لا زال الميزان التجاري المعادلة الأصعب في الاقتصاد القومي، نتيحة لتصاعد واردات البلاد من السلع الخارجية وتضاؤل الصادرات بنسب متفاوتة، هذا ما لايتسق مع حجم الإنتاج الكلي من مجموع الموارد التي تحظى بها البلاد، لكن ربما انتفت الموارد الخام من السوق الخارجية لعوامل أخرى، منها عدم استقرار أسعار العملات الأجنبية، وكذلك عدم الاستقرار السياسي منذ ما يقارب الأربعة أعوام التي خلت، وإلى ذلك يلخص بعض الاقتصاديون الأمر في كونه أن قطاع التجارة الخارجية في السودان يقوم بدور مهم في دعم الاقتصاد الوطني، لكنه يواجه العديد من المشكلات التي حالت دون تطويره والنهوض به بشكل أفضل، و من أهم مشاكل هذا القطاع تتمثل في ضعف التمويل، ربما أفضى ذلك إلى العجز المستمر في الميزان التجاري.
أعلى ارتفاع
ووفقاً لبنك السودان المركزي، فقد سجل العجز في الميزان التجاري أعلى ارتفاع له خلال الربع الثالث من العام المالي الجاري 2022، حيث بلغ أكثر من 3.5 مليارات دولار أمريكي، وقد بلغت قيمة واردات البلاد من السلع الخارجية خلال الفترة من يناير وحتى سبتمبر الماضي أكثر قليلاً من 7.1 مليارات دولار أمريكي، وهو أعلى رقم تسجله الواردات في هذا العام، بحسب ما ذكره الموجز الإحصائي لتجارة السودان الخارجية الذي يصدره بنك السودان المركزي بحالة دورية كل ثلاثة أشهر، كما تدنت الصادرات إلى أدنى مستوى لها ببلوغها حوالي 3.6 مليارات دولار أمريكي، مما يعني أن ما تم تصديره خلال الربع يوليو سبتمبر حوالي 600 مليون دولار أمريكي، وكانت صادرات السلع السودانية ضمن التجارة الخارجية للبلاد خلال فترة النصف الثاني، أي من يناير – يونيو، قد بلغت 2.9 مليار دولار أمريكي. والواردات حوالي 4.4 مليارات دولار أمريكي والعجز في الميزان التجاري إلى أكثر من 1.5 مليار دولار أمريكي.
ضعف التمويل
الباحث الاقتصادي الدكتور، هيثم محمد فتحي، أقر بأن قطاع التجارة الخارجية في السودان يقوم بدور مهم في دعم الاقتصاد الوطني، وكذلك في تصحيح العجز المستمر في الميزان التجاري، وقال لكنه يواجه العديد من المشكلات التي حالت دون تطويره والنهوض به بشكل أفضل، وأشار إلى أن ضعف التمويل من أهم مشاكل هذا القطاع، وأوضح في حديثه ل(اليوم التالي) أن واقع الاقتصاد السوداني يكشف الفجوة الخارجية الناتجة من عدم وجود صادرات توازي الواردات، وأضاف: بالتالي من الأهمية بمكان العمل على إزالة العوائق أمام الصادرات السودانية، داعياً إلى إصلاح موانئ البلاد البرية والبحرية والجوية وتطويرها حتى تبلغ الكفاءة العالية، وطالب كذلك بضرورة إصلاح التعرفة الجمركية وضريبة التنمية، قائلاً : على أن تتطابق الضريبة الإضافية التي تفرض على الواردات مع الضريبة المفروضة على السلع المنتجة محلياً، وقال؛ في تقديري أن الإصلاحات النقدية والمالية التي جرت في الفترة الأخيرة غير كافية، مشدداً على ضرورة إحداث نقلة نوعية في هذا الجانب.
سياسات تمويلية
في السياق أضاف د. هيثم أن حجم التمويل المصرفي لتطوير التجارة الخارجية والنسبة المخصصة من هذا التمويل لتمويل هذا النشاط لا تتناسب مع حجم السلع التي يمكن تصديرها أو استيرادها، وألمح إلى أن هناك تأثيراً واضحاً لكفاءة صيغ التمويل على حجم التجارة الخارجية، مما أثر سلباً على عملية تمويل هذا القطاع، معضداً على أن تتخذ الدولة خطوات سريعة وجادة، موضحاً من أبرزها وضع سياسات تمويلية تشجيعية تساعد على النهوض بقطاع الصادرات الذي ظل لسنوات عدة يعاني اختلالات هيكلية، كما لا بد من توفير التمويل المصرفي الكافي لسلع الصادرات السودانية؛ حتى تستطيع النهوض وتأخذ موقعها في الأسواق العالمية، ولفت إلى أنه من غير المعقول أن تكون واردات السودان من السلع الغذائية تشكل أكثر من 25 في المئة من إجمالي الواردات في بلد يفترض أن يكون سلة غذاء العالم.
الاستيراد والتصدير
وقال تشكلت غالبية سلع التجارة الخارجية في هذه الفترة، وفي حالتي الاستيراد والتصدير من السلع والمواد الغذائية الخام والمصنعة، ولفت إلى تقدم الذهب صادرات تجارة السودان الخارجية للفترة المحددة، وبلغت قيمة عائدات صادرة أكثر من نصف قيم السلع السودانية الأخرى جميعاً بما فيها أهم السلع الزراعية الاستراتيجية البارزة، وزاد قائلاً : فقيمة الذهب الذي تم تصديره زادت بأكثر من «720» مليون دولار أمريكي لحوالي «11.986» كيلو جرام، فيما بلغت صادرات الصمغ العربي «29.678.000» دولار أمريكي، وهو قيمة «24.8» ألف طن متري، وصادرات القطن «115.3» مليون دولار، حيث صدرت البلاد حوالي «53.328» بالة قطن، وناشد بضرورة أن تضع الدولة معالجات متوسطة وبعيدة المدى لزيادة الإنتاج والإنتاجية بهدف زيادة حجم الصادرات وإحلال الواردات وتقليص حجم العجز في الميزان التجاري، ونادى بالتحول نحو الاقتصاد القائم على المعرفة حتى تستفيد المنتجات السودانية من القيمة المضافة العالية بدلاً عن تصديرها كخام.
تقليل الواردات
ويرى د. هيثم أن الميزان التجاري هو عامل لتسوية ميزان المدفوعات خاصة مع وجود عجز مستمر في الميزان التجاري السوداني؛ منذ أن فقد السودان صادرات البترول منذ انفصال جنوب السودان، وقال لابد أن يعمل البنك المركزي على تحديد سعر صرف مناسب وتقليل التذبذب فيه، وحث على ضرورة العمل على تقليل الواردات والتركيز على استيراد مدخلات الإنتاج، وكذلك العمل على زيادة الصادرات وتحديداً الصادرات المصنعة بدلاً من تصدير المواد الخام، وأمن على ضرورة الاستغلال الأمثل للموارد المحلية وتشجيع الإنتاج المحلي.