اللجنة العليا للتجار: الحكومة تأخذ 70% من قيمة السلعة ولا توظف لخدمة المواطن
اقتصادي: زيادة الضرائب بسرعة بسبب عجز الموازنة العامة
ربة منزل: الغلاء يضرب كل سبل المعيشة لا نقدر على مواكبة السوق
—
ينفق المواطنون المزيد من المال لشراء المستلزمات ولم يعد البعض قادراً على تحمل نفقات بعض الأشياء التي كان يستطيع شراؤها من قبل، ووفق تجار واقتصاديين إن سبب ارتفاع الأسعار في الوقت الراهن هو زيادة الضرائب، التي يدفعها المواطن، نظير تقديم خدمات له، إلا أن الحكومة توظفها لصالحها.
وفرضت الحكومة خلال الفترة الأخيرة سلسلة من الزيادات الكبيرة في الضرائب، والرسوم لتغطية العجز الكبير في موازنة الدولة بسبب المشكلات المتفاقمة التي يعانيها اقتصاد البلاد، ما أدى لارتفاع في أسعار الخدمات.
أثر على الدخل
تقول حليمة حمدين ـ ربة المنزل ـ تسكن جنوب الخرطوم، وتبلغ من العمر 40 عاماً، أم لولدين وبنت، إن الغلاء يضرب كل سبل المعيشة وأصبحنا لا نقدر على مواكبة السوق الذي يبتلع الراتب الشهري في غضون ثلاثة أيام، وتظل المعاناة قائمة ويصاحبها تضاعف في أسعار المواد الاستهلاكية بشكل يومي، ولا يستطيع رب أسرة أن يوفر السلع الضرورية لعائلته.
ويبلغ حجم راتب زوجها العامل في محطة وقود، أقل من (100) دولار أمريكي، وتشرح حليمة، لـ(اليوم التالي) قلة الحيلة، وتقول إن الراتب الشهري وحده لا يكفي لإكمال الشهر، فهناك تكاليف علاج ومدارس، ومواصلات، وتساءلت: إذن كيف لعامل بأجر محدود أن يقابل كل هذه الاحتياجات المعيشية؟ فنلجأ إلى الأهل، أو الاستدانة من المعارف.
وتقول ابنتها التي تخرجت منذ سنوات وتبحث عن عمل بيأس إن الضريبة التي يتم فرضها على المصانع والتجار، تسهم في ارتفاع الأسعار وتؤثر على دخل الأسر المحدودة، وإن المواطن يقوم بدفع أكثر من ضريبة، ضريبة الدخل المباشر وأخرى على السلع تم فرضها على البائع ولا يتحملها إنما تقع على المواطن.
هروب رؤوس الأموال
ولا تنحصر تأثيرات الزيادات الضريبية على المستهلك وحده، بل تطال المنتجين والتجار أيضاً، وتوقع، مقرر اللجنة العليا لتجار ولايات السودان، محمد عبدالرحمن، أن تؤدي الزيادات الكبيرة في الضرائب إلى هروب رؤوس الأموال من السودان إلى دول الجوار، أو التحول إلى الاستثمار غير المباشر في العقارات والعملة والذهب، مشيراً إلى أنه استثمار لا يفيد الدولة.
وقال: لـ(اليوم التالي) إن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد حالياً قلصت كثيراً من القدرة الشرائية للمستهلك، وأوقف معظم التجار البيع تماماً خوفاً من الآثار الكارثية المرتبطة بارتفاع الضرائب وتكاليف النقل والتشغيل.
ويرى أن المواطن غير مطالب بمعالجة مشاكل الدولة، وأنه لا يحرص على دفع الضرائب لأنها تزيد من تكلفة السلع، بأخذ الحكومة 70% من قيمة السلعة، ولا توظف لخدمته، إنما للتسليح والكرنفالات والموظفين السياديين.
ويضيف: “لا يوجد من يدفع دون مقابل، ودفع الضرائب لخدمة المواطن لا لشيء آخر”.
وأشار عبد الرحمن إلى إضراب التجار خلال الفترة الماضية وقال إن ما يحدث من قبل التجار يعيد تصحيح النظام الضريبي، وتنزيل شعارات دولة الشفافية والقانون.
وطالب الحكومة بتطبيق سياسات إسعافية في ظل الركود الذي يشهده الاقتصاد السودني، تتمثل في تخفيض الضرائب، وتحفيذ الإنتاج والمنتجين.
مساهمة وطنية
واعتبر أن الضريبة مساهمة وطنية لا أحد يرفضها أو يطالب بإلغائها، وإن تغيير النظام الضريبي بات واجباً وطنياً على الدولة والتجار، سيما وأنه جاء مع الانفتاح على صندوق النقد الدولي، الأمر الذي أدى إلى فرض ضرائب دون النظر إلى أعباء النظام الضريبي السابق، ويشير إلى تعامل الدولة من خلال الضريبة الرأسية غير العادلة ليست الأفقية.
ما هي الضريبة
فيما أوضح أستاذ الاقتصاد بالجامعات السودانية، مزمل الضي أن الضريبة هي مبالغ نقدية يتم فرضها من قبل الحكومة على المواطن والمؤسسات الاعتبارية والحكومية، كمساهمة في الخدمات العامة الموجودة في الدولة، وكلما ارتفعت، لافتاً إلى أن رفع الضريبة يعني ارتفاع أسعار غالبية السلع الاستهلاكية وكذا فواتير الخدمات من كهرباء وإنترنت ومياه وغيرها.
