتفاق كل من اللجنة الرباعية الدولية (السعودية والإمارات والولايات المتحدة والمملكة المتحدة)، والآلية الثلاثية المكونة من البعثة الأممية المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية “يونيتامس” (UNITAMS)، والاتحاد الأفريقي، والهيئة الحكومية للتنمية “إيغاد” (IGAD).
وانخرطت تلك الجهات الدولية وبعض من أحزاب الحرية والتغيير في اجتماعات مع قادة الحزب الاتحادي الديمقراطي والمؤتمر الشعبي، فيما يبدو أنه حشد الزخم للاتفاق الوشيك.
ما الرأي الرسمي لقوى الحرية والتغيير فيما يجري؟
يتهم المتحدث باسم قوى الحرية والتغيير شهاب إبراهيم جهات لم يسمها بتسريب أحاديث مجافية للواقع عن تسوية سياسية وشيكة بين المدنيين والعسكريين.
وقال للجزيرة نت إن ما حدث هو تلقيهم اتصالات غير مباشرة وغير رسمية كذلك من المكون العسكري، عبر وساطة، تفيد بترحيب العسكر بمشروع الدستور الانتقالي كأساس للحل السياسي، مع إبداء ملاحظات وصفها بالمحدودة بشأن بنوده.
وتابع “لم نصل إلى اتفاق، ولا نزال في طور التفاهمات”، مسميا ما يجري بأنها عملية سياسية يتمسك فيها التحالف بالحل السياسي القادر على طي صفحة الانقلاب كليا، وتأسيس سلطة مدنية كاملة، مع ضمان خروج المؤسسة العسكرية من العمل السياسي، بالتوازي مع إقامة جيش واحد مهني وقومي وفقا لإصلاحات شاملة محددة بإجراءات ومواقيت، فضلا عن عودة لجنة التفكيك، والتحضير للانتخابات العامة.
هل كل مكونات الحرية والتغيير على وفاق بشأن العملية السياسية؟
أظهر حزب البعث العربي الاشتراكي، أحد مكونات تحالف الحرية والتغيير، اعتراضات على ما يصفها بالتسوية السياسية الجارية.
وقال القيادي بالحزب معتصم الزاكي دونتاي، للجزيرة نت، إن البعث ظل مناهضا لكافة الاتفاقات الساعية لإجهاض حراك الجماهير المطالب بإزاحة العسكر واستعادة الحكم المدني.
وكشف عن انخراطهم في حوارات مع رفاقهم في التحالف لتجنيبهم الوقوع في فخ التسوية، بتقديمهم يد العون للسلطة القريبة من مرحلة السقوط، بعد عام من الاحتجاجات والضغوط الدولية المتواصلة.
ما مواقف بقية القوى السياسية من العملية السياسية؟
من جهته قال مني أركو مناول حاكم إقليم دارفور رئيس حركة جيش تحرير السودان، أحد مكونات مجموعة التوافق الوطني بقوى الحرية والتغيير المتحالفة مع العسكر، في تغريدة على حسابه بتويتر إن العملية الجارية بين العسكريين ومجموعة المجلس المركزي هي عودة للشراكة الثنائية لما كانت عليه الحال قبل 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
وقال “هذه الاتفاقات الثنائية سترجع بالبلاد إلى مربع لم تدخل فيه من قبل”، وأضاف “غدا لناظره قريب” من دون إعطاء توضيحات أكثر.
بدوره، نفى القيادي بالتحالف جمعة الوكيل أن يكونوا جزءا من عملية التسوية التي يجري الحديث عنها في وسائل الإعلام، حد قوله.
بيد أنه أكد للجزيرة نت رفضهم أي توافقات ذات طابع ثنائي أو إقصائي بين المكون العسكري ومجموعة المجلس المركزي، مشددا على أن حل الأزمة يكمن في توسيع دائرة المشاركة التي تشمل كافة القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني ولجان المقاومة السودانية.
من جانبه، أعلن القيادي بتجمع المهنيين السودانيين الوليد علي أنهم غير معنيين بالتسوية بين الحرية والتغيير ومن يصفهم بعسكريي المعزول عمر البشير.
وقال للجزيرة نت إن التجمع يتبنى خطا ثوريا يستهدف إزاحة السلطة القائمة بحراك جماهيري ومواثيق سياسية معلنة لا يتم إبرامها داخل الغرف المغلقة.
وأعلنت مبادرة نداء أهل السودان، التي يرعاها شيخ الدين المتصوف الطيب الجد وتحظى بمباركة أحزاب كانت شريكة لنظام المعزول البشير، بيانا ترفض فيه التسوية السياسية المطروحة.
هل العملية السياسية الجارية قادرة على إحداث اختراق في المشهد؟
أبدى المحلل السياسي طاهر المعتصم تفاؤلاً بالعملية السياسية الجارية بين الحرية والتغيير والمكون العسكري.
وقال للجزيرة نت إن التراجع الاقتصادي، وتفاقم الأوضاع المعيشية، والتدهور الأمني، كلها أسباب دفعت الحرية والتغيير لتلقف قبول العسكر بمشروع الدستور الانتقالي الممهد لاستعادة التحول الديمقراطي، وذلك لتجنيب البلاد الانزلاق إلى ما لا تحمد عقباه.
بدوره، يرى المحلل السياسي عمر الفاروق أن العملية السياسية الجارية ستواجه بصعوبات جمة، قد تلحقها بمصير الاتفاق الذي أبرمه رئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
وقال للجزيرة نت إن قوى مؤثرة ستناهض الاتفاق، على رأسها لجان المقاومة وبعض الأحزاب السياسية الرافعة لشعارات “لا تفاوض، لا شرعية، لا شراكة” كونها تعتقد أن الاتفاق يمهد لإفلات قتلة المتظاهرين من العقاب، ويعيد إنتاج أزمة تحكم قوى سياسية بالسلطة على حساب بقية المكونات.
وأضاف أن الرفض ذاته سيصدر عن الإسلاميين الذين يخشون تأثير الضغوط الخارجية الهادفة لإزاحتهم من المشهد، ولاحقاً وضعهم في قوائم الجماعات المحظورة.
المصدر : الجزيرة