حذر رئيس المجلس السيادي السوداني، عبد الفتاح البرهان، الأحد، من ترويج ما وصفها بـ”الإشاعات” بشأن عودة حزب المؤتمر الوطني المنحل عبر المؤسسة العسكرية، لكن المعارضة ترى أن الحزب تمكن بالفعل وعاد ليتغلغل في مفاصل الدولة.
وعقب إطاحة الجيش بحكومة البشير عام 2019 إثر احتجاجات شعبية امتدت لشهور حلت السلطات حزب المؤتمر الوطني، وحظرت مشاركته في الحياه السياسية لعشر سنوات.
ويأتي حديث البرهان بعد تزايد الجدل في السودان، بشأن قرارين قضائيين صدرا مؤخرا، أبطلا قرارات لجنة إزالة تفكيك النظام السابق خلال الفترة الانتقالية، قبل صدور قرار الانقلاب العسكري بحل الاتحاد العام لنقابات عمال السودان، ونقابة المحامين.
ففي الأول من الشهر الجاري، قررت المحكمة العليا السودانية إلغاء قرار “لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 واسترداد الأموال العامة”، الذي تم بموجبه حل الاتحاد والتنظيمات النقابية بقرار إداري وتكوين لجان تسيير نقابية حكومية.
وقبلها بثلاثة أيام، صدر حكم قضائي آخر بحل اللجنة التسييرية التي تم تشكيلها لقيادة نقابة المحامين من قبل قوى الحرية والتغيير.
ويقول المحامي والقيادي في قوى الحرية والتغيير: “ليس هذا وفقط، بل الأَمَرّ منه هو أن القرارين القضائيين يتضمنان استعادة نقابات المؤتمر الوطني، التي كانت ماثلة قبل الثورة أو في أواخر عهد النظام البائد”.
وأضاف، في حديثه مع موقع “الحرة”، أن قرار عودة اتحاد عمال نقابات عمال السودان المحسوب على نظام البشير، يعني حل 80 في المئة من النقابات التي تم تشكيلها خلال الفترة الانتقالية، أما البقية الخاضعة لقانون خاص مثل نقابتي المحامين والصحفيين، فقد تم إصدار قرارات قضائية ضدها بشكل فردي”.
وبعد صدور القرار، تعرضت نقابة المحامين لهجوم من قبل أنصار النظام السابق وحدثت اشتباكات مع أنصار قوى الحرية والتغيير، قبل أن تتدخل الشرطة وتفرض حظرا على المبنى حتى الآن.
قرارات قضائية؟
لكن مدير معهد التحليل السياسي والعسكري بالخرطوم، الرشيد إبراهيم، يرى أنه “لا يمكن اتهام البرهان أيضا بأنه من حل النقابات وإعادة النقابات التي كانت موجودة قبل سقوط البشير لأنه يمثل الجهاز التنفيذي، ولكن هذا تم بقرارات قضائية، وهناك فصل للسلطات”.
ويوضح في حديثه مع موقع “الحرة” أن “الأزمة تكمن في خطأ ارتكبته قوى الحرية والتغيير بأنها أنشأت لجانا تسييرية بفترة زمنية محددة وأنها طوال العامين أو الثلاث سنوات التي حكمت فيها لم تجر انتخابات حتى تأخذ النقابات صفتها الشرعية، وهذه اللجان انتهت مدة تكليفها، وربما هذه هي الثغرة التي استغلتها النقابات المحسوبة على النظام السابق، وبالتالي عادت بموجب قرارات قضائية”.
ويقول عضو لجنة تفكيك نظام البشير، عروة الصادق “نعم هي في ظاهرها قرارات قضائية لكن هذه الدائرة صممت خصيصا لنقض جميع قرارات لجنة التفكيك، لكن كان من المفترض أن تنظر هذه الدائرة في قرارات لجنة الاستئناف لقرارات لجنة التفكيك، لكن لجنة الاستئناف أعاق تكوينها البرهان شخصيا، إذ قدمت قوى الحرية والتغيير مرشحيها لشغل استئناف قرارات لجنة التفكيك، ولكن طوال العشرين شهرا بعد تكون لجنة التفكيك، ظل البرهان يعيق تشكيلها لينقض القرارات التي تصدرها اللجنة بأحكام قضائية من هذه الدائرة”.
ووصف الصادق، خلال حديثه مع موقع “الحرة”، القرارات التي تم اتخاذها في شأن قرارات لجنة إزالة التمكين، بأنها كانت سياسية، “ولم تستند على حيثيات، هي كانت قرارات سياسية لإرجاع مفصولي النظام البائد، وتمكينهم من ممتلكات وأصول امتكلوها بغير وجه حق”.
وقال البرهان، الأحد، إن ” القوات المسلحة لن تتأخر عن تلبية نداء الشعب السوداني بالرغم من الهجمات التي ظلت تتعرض لها من فئات محددة ومعروفة ظلت تبث الأكاذيب، والإشاعات المغرضة وتحرض ضد القوات المسلحة، وتروج أن الجيش يعمل على إعادة المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية للحكم، وغرضها من ذلك التكسب السياسي طمعا في السلطة”.
