على الرغم من وجود انخفاض نسبي في أسعار الوقود، إلا أن مسألة الركود الاقتصادي وتراجع الاستهلاك تعدان من أبرز التحديات التي يصعب معالجتهما في ظل اجتياح موجة الغلاء التي هزت أهم القطاعات الاقتصادية ذات النشاط الحيوي، فبعض خبراء الاقتصاد يرون أن تراجع الإيرادات من الوقود مرده لتراجع الاستهلاك لأن ارتفاع أسعار الوقود قلل من الإنتاج وتراجع الطلب وارتفعت الأسعار وأفرز ذلك تضخماً ركودياً، هذا فضلاً عن ارتفاع تكلفة تسيير الماكينة الأمنية والحكومية، ومواصلة لذلك فإن عموم القول إن هناك من استوعب درساً إجبارياً في الاقتصاد ولم يكن إجراء تخفيض أسعار الوقود رأفة بالشعب السوداني وإنما لضرورة اقتصادية محكومة بالأداء الاقتصادي وحسابات الربح والخسارة واستجابة المنتجين والمستهلكين واستجابة الأسواق.
حركة مطلبية
بينما أكد الخبير الاقتصادي بروف حسن بشير محمد نور تراجع الإيرادات من الوقود نتيجة لتراجع الاستهلاك، لافتاً إلى أن ارتفاع أسعار الوقود أدى لارتفاع تكاليف الإنتاج حيث قل الإنتاج وتراجع الطلب وارتفعت الأسعار وأفرز ذلك تضخماً ركودياً، موضحاً أن هذا الوضع أدى لنقص الإيرادات الضريبية ليس المباشرة فقط، وإنما غير المباشرة المعتمدة على الاستهلاك، بما فيها الضريبة على القيمة المضافة ذات العائد الأكبر على الخزينة العامة، وأبان أنه على ضوء الأسباب أعلاه ارتدادات مطلبية وآثار سياسية انعكست في حركة مطلبية غير مسبوقة لزيادة الأجور واحتجاجات على الرسوم والضرائب والجبايات الأخرى، وقال: كان ذلك في قطاعات التجارة والإنتاج والخدمات، وأضاف: عبر حديث نشره على صفحته في منصة التواصل الاجتماعي، ربما أحدث كل ذلك ارتدادات اجتماعية وسياسية تم استثمارها من قبل الحراك المعارض للانقلاب، ولفت إلى سبب آخر قائلاً إنه في غاية الأهمية وهو ارتفاع تكلفة تسيير الماكينة الأمنية والحكومية.
عبءٌ زائد
وأشار إلى أن المالية تدفع تكلفة الوقود لجيوش جرارة من قوات نظامية وحركات مسلحة، إضافة للمتحركات وغير المتحركات الحكومية التي تعمل بالمشتقات النفطية حتى أن بعض الهيئات الحكومية أصيبت بعجز في ميزانياتها المخصصة للوقود مضافة إليها تكلفة فاتورة الكهرباء وتكلفة قطوعاتها أيضاً، وقال: باختصار العقلية الجبائية هزمها الواقع الاقتصادي، مردفاً: (إذا حملت الاقتصاد عبئاً زائداً وفوق احتمال الطاقة المتاحة سيكون الأثر سلبياً على مجمل النشاط الاقتصادي، بالضبط مثل تحميل طائرة بحمولة زائدة تؤدي لانفجارها)، ومضى قائلاً: هكذا كان الحال تقلص كبير في الطلب على الوقود، ركود اقتصادي، تراجع القدرة الاستهلاكية أدى لتراجع الإيرادات، في إشارة منه للحركة المطلبية التي قوامها الإضرابات والتوقف عن العمل وإغلاق الأسواق وفي النهاية أصبحت زيادة الوقود على قول السوق (ما بتغطي)، وأضاف: عموماً يمكن القول إن هناك من استوعب درساً إجبارياً في الاقتصاد ولم يكن إجراء تخفيض أسعار الوقود رأفة بالشعب السوداني، وإنما لضرورة اقتصادية محكومة بالأداء الاقتصادي وحسابات الربح والخسارة واستجابة المنتحين والمستهلكين واستجابة الأسواق.
