تشهد الساحة هذه الأيام تضارب أنباء وتصريحات متباينة حول موضوع التسوية، على ضوء الأخبار التي بشرت الأسابيع الفائتة باقتراب الأطراف من الوصول إلى نهاياتها، فيما انتقدتها أطراف أخرى بعضها شريك في إئتلاف مركزي الحرية والتغيير والبعض الآخر مناصر لخط المكون العسكري، كما كان الحال بالنسبة لحركات الكفاح المسلح، هذه الحالة خلقت جواً من الربكة وعدم الوضوح.
وقبل أن يتم تقديم إجابات واضحة وقاطعة من أهل الشأن حول موضوع التسوية تزيل اللبس وتكشف ما يدور داخل المكاتب المغلقة، كشفت أمس الأول مصادر (لرويترز) أن قادة المكون العسكري في السودان قدموا ملاحظات على مسودة دستور نقابة المحامين، كأساس لمحادثات بوساطة دولية.
وتتضمن المسودة التي أعدتها نقابة المحامين السودانيين، تسليم البلاد لإدارة مدنية مؤقتة تحت إشراف القوات المسلحة التي ستخرج من المشهد السياسي بعد توقيع الاتفاق.
وبالتوازي أكدت مصادر من قوى الحرية والتغيير التوصل لتفاهم مع الائتلاف لعدم ملاحقة كبار ضباط الجيش قضائياً، بيد أنها لفتت الى استمرار توسيع نطاق المشاورات بشأن موضوعات الحصانة والعدالة الانتقالية.
نسف المسودة:
من جانبه أشار القيادي بحزب البعث العربي الاشتراكي بروفيسور صديق تاور في حديثه لـ(اليوم التالي) الى أن هذه المعلومات المتداولة في إشارة لخبر رويترز، ليست تفاوضاً مباشراً أو غير مباشر أو مباحثات سرية بين الحرية والتغيير والمكون الانقلابى، وإنما هي وجهة نظر الأخيرين قدموها للآلية الثلاثية بخصوص مشروع الدستور الذي أعدته نقابة المحامين. واقترحوا تعديلات على هذه الوثيقة تنسفها من أساسها وتبقي على وضعهم كما هو.. واعتبر تاور ما يتم مجرد مناورة مفادها أن هؤلاء لا نية لهم للابتعاد عن حلبة السياسة والعودة للثكنات كما يقولون.
وبحسب المصدر المطلع على الملاحظات أن الجيش في رده على مسودة الدستور، طلب أن يسمح له بتسمية قائده العام، كما تضمن الرد أيضاً وجهة نظر الجيش بشأن إعادة هيكلة وأنشطته الاقتصادية والتخلي عن بعض منها.
وأشارت المصادر إلى أن المحادثات، التي انطلقت بصورة غير رسمية الشهر الماضي بمشاركة الجيش وتحالف ومركزي الحرية والتغيير،
بدأت في التوسع برعاية بعثة الأمم المتحدة إلى السودان.
وكانت الآلية الثلاثية وممثلها فولكر قد عقدت الأسبوع المنصرم لقاءات واسعة مع بعض القوى السياسية، شملت الحزب الاتحادي الأصل وأنصار السنة، وقوى التحالف الوطني برئاسة التجاني السيسي والحزب الشيوعي والمؤتمر الشعبي والجبهة الثورية بقيادة الهادي إدريس، بغية الوصول للتوافق.
ولفتت قيادة الجبهة الى أن اجتماعها مع فولكر بيرتس، الأربعاء الماضي ناقش موقف الجبهة من المقترحات المرفوعة من المكون العسكري حول مسودة الدستور الانتقالي المقترحة من اللجنة التسييرية لاتحاد المحامين، وبجانب إبلاغها الآلية تحفظهم على اقتراح المكون العسكري بإلغاء مجلس السيادة والاستعاضة عنه بشخص واحد يكون رأساً للدولة.
إضافة إلى اعتراضهَم على ما ورد في المسودة الدستورية للمحامين حول مراجعة اتفاق السلام، وتشديدها على ضرورة الحفاظ على استحقاقات اتفاقية السلام التي تتضمن المشاركة في المجلس السيادي والحكومة الانتقالية.
من بين ما نوهت له مصادر رويترز أن الاتفاق الجديد سيتضمن مشاركة حزب المؤتمر الشعبي والحزب الاتحادي الأصل.
إعلان سياسي مقترح:
وفي هذا الإطار أكد نائب الأمين العام للمؤتمر الشعبي دكتور محمد بدر الدين في إفادته لـ(اليوم التالي) أن وثيقة مسودة الدستور مفتوحة للاقتراح، لكل القوى السياسية التي شاركت.
وكشف بدر الدين عن مقترح لإعلان سياسي يجري الإعداد له وسيتم الجلوس للتداول حوله مع القوى السياسية، مثلما حدث لمسودة الدستور وأشار إلى أنه الآن في طور المناقشة وستبدي الأطراف ملاحظاتها.
وقال إن النسخة الأخيرة من مسودة الدستور ستتضمن ملاحظات كل الأطراف السياسية إضافة للمنضمين الجدد، ولم يستبعد انضمام لجان المقاومة وحركات الكفاح المسلح وأساتذة الجامعات للمسودة وأضاف: حتى نداء السودان قدمنا له الدعوة.
وبالنسبة للمساءلة القضائية أوضح بدرالدين أنهم يرون أن يتم فيها العفو السياسي مثلما حدث في عهد عبود، أما إذا كانت هناك جرائم خاصة فيجب أن تذهب للمحاكم، كما تذهب الشركات غير الدفاعية والعسكرية لوزارة للمالية.
