الحرية والتغيير: بيان الشرطة تهديدٍ وتبرير للعنف
محلل سياسي: انتشار السلاح والتشكيلات العسكرية سيناريوهات حرب أهلية
عضو لجان مقاومة: لا يوجد بصفوف المتظاهرين مظاهر عسكرية
الخرطوم: الخواض عبدالفضيل
لبت حشود كبيرة دعوات لجان المقاومة للتظاهر في الذكرى الأولى لقرارات قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، ومواصلة الضغط لاستعادة الحكم المدني، وحمل العسكر على الوفاء بتعهداتهم بمغادرة المشهد السياسي، بعد استمرار حالة الانسداد التي امتدت إلى الاقتصاد والأوضاع الأمنية.
لقد شهدت مظاهر أول أمس الثلاثاء حالة من العنف وحالات كر وفر بين الأجهزة الأمنية والمتظاهرين الشيء الذي دفع رئاسة الشرطة، باتهام المتظاهرين بالخروج من السلمية، وقالت إن التظاهرات لم تكن عادية واعترتها بعض المظاهر المخالفة للقانون، حيث شوهدت تشكيلات وتحركات عسكرية تحمل هروات وأدوات عسكرية شبيهة بأدوات الشرطة وإن من شوهدوا خلال التظاهرات ليسو بالمتظاهرين العاديين، وإنما عناصر متدربة تجيد الالتفاف على الشرطة، وتبني العنف، وناشدت الشرطة وزارة العدل والجهاز التشريعي بفرض إجراءات استثنائية لتمكنها من مواجهة الجماعات وحسم الفوضى، وفي غضون ذلك نفت الحرية والتغيير المجلس المركزي وبعض القيادات الرافضة للمكون العسكري في السلطة محملة ما جاء خلال تظاهرات ذكرى 25 أكتوبر للمكون العسكري والأجهزة الأمنية .
الشرطة: تعاملنا مع قوات مدربة بتشكيلات عسكرية مسلحة
وأوضحت قوات الشرطة أنها قامت بتنفيذ خطة لجنة شؤون الأمن بالعاصمة وذلك بنشر القوات لتأمين المواقع الاستراتيجية وحماية المواكب السلمية وفق التعليمات التي صاحبت الخطة والإرشادات والتحذيرات التي وجهت للمواطنين.
وأكدت الشرطة في بيان لها أنها تابعت التجمعات من الأحياء بالقطاعات الثلاثة (الخرطوم ـ بحري ـ أمدرمان) حتى وصولها للمواقع الفاصلة المحيطة بالمواقع الاستراتيجية، وتم التعامل بالغاز وخراطيم المياه بحضور المراقبين والمستشارين المنتدبين من النائب العام ووزارة العدل.
وذكر البيان أن الشرطة تعاملت مع قوات مدربة بتشكيلات عسكرية مسلحة تتبنى العنف والتخريب وتحمل أعلاماً بألوان (أحمر، أصفر، أسود، أزرق) وشعارات تدعو للعنف بزي موحد لكل مجموعة (فنايل، خوز، كمامات قفازات، نظارات) ويحملون أدوات كسر وقطع وتتبعهم دراجات نارية مجهولة وأشار البيان الى وجود تسليح كامل وموحد بالدرق والغاز والملتوف والخوازيق المصنعة وشنط جراية في الخلف، فضلاً عن أن قادة الجماعات يوجهون ويصدرون التعليمات للمجموعات بأسلوب الكر والفر وقطع الطرق والاعتداء على المواقع العسكرية بصورة متكررة داخل حرم المنطقة العسكرية بعتادهم (المستشفى العسكري والمرضى)، وأضاف: تتبنى العنف والتعدي على مركبات الإطفاء وتمنعها من أداء واجبها.