القوة الشرائية
وبحسب المحلل الاقتصادي د. عبدالله الرمادي فإنه قال ينبغي أن يكون هناك انعكاس لهذا التخفيض رغم أنه جاء طفيفاً جداً، وأشار في حديثه لـ(اليوم التالي) إلى أن هناك معدلات تضخم ما زالت في حد جموع الجموح ويقال الآن في حدود الـ130% وإذا صح ذلك هذا يعتبر تضخماً عالياً جداً، ولفت إلى أن أوروبا الآن تجأر بالشكوى لأن معدلات التضخم فيها ارتفعت من 2% إلى 9%، قائلاً: إن هذا لم يحدث من قبل، وفي ظل ما تعانيه البلاد من ارتفاع في التضخم بحسب المحلل الاقتصادي لا أتوقع أي انخفاض في الأسعار علماً بأن التضخم يعني تآكل القوة الشرائية للعملة وهذا بالتأكيد سيقود إلى تصاعد مستمر في الأسعار، وأوضح: لذا فإن صعود الأسعار معناه تآكل القوة الشرائية للعملة، داعياً إلى توضيح نسبة التخفيض في أسعار الوقود مع نسبة معدلات التضخم وفقاً لعملية حسابات دقيقة لوضع حد للتوازن، وأردف قائلاً: ما زالت معدلات التضخم مرتفعة بصفة تفوق جموح الجموح الذي حدد بأنه يصل بين 50 إلى 100% والآن تجاوز حدود ذلك، وقال من الأرجح أن تكون نسبة التضخم أكبر وبالتالي ستمتص وتبتلع هذا التخفيض في أسعار الوقود وقد تؤثر بمعنى أنها توقف أي زيادة جامحة في المستقبل القريب في أسعار النفط والمشتقات وبالتالي في تكلفة الترحيل والمواصلات وقد تحدث ذلك وتقلل من ارتفاع التكاليف ربما تمنعها ولا تخفضها بحسب تقديراته.
العرض والطلب
المحلل الاقتصادي الدكتور وائل فهمي البدوي، قال إن انخفاض أسعار الوقود داخلياً أحد أهم المؤثرات في المستوى العام للأسعار، وأشار إلى أن وزير المالية التزم بحرية عمل آلية العرض والطلب الداخلي وفق تقلبات أسعار السلع بالأسواق العالمية، وتابع: لا يعني بالضرورة أن تنخفض أسعار كل سلعة أو خدمة بالأسواق تناسبياً، وأرجع ذلك لسببين هما: أن التضخم السائد هو تضخم جامح، تغذي فيه الأسعار للسلع والخدمات بعضها البعض ذاتياً في ظل حرية آلية العرض والطلب بالأسواق، هذا وفضلاً عن توقعات الأسواق المحلية والعالمية في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، واستمرار تهديد روسيا بتشديد الخناق بالوقود على أوروبا من ناحية، ويشير إلى سعي الولايات المتحدة الأمريكية في إيجاد مصادر غاز ووقود أرخص وأوفر لأوربا وأمريكا نفسها مع وضع مجموعة السبع لسقف أعلى لشراء الوقود الروسي، ويعتقد فإن توقعات الانخفاض، دون توقعات الارتفاع الدولي حيث لا يمكن التأمين عليه إلا بنهاية الحرب الروسية – الأوكرانية، وذكر: فعدم التناسب لانخفاض أسعار السلع والخدمات التي بالضرورة تشمل تعرفة النقل نسبة انخفاض أسعار الوقود المعلنة هو استمرار المستوى العام للأسعار في الارتفاع هذا رغم الانخفاض المتوقع في سرعته أو حجمه، وأوضح في حديثه لـ(اليوم التالي) أنه في ظل استمرار السياسات الاقتصادية التضخمية القائمة خاصة وأن سلع المستهلك والمنتج تهيمن عليها الواردات التي تتأثر بأسعار الصرف التي تتأثر بدورها بأزمة التضخم الجامح السائدة حالياً في البلاد.