اقتصاديات صناعة التعدين فى السودان .. تحديات جديدة فى الوقود و الأجور.

 

التعدين إستثمار طويل الاجل وذى مخاطر عالية ويحتاج لرأسمال كبير .. فهو ليس تجارة تشترى لتباع فتربح .. وليس صناعة ذات عائد يعتمد على دراسة جدوى قبلية .. بل هو مال يمتطيه المستثمر سفينة ليلج بها بحور المجهول .. قد يجد مرساً فينجو بجلده .. وقد يصادف قصة من قصص الف ليلة وليلة .. وقد لا يصل ولا يعود.

و شركات التعدين الكبرى تخصص اموالا للإستكشاف .. وتتنافس الدول على تلك الأموال والشركات منافسة القطط على قطعة لحم .. وتتهيأ تلك الدول بالخرط والفرص المتاحة و مميزات الإستثمار عارضة بضاعتها لمستثمر يدفع دولارا اعمى .. اطرش .. ابكم ولا احساس له .. دولار يذهب فقط حيث العائد الأفضل .. وفق ذلك فإن تلك الاستثمارات تكون حساسة جدا تجاه أية مخاطر جديدة او إضافية لما هو اساسا متراكم لديها لطبيعة الصناعة.

فى افريقيا .. تعمل شركة نيومونت الامريكية المصنفة كواحدة من اقوى شركات التعدين فى العالم و التى تبلغ ارباحها السنوية اكثر من ثلاثة مليارات دولار و مصروفاتها التشغيلية السنوية اكثر من 728 مليون دولار .. تعمل شركة نيومونت فى دولة غانا الشقيقة و تتشارك مع الدولة عوائد التعدين و جعلت غانا من رموز التعدين فى قوائم التصنيف فى العالم .. و السودان أغنى من غانا فى موارده المعدنية.

و امبراطورية التعدين .. شركة باريك قولد الكندية تعمل فى مالى و الكنغو و السنغال و تنزانيا و ساحل العاج و ربما مصر و زامبيا و غينيا الجديدة .. تنتج هذه الشركة من افريقيا ملايين الاوقيات بمليارات الدولارات لتتقاسمها مع دول الانتاج و السودان ليس موجودا فى خارطتها.

و عملاق انتاج البلاتين فى العالم شركة انجلو امريكان الانجليزية التى يبلغ عدد موظفيها 106 الف موظف تتواجد كمستثمر رئيسى فى جنوب افريقيا و تتقاسم معها ذلك الخير و اصبحت جنوب افريقيا محطة عالمية فى صناعة التعدين عصية على التخطى.

وغيرها من الشركات العالمية المصنفة التى تعمل فى دول قارة افريقيا و ليس من بينها السودان .. لماذا؟ .. ذلك شأن يطول.

و الوضع كذلك .. فإنه يوجد فى السودان اكثر من 400 شركة تعدين تعمل 95% منها فى الذهب و بالرغم من وجود اكثر من 16 جنسية تعمل فى تعدين الذهب بالإضافة للشركات الوطنية .. الا ان مجموع انتاج هذه الشركات فى العام لا يتجاوز 16 طنا فى المتوسط .. و من عائدات هذه الشركات يصنف عائد التعدين المباشر فى خزانة الدولة بانه ثانى او ثالث اكبر مصدر للايرادات بعد الضرائب .. فى حين ان شركة واحدة من الشركات العالمية العاملة فى أفريقيا و المذكورة اعلاه تنتج من منجم واحد من مناجمها اكثر من 32 طنا من الذهب فى العام .. فكيف ان كان لنا فى السودان خمسة منها .. بل ثلاثة فقط .. بل واحدة.

و توظف شركات التعدين فى السودان فى المتوسط اكثر من 40 ألفا فى مهن مختلفة .. و يدور فى فلكها قطاع للخدمات يشمل اكثر من 15 مهنة لعشرات الشركات توظف داخلها اكثر من خمسة أضعاف العدد المذكور .. و تصرف تلك الشركات قريبا من 50% من عوائدها و استثماراتها تكلفة تشغيلية تدور فى عجلة اقتصاد منهك لولا التعدين فيه الان لما وجدنا أرضا نتعارك عليها.

فيكون من عدم الادراك وفق السرد اعلاه و مشكلات بلادنا التى اشتهرنا بها ان يشاع عن السودان فى العالمين انه يعادى شركات التعدين و يعاملها بجفاء .. او ان اية مجموعة أهلية مهما كانت مطالبها عادلة تستطيع ان توقف انتاج الشركات كوسيلة ضغط .. أو ان مجموعة عاملين مهما كانت مطالبهم عادلة يستطيعون ان يهددوا مسيرة الإنتاج فى أكبر شركة منتجة فى البلاد فيصبح خبرا تطير به الركبان فى بلاد يصحو الكثيرين من أهلها صباحا فلا يعلمون أيرزقون فى يومهم هذا فيسترون جوع من يعولوا أم يهدهدون صغارهم بحصى على النار حتى يناموا .. و هذا غير تحديات تكلفة الوقود و تعقيدات الاجراءات الإدارية لضعف تنسيق مؤسسات الدولة و غيرها مما يعلمه الجميع و يصبرون عليه.

فإن كان من حكمة فانها تقول بتشجيع الشركات العاملة للاندماج و دعمها بالقوانين و السياسات السهلة اليسيرة للانخراط فى اعمال الاستكشاف و الانتاج طويل الاجل .. و العمل بهمة لتقديم مغريات كبرى للشركات العالمية للدخول إلى السودان و لا مانع ان نربح منها بعد خمسة اعوام حيث تكون حسابات الخروج من الاستثمار لها معدومة.

و للعاملين فى تلك الشركات قضية عادلة لا يجدون سبيلا لحلها غير ما ذكرنا .. و ليس ذلك بحل .. فلابد ان تقوم شركة معادن السودان للتوظيف و التدريب التى ولدت باسنانها ان تدعو أصحاب المصلحة من شركات التوظيف و شركات التعدين و الخبراء و المختصين إلى كلمة سواء للوصول إلى حل عادل لا تتضرر منه الشركات و يحفظ للعامل حقه و كرامته و يضع اساسا و اطارا للتعامل مع هكذا قضايا بصورة مؤسسية معلومة يحترمها الجميع.

و للاهالى قضايا عادلة .. يلجئون لحلها عبر ايقاف الشركات .. و ذلك ليس بحل .. فبرغم المجهودات المبذولة من الشركة السودانية للموارد المعدنية .. الا ان صحوة المجتمعات المحلية بغير معلومة .. و حركتها بغير بصيرة تكون تكلفته باهظة حتى و ان تم حل القضية لاحقا .. فاطار علاقة الدولة بالأرض لم يعد القانون كافيا لحلها .. و الرخصة المجتمعية لمزاولة العمل للدولة و للمستثمر لم تعد مداخل الجودية كافية للتعامل معها.

اما التعدين التقليدى .. و الزئبق و مستقبل تلك الممارسة .. فتلك قضية كبيرة و مختلفة .. و الحديث عنها منفصل.

Comments (0)
Add Comment