هشام الشواني يكتب: عن خطاب البرهان

 

في الفترات الانتقالية من عمر الدول القومية وهي لحظات هشاشة وضعف، تتسلم مقاليد الأمور شخصيات لها قابلية كبيرة على التشكل والتغير، بلا برنامج مسبق ولا تحضير، فيجدون أنفسهم فجأة على قيادة البلاد.

وغالبا ما سيكتب التاريخ عن هؤلاء القادة إما أنهم أداروا المرحلة الهشة بطريقة سليمة ونهضوا بالبلاد، أو أنهم كتبوا شهادة وفاة دولهم وما استطاعوا كبح حركة التفكك والانهيار.

البرهان من نوع هذه القيادة، فقد تجد تناقضات كثيرة في مواقفه وتغيرات عديدة في خطاباته، وهذا دليل على عدم وضوح الرؤية في هذه الحقبة من عمر أمتنا، على كل ليس البرهان وحده في هذا المأزق بل كل أركان الدولة القومية السودانية في لحظة انتقالها التاريخي.

فالأحزاب، والآيدلوجيات الكبرى، وجهاز الدولة المدني وبالطبع العسكري، كل تلك الأركان هي في ذات المأزق. رسائل تكتيكية واضحة وقريبة المدى يرسلها البرهان،

أولا للخارج والإقليم فيؤكد أولوية التسوية وفق مخطط المجموعة الرباعية، ويؤكد إبعاد الإسلاميين وفي فقرة مقتضبة أضاف معهم الشيوعيين،

ثانيا للداخل يتحدث عن الجيش كمدافع عما اسماه (حاجات الحيش) وبالنسبة له هي كل البنود حول تعيين القائد العام، ومهام الأمن والدفاع والبنود ذات الصلة في مسودة الوثيقة الدستورية،

ثالثا يخاطب جنود جيشه عن الاستقرار وحراستهم للخطوط الحمراء ودعمهم المادي للجنود والضباط. خطاب البرهان مفهوم وواضح وغير مفاجئ لكنه خطير من عدة نواحي أهمها:

١- غياب الإدراك بأن (حاجات الجيش) لا تتعلق فقط بالبنود المكتوبة في الوثيقة بل تتصل بمهددات الأمن القومي للسودان ممثلة في التحالف الذي قد يقوم بين الجيش وفئة من قحت متحالفة مع المحور الغربي الليبرالي المدعوم من المجتمع المدني.

هؤلاء ينظرون للجيش كقوات احتلال ويعملون على المدى البعيد لتفكيكه ونزع كل آيدلوجيا قومية منه، بمعنى أن تحقيق استقرار قريب المدى وفق شروط تحكم الحصار على الدولة هو خيار خاطئ.

٢- غياب الإدراك بأن المسألة السياسية ترتبط بالجيش أيضا من ناحية طبقية وثقافية، فالجيش السوداني نزعته محافظة غير ليبرالية، وطبقته هي الطبقة الوسطى العريضة، بالتالي فإن مشروع (الليبراليةالسياسي والنيوليبرالية الاقتصادية) في جوهره هو مشروع يحمل آيدلوجيا ضد مؤسسة الجيش الحالية، ويعمل على إعادة صياغة الجيش من جديد، لذا فإن كلمة (احترافي) التي استخدمها البرهان تحمل دلالة على نوع النقاشات التي يسمعها وتتسرب إليه من السفارات ومن الغربيين.

بكل ذلك فإن قضية السودان اليوم ليست قضية من الذي سيدعمه قائد الجيش، ومن الذي ستقوم التسوية به؟ بل هي قضية المشروع الوطني ككل ضد المشروع غير الوطني، والإسلاميون يتحملون جزء كبير من هذا العبء الوطني، وفي ظني فإن خطاب برهان يحمل في داخله رد فعل على إشكالات جوهرية في خطاب الإسلاميين الأخير، وتأكيدهم المستمر على أنهم قريبون من الجيش.

الحقيقة الأكيدة هي أن الإسلاميين والتيار الوطني العريض عليهم إعادة فهم ظروف الصراع الحالية بشكل يفوق تنافسهم مع الخصوم المحليين، فيصيغون استراتيجية عمل وطني يعطي هذه المؤسسة القومية قاعدتها العريضة طبقيا وثقافيا.

أخيرا علينا فهم أن الصراع ليس مع الجيش، وليس تنافسا حول من هو الأقرب للجيش، الصراع بالنسبة لنا مع المشروع غير الوطني وأدوات قوته الناعمة وتكتيكاته وخطاباته، وكل ذلك يأتي من مركز خارجي أكثر تفوق حتى الآن، تفوق مادي وتكنلوجي ومعلوماتي وتنظيمي، في تحدي التفوق هذا تكون المعركة.

Comments (0)
Add Comment