ونوه بدر الدين الى أن عملية التسوية ستكون مقنعة وستزيل التوجسات عندما تظهر تفاصيلها.
لدينا ٤٠ تعديلاً:
من جانبه قال القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل أحمد الطيب المكابرابي أن مولانا الحسن المرغني أعلن موافقته على مسودة دستور المحامين ونحن نعمل في اتجاه حدوث تسوية شاملة، وأشار إلى أنهم سيعملون على تطوير وثيقة الدستور والبناء عليها للخروج من عنق الزجاجة، واعتبر هذه أقرب البوابات للخروج وكشف مكابرابي لـ(اليوم التالي) عن أن مولانا الحسن المرغني سيقدم ٤٠ تعديلاً على وثيقة المسودة المقترحة حتى تسع الجميع وتشمل كل القضايا السودانية، والحاكمية ستكون للقانون والدستور، وأكد أن حزبه سيقدم هذه التعديلات بصيغتها النهائية في مؤتمر.
وأشار أحمد إلى أن الثورة العظيمة انتهت لصالح حركات الكفاح المسلح بعد إجراءات ٢٥ أكتوبر وهذا خلق تململاً في الوسط والشمال والشرق وكل الجهات، الآن بدأ يتخلق طريق ثالث نريد المشاركة فيه وقيادته برشد ومن أجل ذلك قبلنا بالتوقيع على مسودة الدستور.
وحول المساءلة والإفلات من العقاب قال: إذا كنا نتحدث عن المسائل القضائية فلا أحد يستطيع تحصين فرد منها، أما إذا كنا نتحدث عن الإدانات السياسية، فهناك مزايدات سياسية وصراع غرماء لا بد من إغلاق بابه.
ودعا المسهلين إلى مد حبال الصبر والتواصل مع كافة القوى السياسية حتى الحركات المسلحة لأن محاولة إقامة معسكر ثانٍ ستكون مضرة بالسودان، وختم مكابرابي حديثه بقوله: الآن هناك مشروع عقلاني مقدم للساحة دون وصايا أو إملاءات للخروج من الأزمة.
مناورات:
المحللون السياسيون كذلك كانت لهم آراء حول موضوع التسوية وما كشفته رويترز أمس، وفي هذا الشأن يقول المحلل السياسي والأكاديمي دكتور حسن الساعوري لـ(اليوم التالي): مسألة التسوية لا تخرج عن كونها مناورات واستهلاك إعلامي وجس نبض واعتبر أن ردة الفعل كانت كبيرة على ما تناوله الإعلام حول التسوية الثنائية التي جرى حوارها سراً بين المكون العسكري ومركزي التغيير، لذلك بدأت محاولات التسوية من جديد بتوسيع رقعة المشاركة ومراجعة الموقف وهذا يعني أنها ما زالت في مرحلة المنورة حسب ما ذكر، وربط الساعوري إجراء أي تسوية بالتعديلات المطلوبة.
صفقات ومساومات:
المحلل السياسي ورئيس تحرير صحيفة إيلاف دكتور خالد التجاني يرى في إفادة لـ(اليوم التالي) أن ما يجري في الساحة والغرف المغلقة عبارة عن مساومات وعقد صفقات لا علاقة لها بقضايا الشعب السوداني وقال: الدليل على ذلك أنها تتم في الظلام، أن كل الأطراف تعمل بأجندة ذاتية وتبحث عن مصالحها ومكاسبها بمقاييس ذاتية وليس بمقاييس الشعب السوداني، ويفتقدون للجدية والمصداقية ووصف خالد ما يجري في الساحة بلعبة الإلهاء والتخبط يدفع ثمنه الشعب، ويرى أن الآلية الثلاثية تقوم بأكبر تسويف واعتبر ممثليها مجموعة موظفين يريدون استمرار الأزمة للحفاظ على مصالحهم وكلما طالت كلما ضمنوا وجودهم لمدة أطول، لكن ليس لهم دور في حل الأزمة، ووصف دورهم بالسلبي وقد يؤدي الى تمكين العساكر من السلطة، وأشار التجاني الى أن فولكر قام بما يفعله الآن، قبل عام واستمع لآراء القوى السياسية، ثم يقوم الآن بإعادة هذا الدور ويوهمون الناس بوجود حوار، في حين أن حديثهم عن التسوية والضمانات من المساءلة، لا قيمة له وغير مسؤول ودوران في حلقة مفرغة.
وبدوره اعتقد المحلل السياسي دكتور صلاح الدومة في حديثه لـ(اليوم التالي) أن خبر (رويترز) لم يأتِ بجديد، بل يؤكد أن المجلس الانقلابي هو امتداد للإنقاذ ويمارس نفس النهج، يتقدم للأمام ويرجع خطوات للخلف ويميل للتسويف والمماطلة وكسب الوقت وسأل الدومة: كيف يقول سلطة مدنية كاملة ويطلب أن تكون شركات الجيش خارج سلطة وزارة المالية، وسخر من الإعفاء من المساءلة القضائية، وأكد أن هذا الحق يملكه فقط أولياء الدم، كما أن مطالبتهم بالإعفاء، تؤكد فعلهم للجريمة وتوقع الدومة أن تفرض التسوية قسراً وبالبند السابع، وكل ما يتم من مجهودات دولية يريدون من خلاله إقناع الرأي المحلي والدولي بأنهم استنفذوا كل سبل الحل السلمي.