وأضاف أن “الجيش ليس له قبيلة أو جهة أو حزب ليدافع عنه خاصة المؤتمر الوطني ومنسوبي الحركة الإسلامية، الذين عليهم أن يكتفوا بالثلاثين عاما التي مضت”، مضيفا أنهم “لن يصلوا مجددا إلى السلطة من خلال القوات المسلحة”.
“عاد وبقوة”
ويقول الشيخ: “إذا كان البرهان يتحدث عن أنه لن يسمح بعودة المؤتمر الوطني، فإنه عاد وتمكن بالفعل”.
ويوضح أن “كثيرا من مظاهر الحياة هنا على الأرض في السودان هي عكس تصريح البرهان، فقد عاد رموز النظام السابق في الأجهزة العدلية والقضائية مثل وزارة العدل والنائب العام، وفي وظائف أخرى في الجمارك والضرائب ووزارة الخارجية، كلها أفراد من النظام السابق، بل في وظائف قيادية وعادت كل المؤسسات المالية والسياسية التابعة لحزب المؤتمر الوطني، مثل المنظمات والصرافات وأعيدت لقياداتهم الأموال المصادرة منهم”، مضيفا أن “كل المظاهر توضح أنهم عادوا بقوة”.
من ضمن المظاهر التي يتحدث عنها الشيخ “المظاهرات التي تنظمها قيادات في حزب المؤتمر الوطني المنحل، حيث تكون في حماية قوات الأمن، عكس احتجاجات الثوار ولجان المقاومة التي تواجه بالرصاص والقتل والضرب والاعتقالات”.
ورغم حله بعد سقوط الرئيس السابق عمر البشير، يستمر حزب “المؤتمر الوطني” في التحرك على الساحة السياسية. فقبل أسبوع حشد آلافا من الإسلاميين للتظاهر احتجاجا على الوساطات الدولية التي تحاول إخراج السودان من الأزمة التي يعيشها بسبب انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2021 الذي قاده قائد الجيش، البرهان.
ورد الحزب على الفور على خطاب البرهان وكتب على صفحته على فيسبوك، الأحد، موجها الحديث إلى قائد الجيش “إنك تعلم يقينا حقيقة ولاء القوات المسلحة للتنظيم” الذي ينضوي تحته الإسلاميون.
وعقب إسقاط البشير، صادر المدنيون، الذين تم استبعادهم لاحقا من السلطة إثر انقلاب البرهان، ممتلكات حزب المؤتمر الوطني وبعض أعضائه، ولكن عقب الانقلاب أعادت السلطات ممتلكات بعض قادته، كما استعادت وجوه إسلامية عدة مناصبها في الدولة.
ويقول الشيخ “قبل انقلاب البرهان، لم يكن هناك وجود لفلول النظام، لكن تجميد البرهان نفسه لعمل لجنة تفكيك النظام السابق، وتشكيله لجنة أخرى لمراجعة قراراتها، هو ما أدى إلى إلغاء غالبية القرارات التي أصدرتها لجنة إزالة التمكين في مواجهة النظام السابق، وربما البقية في الطريق”.
ويرى الصادق أن “ما قال به البرهان يكذبه الواقع، فكل القرارات التي اتخذها الفترة الماضية تؤكد أن هناك اتفاقا خفيا بينه وبين النظام المحلول”، معتبرا أن قائد الجيش أراد “توجيه رسالة للداخل السياسي وللخارج، خصوصا لدول الخليج التي لا ترغب في عودة نظام الإخوان المسلمين”.
من جهته يقول إبراهيم أن “الحديث عن لجنة التمكين حديث فني وليس سياسي، لأن فكرة تفكيك النظام ليس عليها خلاف”.
وأضاف أن “البرهان لم يصدر قرارات بعودة أفراد النظام ولكن ذلك جاء عن طريق أحكام أصدرها القضاء وبالتالي هو يتحدث عن أن هناك استغلال ومساندة للقانون في عمل القضاء، كما أنه لا توجد حتى الآن شخصيات مؤثرة للنظام، وكلهم من الخدمة المدنية، مجرد موظفين، ولا أظن أنهم يستطيعون إعادة النظام القديم”.
واعتبر أن الحديث عن عودة شخصيات من حزب المؤتمر الوطني بمثابة “ورقة ضغط ونوع من الممارسة التي تحاول إظهار البرهان بأنه يحاول إعادة نظام البشير ولكن هذا غير صحيح من وجهة نظري”.
ألفي شخص
ويكشف الصادق أن عدد الذين عادوا للخدمة المدنية “لا يقل عن ألفين شخص في كافة المؤسسات مثل مجلس الوزراء والوحدات التابعة له، والمؤسسة القضائية والنيابة العامة والطيران المدني، وكثير من المرافق التي اتخذت لجنة التفكيك قرارات بحق منسوبي النظام البائد فيها، تمت إعادتهم للخدمة وإلغاء قرارات اللجنة دون النظر للحيثيات التي تم بموجبها فصل هؤلاء المنسوبين”.
