كانت القاعدة تاريخياً مثابرة في محاولاتها لجلب الجهاد إلى مضيفها السابق، حاول بن لادن والظواهري تحريض المسلمين في دارفور على قضية القاعدة
وقاتل أبو حذيفة السوداني تحت راية تنظيم حراس الدين في سوريا، وتعرض الرجل للمطاردات والملاحقات الأمنية، وتم القبض عليه من قبل؛ ليبقى داخل السجون السعودية لفترات طويلة قبل إخلاء سبيله وعودته للسودان مرة أخرى.
وحرص أبو حذيفة السوداني -وهو في نهاية عقد الخمسينات- أن تكون صورة غلاف كتابه الذي ألفه مؤخرًا برج الفاتح “فندق كورنيثيا” بالخرطوم كخلفية زيّن بها الغلاف.
وحدد أبو حذيفة السوداني في كتابه أولويات التنظيم القتالي السوداني، بعد ظهور تنظيم طليعي يمثل رأس الحربة في الصدام المسلح يكون بمثابة الصاعق الذي يفجر عبوة المتفجرات خلال المرحلة المقبلة متمثلة في استهداف أمريكا والدول الأوربية كأعداء من الدرجة الأولى باعتبارهم العدو الصائل، ثم الاتجاه لإزالة الحكومة الكافرة والعلمانية في مواجهة طائفة الردة المنتسبة إلى التيار الإسلامي العريض.
وأضاف في كتابه أن التيار فاقدا للبوصلة، مؤكدًا أن المواجهة حتمية والصدام قادم لا محالة مع الجاهلية المعاصرة، مشيرًا إلى أن الأوضاع الحالية بالبلاد عبارة عن “فرصة ذهبية عظيمة” ساقها الله تعالى إليهم للجهاد ولنَيْل الشهادة في سبيل الله.
ومضى أبو حذيفة السوداني مؤكدًا أن مفتاح الصراع في معركتهم هذه هو مقاومة الهيمنة وإنّ السبيل لمواجهة هذه الهيمنة هو الجهاد كواجب وفرض عين والاستشهاد كنتيجة خاتمة للقتال ليكون ذلك طريق داعش الذي يمرّ فوق جماجم خصومها ويعزف الرصاص على رؤوس أعدائها ويرفع علم الجهاد في السودان وإقامة الراية التي يفيء إليها المرابطون لتصبح البلاد ساحة جديدة للجهاد وتنضم لقائمة الشرف مع الساحات الأخرى كأفغانستان والصومال والعراق.
وأضاف أن القادم كبير وعلى المجاهدين في السودان أن يحضّروا أنفسهم لأن قتال الحكومة ليس أمرًا من المُستحبَّات أو المندوبات وإنما واجب شرعي وأن أولويات المرحلة وفريضة الوقت الآن في السودان قتال هذا العدو الصائل والنكاية فيه والتنكيل به وإرهابه خاصة وأن البيئة الداخلية أصبحت مهيأة تمامًا للتغيير المسلح وأنها على أعتاب حالة قتالية قادمة مما يشكل الأساس الصلب الذي تقوم عليه مقومات العمل القتالي ويكون بمثابة الأرض الخصبة.
واعترف أبو حذيفة السوداني بوجود أزمة حقيقية يعاني منها التيار الجهادي في السودان من حيث الارتباك وحداثة التجربة وقلة الخبرة مع خلوّ (الرصيد الداخلي) من (العمليات العسكرية) وأن شبابهم حار به الدليل رغم إحساسهم بخطورة الأوضاع وحتمية المواجهة هذا فضلًا عن وجود (أزمة قيادة) وغياب (القائد الرمز) صَاحِب (الكاريزما) الَّذِي يَجْتَمِعُون حَوْلَه ليُوَحِّد صُفُوفهَم؛ وَيَجْمَعُ شَمْلَهُمْ.
ورسم أبو حذيفة السوداني (خارطة طريق عملياتية) تؤسس لطائفة الشوكة والقوة والتمكين لتقطف رُؤُوسَ أَئِمَّةِ الْكُفْرِ والْمُرْتَدِّين وتهدّ بُنْيَان الْجَاهِلِيَّةِ.
وَحث أبو حذيفة السوداني أنصار الجهاد للاستعداد لمقابلة تحديات ومخاطر ما أسماه بـ الفَوْضَى الحاليةِ (بالسودان) وَاَلتي أضحتْ مرتعا لأجهزة الْمخَابرَات الدولية والإقليمية وأنه ينبغي على (المرابطين) في السودان تهيئة البيئة الداخلية من أجل بناء المخطط الاستراتيجي الذي يقوم بالإجابة عن السؤال الكبير حول: ما هو الشكل المناسب للعمل العسكري الجهادي والعمليات النوعية المركزة التي تستهدف أركان العدو ومراكز الثقل فيه وشخصياته الفاعلة؟ أم هو الدخول في حرب استنزاف طويلة المدى عبر تقنيات حرب العصابات؟ أم هو شكل ثالث يتم فيه الدمج بين الشكلين السابقين؟ أم هو ابتكار شكل رابع من خلال التفكير خارج الصندوق بهدف توجيه ضربات موجعة لـ “العدو” مضيفًا أنه من الضرورة وضع حلول لمشاكل وتحديات العمل العسكري قبل بداية الصدام وانفجار الأوضاع بالبلاد.
وفي محاول لاستكشاف تضاريس وتعقيدات الراهن بالبلاد قال أبو حذيفة السوداني “أثبتت التجارب التي خاضها المجاهدون في السنوات الماضية الأخيرة أن استهداف رأس الأفعى (أمريكا) في السودان سيقود وبلا شك إلى الصدام مع حكومة البلد المحلية كما أثبتت تلك التجارب أن البدء بقتال (الحكومة المحلية) سيدفع رأس الكفر (أمريكا) للتدخل في المعركة ابتداءً من التعاون الأمني الاستخباراتي وانتهاء بالمواجهة العسكرية التي قد تكون في شكل (تحالف دولي).
وقال أبو حذيفة السوداني تعليقًا على هذا الإشكال والتقاطع: (إنها معادلة ثنائية الطرفين متساوية الحدّين علاقة معقدة متشابكة تحتاج إلى (عقلية) ذكية تنجح في صياغة (استراتيجية) للصراع مبنية على دراسة واقع البلد ومعطياته مضيفًا أن السودان الذي يعج بالحركات المسلحة العلمانية يحتاج لفصائل جهادية تقابل الوجود العسكري لهذه الحركات وقال: هناك عشرات الحركات العلمانية المسلحة في السودان تقاتل وتضحي من أجل دينها الباطل ودنياها الزائفة ليس من بينها (حركة جهادية) واحدة يضحي (أهلها) بدمائهم من أجل (دين) الله!
محاولات جديدة لإحياء “فكرة قديمة”
في النهاية، لا يزال من غير الواضح مدى نجاح أبو حذيفة في تحقيق هدفه المتمثل في التحريض على إنشاء جماعة متحالفة مع القاعدة، في مسقط رأسه السودان. وقد أحبطت الدولة محاولات سابقة في حين لا يزال التشدد الجهادي نادرًا داخل البلاد.
ومع ذلك، في حين أن القاعدة فشلت تاريخيًا في إنشاء جبهة جهادية فعالة داخل السودان، فقد جندت تاريخيًا مقاتلين سودانيين في مختلف فروعها العالمية.