عادل الباز يكتب: ماقبل وما بعد خطاب حطاب (3-3)

 

لماذا استهدف البرهان الإسلاميين.؟

1
الرئيس البرهان يفعل هذا أتعرفون لماذا؟. هذا السؤال ختمت به مقالي الثاني وقلت فيه أن الرئيس البرهان الذي يسبح فى بحر من العداوات لم يكن بحاجة لإضافة أعداء جدد فلماذا سارع بإضافة الإسلاميين الذين لم يواجهونه بالعداء لقائمة أعدائه. الحقيقة أنني لا أملك إجابة على وجه اليقين إنما سأستند على تحليل موضوعي يتأسس على فرضيات سأطرحها هنا الآن وفوراً في بداية هذا المقال.
2
الرئيس البرهان نظر إلى المخاطر التي تحدق بالبلاد ورأى حالة الجمود التي تنتاب العملية السياسية (تضخم/ركود/ انقسامات أميبية في الساحة السياسية) وكلها تنذر بنسف استقرار البلاد، فقرر أن يفتح الطريق لتشكيل حكومة مدنية ذات مصداقية يطالب بها الغرب وهي حاجة ملحة للوطن. وبحسب وصية الأوصياء أن تلك الحكومة لابد أن تؤسس على دستور تسييرية المحامين مع إضافة شوية عويش سياسي طائفي – شعبي منقسم لتطلع الصورة حلوة.
لنفترض أيضاً أن ما يدفعه لعقد تلك الصفقة (بيع الإسلاميين وشراء قحت) هو تلك الوعود المبذولة بتدفق المعونات والقروض الأجنبية للتخفيف من تداعيات الأزمة الإقتصادية. اختار الرئيس البرهان أن تكون الحركة الإسلامية ضحية هذا التحول في موقفه أملاً فى حصد الماء الذي سيجده سراباً كما سنرى.
هذه هى الفرضية الأولى تستند على الأوهام والأماني … لماذا؟. سياسياً التسوية التي تجرى الآن قادت لمزيد من التشرذم (الشعبي حزبين الآن/ الإتحادي الأصل 2/ البعث خارج التسوية برفقة التيار الجذري.). كما أن تلك التسوية بالشكل المعلن والمسرب منها دفعت بالحلفاء الحاليين للرئيس البرهان إلى خانة الأعداء وتقف الآن ثلاثة كتل رئيسية فى الساحة ضدها (التيار الجذري/الكتلة الديمقراطية/ مبادرة الجد) أضف إلى ذلك موقف الشرق المعلن من أى تسوية لا تلبي مطالبه. ويشير هذا الوضع إلى أن التسوية المعلنة كرست الانقسامات وهددت مباشرة الإستقرار في البلاد بدلاً من صيانة وتعزير وحدتها بل وجعلتها فى مهب الريح.
من الناحية الاقتصادية لا أعرف كيف يمكن للرئيس البرهان أن يصدق الوعود المخذولة دوماً. مثلاً، حكومة السيد حمدوك كانت حكومة مدنية كاملة الدسم مَنُّوها بالأماني السندسية ولوحوا لها بدعم صندوق النقد والبنك الدولي ووعدوها بتدفق مليارات الدولارات من الدول العربية الغنية وكلها طلعت هباء ومحض أكاذيب فحصدت حكومة حمدوك الأولى والثانية السراب وظلتا فى تدهور وانهيار مستمرين حتى قبرهما السيد البرهان نفسه فى 25 أكتوبر، بل الأسوأ من ذلك أن الغرب بدلاً من أن يفي بوعوده أصر على حلب آخر دولار فى ثدى البلد المفلسة فأخذت أمريكا 335 مليون تعويضات بسبب جريمة إرهابية لم يرتكبها أياً من أفراد الشعب السودانى (جيتك ياعبد المعين تعيني لقيتك ياعبد المعين نهاب!!).تجرع الشعب مر تلك الوعود مرات عديدة من أوسلو فى عهد الانقاذ بعد اتفاقية السلام الشامل إلى مؤتمر باريس فى عهد حمدوك.!!. ينبغي ألا يلدغ وطن فى عهد عسكرى مؤمن فطن من ذات جحر الوعود مرتين.
3
الفرضية الثانية: السيد الرئيس برهان قرر التضحية بالإسلاميين استجابة لرغبات قوى إقليمية ودولية لا ترغب في وجودهم في الساحة السياسية مجدداً وربما تسعى لسحقهم متى وجدت الفرصة، أغرته بالدعم السياسي والاقتصادي.
سأحاول إنعاش ذاكرة السيد الرئيس بما حدث للإسلاميين فى أوائل عهد الإنقاذ حين كان هو بين صفوفهم. كانوا في ذلك الوقت محاصرين من قبل ثمانية دول كلها تكن لهم العداء مدعومة مالياً وعسكرياً من دول عظمى ودول عربية وأفريقية أنفقت مليارات الدولارات ولم تستبق شيئاً (يمكن للرئيس مراجعة مذكرات مادلين أولبرايت). فى ذلك الزمان كان كل شيء مدعوماً، دواء وغذاء وبترول ومصانع سلاح يديرها الآن السيد ميرغني إدريس الذي كان مع الجماعة وحدث له تحول فجائي نوعي فأصبح الآن حرباً عليهم (سبحان الله) !! . باختصار كل الدول فشلت فى اقتلاعهم.
ثلاثون عاماً ونظام الإسلاميين تحت الحصار السياسى والاقتصادى ورئيسه مطارد وفرضت عليه سلسلة من الحروب ولكنه صمد كل تلك الفترة. الآن ثلاثة سنوات في أعقاب الثورة التي يرضى عنها كل العالم بما فى ذلك إسرائيل، تحلم البلد بالاستقرار وتخشى أسوأ السيناريوهات وهى مستباحة بالكامل بأجندات السفارات وتكاد تعصف بها الأنواء.!! القوى الدولية لا يعول عليها. “كيف تستنشق الرئتان النسيم المدنَّس”.؟
4
فرضية ثالثة : لربما قدر الرئيس البرهان أن الشارع رافض للإسلاميين ولم يعودوا يشكلون تهديدا وجوديا لسلطته وخاصة إذا ما دشن تحالفه مع قوى وطنية لها وجود مقدر فى الشارع.
هذه الفرضية لا تقوم على ساقين، فقصة ان الشارع رافض لهم حقيقة ام خرافة ستثبتها الانتخابات وغير قابلة للقياس حالياً إلا من باب ( الكُوار) السياسي، اما انهم غير موجودين فى الشارع فتلك هى الاستراتيجية التي تبنوها منذ أول يوم فى التغيير واعلنوها للملأ، فهم ليسوا بحاجة للتواجد بالشارع، تركوا كل الشوارع للمتصارعين على السلطة في الفترة الانتقالية لم يكونوا بحاجة لتعبئة جماهيرهم للنزول للشارع فى الفارغة والمقدودة، كان لدى للإسلاميين ما يشغلهم هو إفاقة جماهيرهم من هول صدمة السقوط ثم العكوف على نقد تجربتهم فى الحكم ثم الوصول لمعادلة سياسية بين الحركة الإسلامية وحزبها السياسى بالمؤتمر الوطنى وتلك قصة استغرقت وقتا وجدلا طويلا. سأترك قراءة استراتيجية الحركة وتكتيكاتها لمقال قادم أكثر تفصيلا.
5
فرضية أخرى تقول خُيل للسيد الرئيس انه بعد ان قد أكمل سيطرته على كافة الاجهزة العسكرية والامنية وصفى خلافاته مع قائد الدعم السريع، اصبح الإسلاميين مكشوفين تماما وبامكانه وبسهولة أقصاءهم وضربهم اذا لزم الأمر مدعوماً من الشارع والقوى الاقليمية المعادية لهم والاجهزة الامنية والعسكرية وعليه بدأ الهجوم عليهم من حطاب!!.
انا لا اعتقد أن فرضية هزيلة كهذه يمكن أن تطوف بعقل السيد الرئيس اذ انه فى تمام علمه اليقيني ان الواقع غير، بدليل الانقلابات التي لم تتوقف وهواجسه المتصاعدة هو ونائبه من بكراوي آخر يظهر فى الثكنات اضافة إلى الكشوفات المستمرة التي يوقع عليها باستمرار.
لا بد ان الرئيس يدرك ان تصفية التيار الوطني الإسلامي بالجيش مستحيل الا ان يفكك الجيش والاجهزة الامنية صامولة صامولة على يدي فولكر وبعثته واصحابه ثم يستبدله بجيش الدعم السريع ومليشيا الحلو وعبد الواحد.!!.
يذكر السيد الرئيس أنه حين قام الاسلاميين بانقلابهم فى 89 لم يكن لديهم أكثر من خمسين ضابطا بالجيش وقام السواقين بكل المهمة…فما ظنك اليوم. لا داعي للتفاصيل السيد الرئيس يعلم أكثر. خرافة سيطرته على كافة الاجهزة الامنية والعسكرية وضرب الإسلاميين بها لا اعتقد انها تعبر بخاطره ثم لا اظن انه راغب في دفع البلاد لتحمل تبعاتها ومخاطرها وتكاليفها6