وبحسب مزمل في حديثه لـ(اليوم التالي) إن زيادة الضرائب بسرعة تعود لعجز الموازنة العامة للدولة والميزان التجاري، والسعي لسد العجز دون استدانة الحكومة من الجهاز المصرفي.
ويفسر أن سد العجز يتم من خلال الاستدانة وزيادة الكتلة النقدية، أو فرض ضريبة إضافية، مباشرة وغير مباشرة لزيادة الإيرادات العامة.
ولم يتفق مع الرأي السابق حول إنفاق الضرائب إذ يرى أنها توظف في تنمية السلع والخدمات العامة كالصحة والبنى التحتية والتعليم ومرتبات القطاعات الحكومية، ودعم المشاريع الزراعية، وفق تصور محدد يضع سنوياً يعرف بالموازنة.
ويتفق المحلل الاقتصادي، د. الفاتح محجوب عثمان مع مزمل حول إنفاق إيرادات الضرائب على المرتبات الحكومية وتسيير دولاب العمل في المؤسسات الحكومية، مع غياب شبه تام للتنمية وضعف في الخدمات.
وأوضح في حديثه لـ(اليوم التالي) أن ضعف الخدمات يقدح في صحة الضريبة إذ يفترض أن تنعكس إيجاباً على قطاعات الصحة والتعليم والنظافة العامة والمواصلات العامة وشبكات الصرف الصحي، ولكن لا وجود لهذا النوع من الخدمات بالشكل المقبول.
ارتفاع ضرائب
ونوه إلى أن وزارة المالية تبرر ارتفاع الضريبة بأنها زادت ضريبة أرباح الأعمال للقطاع التجاري من 15% إلى 30% ورفع ضريبة القطاع الصناعي من 10% إلى 20%، واستطرد: ولكن في التطبيق الفعلي تم رفع الضريبة إلى 1000% بدلاً عن 200%.
ويختلف مع مزمل في ارتفاع الضرائب ويقول إنه بسبب السياسة النقدية الانكماشية التي تم تطبيقها من قبل وزارة المالية وبنك السودان المركزي، لخفض التضخم، ما أدى إلى دخول اقتصاد البلاد في حالة ركود كبير تسببت في إفلاس وخسائر فادحة لعدد كبيرة من التجار ورجال الأعمال السودانيين.
ويطالب وزارة المالية وديوان الضرائب بمراعاة ظروفهم، لأنهم ضحايا لسياسات وزارة المالية وبنك السودان الانكماشية ولا يجب معاقبتهم مرتين.
ويؤكد عثمان اعتماد الحكومة السودانية الانتقالية في العام الثاني على التوالي على الإيرادات الذاتية من الضرائب والجمارك إضافة لعوائد النفط والذهب وخط تصدير نفط دولة جنوب السودان.
إفلاس تجار
وبحسب محجوب تبلغ نسبة مساهمة ضريبة القيمة المضافة حوالي 81% من جملة الضريبة، نصفها من قطاعي الاتصالات والنفط فيما يأتي معظم المتبقي من القيمة المضافة على السلع المستوردة.
وأشار إلى زيادة كبيرة في ضريبة أرباح الأعمال، قال إنها غير مسبوقة، بلغت حوالي 1000%، ما يقارب عشرة أضعاف الضريبة السابقة على التجار ورجال الأعمال، وأنها تعادل حوالي 6% فقط من مجمل الضريبة.
ويشير إلى أنها تهدد مئات الآلاف من التجار بالإفلاس وفقدان العمل لأنها شاذة وغير متدرجة علاوة على أنها تفتقر للمعقولية، ما دفع التجار للتوقف عن العمل وإغلاق الأسواق، الأمر الذي يؤكد عجز التجار عن دفع الضريبة، سيما وأنهم قطاع قلما يشارك في التظاهرات ونادراً ما يضرب عن العمل.
واعتبر ذلك خللاً كبيراً في النظام الضريبي، لجهة أن التدرج في فرض الضريبة عرف اقتصادي معمول به منذ أن فرضت الضريبة في السودان.
غياب إحصاءات
وكشف الخبير في شؤون الضرائب د. عادل عبدالمنعم أن اإايرادات الضريبية في البلاد لم تتجاوز 5% في العام 2021، 94% منها رسوم جمركية وضرائب غير مباشرة، فيما بلغت ضريبة الدخل 6% وفق تقارير البنك الدولي في العام الماضي، فيما وصل حجم إيرادات ضريبة أرباح الأعمال من 69 ألف شركة مسجلة (26) مليار جنيه، وأن أقل من نصفها يقوم بدفع الضرائب، وأكد أنها مساهمة لا تغطي مصروفات الموازنة لثلاثة أيام، ونوه إلى غياب إحصاءات لفاقد الإيرادات الضريبية منذ العام 2002.
وأشار عادل في إفادة سابقة لـ(اليوم التالي) إلى أهمية توسيع المظلة الضريبية وقال إنها حل لمشكلة الاقتصاد السوداني سيما وأن السودان بعيد عن العالم في الإيرادات الضريبية، ويكاد لا يكون به ضرائب وبحسب عادل أن المؤتمر العالمي للأمم المتحدة الذي عقد في فبراير الماضي، حدد للدول النامية نسبة 25% من الناتج المحلي الإجمالي من إيرادات الضرائب لتحقيق نمو واستقرار اقتصادي بحلول العام 2030.