ويرد على إبراهيم قائلا: “بالعكس، في بنك السودان تم ترقيتهم وتمكينهم من إدارات حساسة في البنك المركزي مثل مرافق صك العملة وسوق الخرطوم للأوراق المالية”.
ويقر إبراهيم بأن “هناك موظفين من النظام السابق عادوا لأعمالهم، وهذا لأن هناك ثغرة، فلجنة التمكين ارتكبت خطأ، حيث أنه كان من المفروض أن تزيل هؤلاء الموظفين بقرار قضائي ولكنها نفذت ذلك بقرارات إدارية وسياسية، وبالتالي سهلت عملية عودتهم، لأن القرار الإداري لا يستند إلى لوائح الخدمة المدنية، التي تحدد متى يتم فصل الموظف عن عمله”.
ويرد الصادق: “نحن لدينا في اللجنة كل الوثائق التي تثبت أن هؤلاء الناس حصلوا إما على وظائفهم أو الثروات التي جمعوها بغير وجه حق، سواء كانوا في مؤسسات عدلية أو في مجلس الوزراء، وجميعهم لم يكن لهم ما يؤهلهم لهذه الوظيفة سوى أنهم من كوادر النظام البائد”.
ويشير الشيخ إلى أنه “بدأت تظهر تكتلات النظام البائد في بعض المؤسسات، وتنتقم من الذين وقفوا مع الثورة”.
ويقول: “على سبيل المثال، بعد إعادة نقابة موظفي بنك السودان المركزي التابعة لحزب المؤتمر الوطني، صدرت قرارات من إدارة البنك، بنقل الموظفين الذين كانوا في اللجنة النقابية التي تم تشكيلها خلال الفترة الانتقالية، إلى فروع أخرى خارج الخرطوم كنوع من الانتقام والعقاب”.
واطلع موقع “الحرة” على قرارات ترقية ونقل بعض الموظفين، ضمت مدير الإدارة العامة للتقنية، ورئيس لجنة التفكيك في البنك المركزي إلى فرع الضعين في ولاية شرق دارفور.
“الهدف النهائي”
ويرى الصادق أن الأحكام القضائية “لا تخرج عن كونها قرارات سياسية لتمكين منسوبي النظام البائد من النقابات والاتحادات المهنية واتحادات أصحاب العمل ونقابات الحرفيين”.
وأوضح أن “هذه النقابات لها أصول وأموال طائلة، وقمنا في اللجنة بحلها لأنها كانت واحدة من واجهات نظام البشير التي ظل يستغلها طوال سنوات حكمها، كما أن قوائم القائمين على هذه النقابات تتطابق تماما مع القوائم التنظيمية للدوائر المهنية والفئوية لحزب المؤتمر الوطني المحلول، الآن يتم إعادتهم بحجة أنهم منتخبون”.
واعتبر أن “هذه العودة لتمكينهم من مفاصل وموارد هذه النقابات، وقطع الطريق أمام مشروع دستور اللجنة التسييرية للمحامين السودانيين، الذي عليه ستؤسس المرحلة الانتقالية الجديدة، وهذا بالنسبة لنا أمر مفهوم، لكي يقال أن هذا الدستور أسس بناء على لجنة تسييرية محلولة، وما أسس على باطل فهو باطل”، مضيفا أن “الهدف ليس استعادة الأموال والأصول فقط، بل الإجهاز على الحل السياسي الشامل التي تسير عليه القوى السياسية السودانية”.
ومنذ عام لم يظهر أي مشروع فعلي لتسوية الأزمة، لكن الاقتراح الوحيد الذي تتم مناقشته من قبل المدنيين والعسكريين هو مسودة دستور أعدتها نقابة المحامين السودانيين، وافقت عليها القوى التي تدعم التحول الديمقراطي وتجد قبولا من المجتمع الدولي، وتنص على حظر أي نشاط لحزب المؤتمر الوطني خلال الفترة الانتقالية التي يفترض أن تستمر لحين إجراء انتخابات عامة لم يتم التوصل إلى توافق بشأن موعدها.
وجاء فيها “يُحظر خلال الفترة الانتقالية ممارسة النشاط السياسي لقيادات وأعضاء حزب المؤتمر الوطني المحلول، وتسجيل أو إعادة تسجيل جمعياته ومنظماته وواجهاته”.
وعلى مدى الأيام الماضية خرج آلاف السودانيين لإحياء الذكرى الأولى للانقلاب العسكري الذي نفذه قائد الجيش في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021.
وفي ذلك اليوم تراجع البرهان عن كل التعهدات التي قطعها قبل عامين بتقاسم السلطة مع المدنيين تمهيدا لانتخابات حرة في السودان، وأمر باعتقال كل القادة السياسيين والوزراء المدنيين في الحكومة.
قناة الحرة