لا أجد حرجا في قطع غيابي الطارئ للحديث عن أخ وصديق و(معلم) أستاذ . من الذين أدين لهم بإمتنان وافر وعريض. الأستاذ الصحفي ياسر علي محمد طاهر .أتيته. وأنا بعد قلم يتحسس زلق تربة الصحافة . وأول ما لاحظت في الرجل أناقة ديوانية لم تكن معتادة في المشتغلين بالصحافة . وترتيب دقيق في مظهره ومواعيده . ولولا سمرته الكردفانية الباذخة لظننت أنه بعض ما ترك مفتش أنجليزي ! فلكل أمر عنده نظام وموقع ولكل ساعة عنده عمل . وتكامل هذا بمواصفات (مدرس) دقيق نابه
كانت وظيفته (سكرتير التحرير) وهو الجزء الذي يربط مطابخ العمل الصحفي ببوابات الإخراج الفني غير أن أستاذنا كانت عند طاولته ارتباطات تجمع بين مهام رئيس التحرير ومدير التحرير مع التصحيح دع عنك صراع الافيال مع السادة في (التصميم) والإخراج الفني وهؤلاء خلق من الفنانين والجلاوزة و(شفوت) مدرجات الكرة والدكاترة المهرة في الجراحة.
2
تدرجت تحت مدرسة (ياسر) وتعلمت . لم اتعلم للأمانة الإنضباط المرهق او التدقيق الصارم وغلب عندي طبع القلق والفوضى . وزاملته وهذا من حسن حظي في عدة مراحل بعمري وتجربتي البائسة . واكتشفت في الرجل كل خصال الخير . صوام قوام . سكين مساجد . ساع بالخيرات . نموذج بدوي قروي للمواجبات والفزع . يحتفظ بذات النظام الصارم لدرجة انني بعد ان تقاربت بنا المسافات كنت اتجنب قيادة سيارته في عابر ظرف . فقد اخذتها مرة وحينما دخلتها فزعت ! كانت مثل تنسيق الساعة السيكو ! كل أمر فيها كانها خرجت اللحظة من المصنع . لو احضرت معمل فحص جنائي لما وجد فيها ملاحظة . فزعت واعدت له المفتاح ثم لما طلب مرة سيارتي رفضت إشفاقا عليه إذ خشيت ان يجن من سيارة قد تجد فيها كل (كراويش) الدنيا من سدر محمد عبد الحي الى مومياء مصطفى سند وبقايا لحية محمد عبد الكريم قرني ناهيك عن بقايا الفول والقصب والحجارة وربما عثرت على سوق (ستة) في الضهرية !
3
أكتشفت ان تحت الملامح الجادة إنسان إنسان . واخ كريم وزميل يفرح لتميزك ونجاحك الى حد الدمع . وأنه يحب الصحافة الى حد التفاني . فهو اخر من يخرج واول من يحضر وأظنه من قلة لم تنل إجازة او تعطله (جمعة) واما عجيبته الاعظم انه من نفر قليل لا يغشى مجامع الساسة او الاحتفالات او السفريات فبقى كالجندي المجهول الذي أقام حيوات الشمع والنور لعشرات ومئات من الصحفيين في اخر الصفوف وفي الجانب المعتم من عالمهم حيث اهل التدقيق اللغوي واهل التصوير والاخراج يكتفي عادة بإسمه في تراويس الصحف رغم انه صاحب كل العجين .
عزيزي ياسر علي الطاهر . لا خير لدي أهديها سوى هذه الأحرف التي ارجو ان تطالعها بعد الشفاء بالهند . كنت ارجو أن اكتبها لك بذاك الخط الذي تعلم . لكن غلبت شقوة الحاضر المحدث على شوق جري الاقلام على مخاشن الاوراق . وكنت ارجو ان ابلغك بالبيت لكن حبسني حابس الظروف وهموم تعلمها . كن بعافية . شفاك الله وطيب أيامك