تبقت فرضية أخيرة استطيع ان انفيها كلها قبل ان اكتبها. تقول تلك الفرضية ان الرئيس تحت وطأة ضغط الغرب وأحبابه بالداخل بملف فض الاعتصام وقتل الثوار بعد 25 أكتوبر 2021 وافق على التوقيع على دستور المحامين أو الإعلان السياسى كما قال بلعيش بالأمس اضافة لموافقته على الهجوم على الإسلاميين والتضييق عليهم والذي بدأ فعلاً بترحيل الرئيس البشير وصحبه إلى سجن كوبر مجددا كرسالة لمن يهمه الأمر داخليا وخارجيا.
لكن لماذا أنفي هذه الفرضية؟ ذلك اننى حسن الظن بضباط وقيادات القوات المسلحة ولا شك ان الرئيس برهان منهم،فهم من يذهبون إلى الموت بأقدامهم إن دعا داعي الفداء فهم جند (الله و الوطن) لا أظن أنهم يخضعون للابتزاز الرخيص من الناشطين والسفراء الأجانب ويطلبون الحماية والحصانة لأنفسهم وترك جنودهم يصعدون للمقاصل. هذا لا يليق برئيس (كارب قاشو) يمثل القوات المسلحة.
بالمناسبة عندما كنت صغيرا كان خالي ود الريح (رمز البطولة) على قبره شآبيب الرحمة، والذى شارك في انقلاب هاشم العطا فى عام 71 خير بين الاستسلام أو الموت فوق مدفعه فاختار الاخيرة. الآن انا متيقن أن خالي ما كان سيقبل أن (يريسوهو ويتيسهو ويبتزوه) ليوقع على وثائق الخنوع ويخاف ويرتجف ويطلب الحصانة من الأجنبي، كان سيموت ألف مرة في مدفعه، كما لا أعتقد ان الرئيس البرهان سيفعل غير ذلك والله أعلم.
سيدى الرئيس
أترى حين أفقأ عينيك
ثم أثبت جوهرتين مكانهما
هل ترى؟
هي أشياء لا تشترى

Comments (0)
Add Comment