لإسهاماته المقدرة في مجال التاريخ والتوثيق ومحاولاته الفكرية للنهوض بحركة البحث في القارتين الأفريقية والآسيوية، كرم حاكم الشارقة سلطان بن محمد القاسمي المؤرخ السوداني یوسف فضل كشخصية العام الثقافية في إطار الدورة الـ 41 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب، الذي تم تدشينه في الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.
ولد فضل في منطقة المحمية شمال السودان عام 1931، وأتم الدراسة الأولية في أبو حمد وأكملها في سنكات، والتحق بالمرحلة الوسطى في بورتسودان، واجتاز الثانوية في وادي سيدنا، ومن ثم التحق بجامعة الخرطوم قبل أن ينال درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة لندن عام 1959.
وعمل مديراً لمعهد الدراسات الأفريقية والآسيوية من عام 1972 وحتى عام 1983، ثم مديراً لجامعة الخرطوم خلال الفترة من عام 1985 وحتى 1991، كما عمل بدولة الإمارات العربية المتحدة.
سرديات تاريخية
الكاتب السوداني الأصمعي باشري يري أن أهمية منجز يوسف فضل تأتي من جهة قدرته الأكاديمية الكبيرة على كتابة سرديات تاريخية بمنهجية علمية فضحت كثيراً من محاولات تزييف التاريخ، وللرجل ما يزيد على 20 سفراً في هذا الحقل، لعل أهمها على الإطلاق “تاريخ العرب والسودان”.
وتعليقاً على هذا التكريم قال باشري “في تقديري أن يوسف فضل يستحقه وأكثر، وكنت أتمنى أن يأتي تكريمه من قبل بلاده قبل الآخرين”.
وتابع أن “الاحتفاء جاء في وقته تماماً، فالرجل قدم للإمارات كما قدم للسودان إبان فترة عمله بها لسنوات”.
وواصل باشري أن “أهمية فضل تأتي أيضاً من كونه مثقفاً حراً ترأس اتحاد الكتاب السودانيين لدورة كاملة كانت بمقاييس الواقع السوداني من أنجح الدورات، ورفد الدوريات العلمية بالمقالات الرصينة وحرر معظمها، إضافة إلى إسهاماته الإدارية والتدريسية على مستوى الجامعات والمعاهد العليا كمحاضر ومساعد تدريس وأستاذ، إذ تخرجت على يديه عشرات الأجيال ولديه سيرة ذاتية غنية في حقول المعرفة والبحث”.
كسب معرفي وتعددية
أما الباحث في التاريخ الحديث والمعاصر أحمد إبراهيم أبوشوك فقال “إذا نظرنا إلى سيرة فضل سنلحظ أنها لم تؤسس على مقتنيات ومزايا موروثة بل على رصانة وكسب معرفي حققه عبر مسيرته التعليمية، وعلى جزالة عطاء بذله في مجال التدريس والبحث العلمي وخدمة المجتمع، وبهذه الثنائية استقام ميسم سيرته الأكاديمية”.
وأضاف أبو شوك أن “هذا التناغم والاتساق يعود لإمكاناته وقدراته وسعة خياله التاريخي إلى جانب انتمائه إلى المجال والتزامه الصارم نحوه، فضلاً عن مصدر إلهامه وهو بيئة التعدد الثقافي التي ينعم بها السودان”.
وأشار الصحافي السوداني الفاتح وديدي إلى أن “فضل لم يهدر سانحة إلا وأنفقها في التنوير ونشر المعارف، فقد شكلت مدوناته وتحقيقاته قيمة مضافة للمكتبة المحلية والعالمية”.
وأضاف، “حق للسودانيين أن يفخروا باسمه وأن يباهوا العالمين بسيرة هرمهم الثقافي، فهو من أعلام الفكر والتاريخ وأحد الرواد الذين كرسوا حياتهم لخدمة العلم ونثر بذور الوعي”.
وأردف وديدي، “ألهم فضل الأجيال السابقة والحالية المعنى العملي والعلمي لعبارة التعدد الثقافي والتنوع الإثني التي جرت بها ألسنة السياسيين والمثقفين كثيراً، ويشهد بذلك عديد المواقع الأكاديمية التي تنقل فيها والمواقع الإدارية التي تقلدها وعشرات المؤلفات والأوراق العلمية باللغتين العربية والإنجليزية، وإسهاماته في مضمار الدراسات الأفريقية والآسيوية وخدمة المجتمع”.
وبين أن فضل الذي يعمل بلا كلل أو ملل في خدمة الدراسات والتاريخ ربما تصدق بحقه تلك العبارة التي أطلقها الكاتب عبدالله علي إبراهيم في مقام مدحه “رجل لم يصنع التاريخ وحسب، بل هو أيضاً تاريخ”.
شرف عظيم
حاكم الشارقة سلطان القاسمي قال في تصريحات صحافية “قابلت یوسف فضل عام 1974 خلال زيارة رسمية إلى السودان، وتعرفت إليه فوجدته موسوعة في علوم العرب وأفريقيا، وظل التواصل بيني وبينه مستمراً في مساع تدور حول كيف نكسب هذه الشعوب الأفريقية مع العرب، وعمل هو معنا ورتبنا ندوة أفريقية للتواصل مع أفريقيا، ليس بأسلوب المنة بل من خلال الشراكة حتى في المشاريع الاستثمارية، بحيث يكون للأفريقي الماء والأرض والعمالة ونأتي نحن بالتقنية والمال، وبهذه الطريقة يصبحون المنتجين ونحن المستهلكين”.
وأفنى يوسف فضل معظم سنوات عمره في خدمة تاريخ السودان موضوعاً ومنهجاً ومصدراً، كما قدم إسهامات مقدرة في فضاء التعليم العالي وخدمة المجتمع، وأصدر ما يقارب 30 كتاباً بين تأليف وتحقيق وتحرير، وأشرف على إصدار 20 عدداً من مجلة “السوداني” في رسائل ومدونات تصدر باللغة الإنجليزية.
كما صدر له عدد من المؤلفات منها “دراسات في تاريخ السودان ’الجزء الأول‘” 1975 إلى جانب “تاريخ السودان وأفريقيا وبلاد العرب ’الجزء الثاني‘” 1990، وكتاب “الشلوخ وأصلها وطبيعتها في سودان وادي النيل” 1976، وجميعها صدرت من دار جامعة الخرطوم للنشر.
مسيرته الأكاديمية
نال فضل درجة البكالوريوس من جامعة الخرطوم في الآداب عام 1956، كما حصل من جامعة لندن على درجة بكالوريوس الشرف في التاريخ عام 1959، ودرجة الدكتوراه في تاريخ العرب عام 1964، وعمل محاضراً في قسم التاريخ بجامعة الخرطوم وأصبح مديراً لـ “شعبة أبحاث السودان” عام 1965، إذ أوكلت إليه جامعة الخرطوم إدارتها لتدوين تراث السودان، فقام بتسجيل مأثورات عربها وعجمها، وجعل الأرشيف الصوتي بالمعهد وسلسلة دراسات التراث السوداني المستفيدة منه معرضاً لاختلاف ألسنة السودانيين.
رقي فضل إلى درجة بروفيسور في التاريخ عام 1972، وعمل محاضراً أول في التاريخ خلال الفترة ما بين أعوام 1965 و1972.