وبحسب قوات الشرطة أن ما ذكر يدل على أنهم غير مدنيين ويؤكد ذلك خلو المواكب من الأعلام والشعارات الحزبية والسلمية مع غياب الذين دعوا للحراك لتحمل المسؤولية وإصرار المتفلتين على التدمير والتخريب يدل على المؤامرة وانتمائهم لجماعات وتنظيمات غير مشروعة لا تريد الإعلان عن نفسها، ولفت البيان الى أن ما حدث تأكيد بوجود جماعات منظمة ومتمردة ومتفلتة وخلايا نائمة تستخدم السلاح الأبيض والناري وعبوات ناسفة تستهدف أمن العاصمة تحت تأثير المخدر والمواد السامة وجدت ضالتها في المواكب وتعمل لتحقيق أهدافها تحت غطاء سياسي مضيفاً: ما ذكر تؤكده سجلاتنا الجنائية للجرائم والمضبوطات خلال العام الماضي، وهو واقع بشهادة الجميع وعلى مرأى ومسمع المنظمات الإقليمية والدولية وممثلي دول العالم، إننا نناشد قادة الحراك بتحديد موقفهم من هؤلاء الذين يدعمون التفلت والخراب وتدمير الممتلكات وزعزعة الأمن وبين الاحتجاج السلمي والتنظيم الحزبي المشروع للمساهمة في حفظ الأمن والاستقرار.
وناشدت الشرطة وزارة العدل والجهاز التشريعي بفرض إجراءات استثنائية لتمكنها من مواجهة تلك الجماعات لحسم الفوضى، وردع وتقديم الجناة للعدالة الناجزة والمحاكمات الإيجازية في مواجهة الجرائم ضد الدولة وحيازة الأسلحة والمخدرات وإيواء المتفلتين لبسط هيبة الدولة وإحكام سيادة القانون حفاظاً على أمن الوطن والمواطن.
بيان مقتضب
واعتبرت قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي البيان الذي أصدرته الشرطة، بمثابةِ تهديدٍ واستمرارٍ للعنف والتبرير له ووضع إطار له من خلال مؤسسات السلطة الانقلابية وأجهزتها الأمنية والعسكرية، سيما وأن الانقلاب فشل تماماً منذ يومه الأول في تشكيل أي حكومة.
وتقول التغيير في بيان لها تحصلت (اليوم التالي) على نسخة منه إن بيان قوات الشرطة الذي اتهم الحركة الجماهيرية ومقاومتها السلمية وخروج مواكبها المناهضة للانقلاب بأنها تتضمن تشكيلات عسكرية ومجموعاتٍ منظمة مسلحة، هو اتهام مردود على سلطة الانقلاب التي ظلت تستخدم كل أنواع العنف المفرط والقمع والقتل بالرصاص الحي والمتناثر (الخرطوش) والدهس وتم إثبات ذلك عبر التوثيق المستمر من قبل وسائل الإعلام والصحافة وتوثيق الثوار والثائرات السلميين على مدى سنةٍ كاملة.
مظاهر عسكرية
ولم يذهب بعيداً عضو لجان المقاومة بحري هشام النصري، في حديثه لـ(اليوم التالي) وأكد خلو المواكب من المظاهر والتشكيلات العسكرية المنظمة، وأضاق أن المتفلتين لا يمثلون الثوار وما جاء في بيان الشرطة غير صحيح، ونحن داخل المواكب ولا نرى أي مظاهر لمجموعات تتحرك في شكل عسكري.
مضيفاً: صحيح قد تكون هنالك بعض التفلتات من بعض الاشخاص، لكن هذا لا يعني أن الكل متفلت ومخرب، التظاهرات تجمع كافة أبناء الشعب السوداني وقد تستغل من البعض لأغراض شخصية.
وبحسب النصري أن من يحملون بعض (درقات الشرطة أو لبس الخوذ) تسمى من جانب الثوار “غنائم” وشرح هذه الأدوات تقع على الأرض من أفراد الشرطة نتيجة لسرعة (مركبات الشرطة) فيلبسها بعض المتظاهرين من الثوار.
ولفت إلى أنها محدودة خلال المواكب وقد تكون درقتين أو خوذتين بالإضافة إلى راجع البمبان الذي يصده المتظاهرون ومن ثم يرجعونه لقوات الشرطة ولا توجد أي مظاهر لثوار يتحركون في شكل عسكريين.
وقال: إن الثورة السودانية ثورة عظيمة ومن أعظم الثورات في العالم الحديث وأن عظمتها تتمثل في سلميتها التي ظل يتمسك بها الثوار منذ اندلاعها في ديسمبر من العام 2018م بالإضافة إلى أنها ثورة وعي استطاع فيها الثوار والثائرات اقتلاع نظام الإنقاذ الذي جسم على الصدور 30 عاماً، وزاد هاشم: إن التظاهرات والمواكب ظلت مستمرة وستظل سلمية إلى أن تصل مبتغاها.
سيناريوهات حرب أهلية
غير أن الباحث والمحلل السياسي أحمد عابدين لـ(اليوم التالي) يقول إن الدلائل تشير منذ وقت مبكر على تطور أساليب مواجهة القوات النظامية من قبل المتظاهرين في ظل غياب دولة القانون وضعف الرسالة الوطنية منذ ٢٠١٩ وتمدد خطاب الكراهية وعجز القوى المدنية عن إنتاج رؤية كلية لوضع حد للأزمة السياسية.
وأشار إلى أن المتاح أمام القوى المتطرفة صناعة العنف والعنف المضاد وأن القوى عاجزة عن حشد الآلاف سلمياً لترجيح الكفة، لذا ليس أمامها سوى فتح الطريق أمام الأساليب الخشنة.
وتابع: إن البلاد الآن أمام سيناريو حرب أهلية، وذلك لانتشار السلاح وثقافة التشكيلات العسكرية التي صارت موجودة علناً في المواكب بجانب الشعارات العنيفة التي تردد وسط المتظاهرين وفي ظل ضعف وتناقض تصريحات الشرطة وعدم شفافيتها في التحقيقات والجرائم التي حدثت وإصرارها على رعاية تطور الجريمة وعجزها عن إثبات اتهاماتها لفصائل محددة داخل المتظاهرين مما أدى ويؤدي على الدوام للتشكيك في أي رواية للشرطة مهما بلغت درجة صحتها.
ويقول إن بعض القوى السياسية ليس أمامها إلا العنف، فالكيد بلغ درجة استسهال الثوابت الوطنية ووطئها واستخدام جيل مندفع لمعركة كسب المواقف وتسجيل النقاط في مرمى الخصوم.
وأردف: يساعدهم في ذلك تردد مريب من المكون العسكري وكأن لا طريق له في الاستمرار في السلطة إلا بهذا النهج والذي في طريقه لتدمير الدولة.
وطرح عابدين جملة من التساؤلات: هل العسكر بمعزل عن العمالة؟ هل يعقل التربية الوطنية العسكرية السودانية أنتجت قادة لا يبالون لهذا الوطن؟
كوميدي بائس
ومن جهته قال رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير إن الشرطة لم تبدي اكتراثاً لموت قاسم أسامة عبر البيان الذي أصدرته.
وكتب الدقير في تدوينة على “فيسبوك”: من أسوأ ما يمكن أن يفعله فردٌ، أو مؤسسة، هو أن يتمادى ويقتحم مشاعر الحزن والأسى التي تَسبّب فيها بخطاب كوميدي بائس يتجافى عن الحقائق ويفتقر إلى التماسك، وذلك بالضبط ما فعلته قيادة الشرطة عبر بيانها، الذي لم تُبْدِ فيه اكتراثاً لموت الفتى الشهيد قاسم أسامة رحمه الله والذي قضى نَحْبه دهساً، ولم تَكْتَرِثْ للدّم الذي تدفّق من شرايين العديد من الجرحى جرّاء القمع المفرط الذي مارسته ومعها بقية الأجهزة الأمنية”.