القمح.. مفارقات ما بين الاستهلاك و الانتاج

 

يحتل القمح المركز الأول من حيث الاعتماد عليه في الغذاء لدى السواد الأعظم من السودانيين، ويعتبر سلعة استراتيجية تجد اهتماماً كبيراً من قبل الدولة، إذ تحصل على نسبة تفضيلية من مخصصات حصائل الصادرات من خلال تخصيص عملات أجنبية للاستيراد تسهم في سد فجوة الاستهلاك، في ظل عدم قدرة الدولة على دعم الإنتاج المحلي بشكل يمكن من خلاله أن يقلل من حاجة البلاد لاستيراد القمح بشكل راتب، ووفقاً لإحصائيات رسمية فإن ما يتم استيراده من القمح ما يقارب 80% لتغطية حجم الاستهلاك الذي يتجاوز 3 ملايين طن، فيما يتم تغطية بقية نسبة الاستهلاك من الانتاج المحلي.

وكان بنك السودان المركزي وفقاً للبيانات التي أصدرها مؤخراً، فإن القمح المستورد سنوياً يتراوح ما بين 1.7 مليون طن إلى 2.7 مليون طن و متوسط الكمية المستورد خلال 4 سنوات من العام 2016 و2018 و2020 و2021 هو 2.2 مليون طن بمتوسط استيراد قيمته 729 مليون دولار.

اللجوء للاستيراد
قال الناطق الرسمي باسم اللجنة التسييرية لاتحاد أصحاب المخابز، عصام الدين عكاشة، إن المزارعين على علم تام بأن الشركات دائماً ما تلجأ لاستيراد دقيق القمح؛ لأن الخبز أصبح تجارياً، وذكر حتى إذا توقف السودان من إنتاج القمح لن يؤثر ذلك على أسعار الخبز مجدداً، وأضاف: كنت أتمنى أن تمزق الحكومة فاتورة استيراد دقيق القمح، على أساس أن يقابل ذلك توطين زراعة القمح، وقال عكاشة في تصريح ل(اليوم التالي) إن الشركات أصبحت ملزمة باستيراد القمح على حسابها الخاص، ويرى أن الشركات تبيعه بطريقتها الخاصة وأسعارها الخاصة كما هو حاصل الآن – على حد تعبيره، ومضى قائلاً : إنه في ظل تحرير سعر الخبز لم أتوقع أن تتأثر الشركات المستوردة للقمح نسبة لعدم اعتمادها على القمح السوداني؛ لأن إنتاج القمح المحلي لا يستخدم في صناعة الخبز التجاري.

القمح المستورد
المحلل الاقتصادي، محمد النيل، يرى أنه – حتى الآن – لا تعتبر صناعة دقيق القمح عبر مطاحن الغلال من الصناعات الوطنية، وعزا ذلك إلى أن كافة المطاحن تعتمد بنسبة عالية على القمح المستورد، إلا أنه يعتقد بأن من الضرورة أن تصبح صناعة الدقيق صناعة وطنية في المستقبل، ورهن عبر تصريح ل(اليوم التالي) ذلك بحسب تطور إمكانية البلاد من تلبية تغطية استهلاكها من سلعة القمح من الإنتاج المحلي بنسبة تتجاوز ل50%، وأكد.. هذا ما يجعل من وجود مطاحن مؤهلة وفقاً للمطلوبات الاستراتيجية لطحن الغلال التي تنتج محلياً، التي تعتبر من ضمن سلسلة غذاء المستهلكين، وشدد على ضرورة أن يتم توزيع الدقيق بواسطة المستوردين عبر شبكة توزيع لا مركزية تغطي جميع ولايات السودان.

الأمن القومي
فيما يرى المحلل الاقتصادي الدكتور، عبد الله الرمادي، أن القمح من السلع الاستراتيجية والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمن القومي، وقال في حديثه ل (اليوم التالي) إن أي نقص في عرض السلعة أو احتكارها والتحكم في أسعارها يعد تهديداً للأمن الغذائي القومي، وتابع: لذلك تحرص الحكومات في جميع أنحاء العالم إلى تحكيم القبضة على هذه السلعة من حيث الإنتاج و التوزيع و التسعيرة، وذهب بالقول.. إما أن تجعلها بين يدي المستوردين، هذا فضلاً عن إحكام الرقابة على حجم العرض، وشدد على ضرورة تجنب المخاطر المصاحبة الناتجة عن ضغوطات التكتلات التجارية الضخمة التي تتحكم في صناعة الخبز عبر استيراد القمح وطحنه وتوزيعه.

تحرير السلعة
المستشار الاقتصادي شاذلي عبدالله، قال: من المعلوم أن الاستيراد يقتصر على شركات معينة منذ سنوات طويلة ولم تشهد فيها السلعة استقراراً في العرض والأسعار، وأكد.. رغم الجهود التي كانت وما زالت تبذلها الحكومة؛ ممثلة في وزارة المالية وبنك السودان؛ بتخصيص النقد الأجنبي الكافي وبسعر تفضيلي لتغطية فاتورة الاستيراد، قاطعاً بأن السياسة المتبعة الآن تقوم على تحرير السلعة نتيجة لاعتماد الحكومة على سياسة السوق و آلية العرض والطلب، وقال شاذلي عبر إفادته ل(اليوم التالي) إنه من المتوقع أن تخرج الحكومة من عملية استيراد القمح كما فعلت من ذي قبل، بعد أن خرجت من الوقود وغيرها من السلع، مشيراً إلى ترك الحكومة للاستيراد إلى القطاع الخاص، لافتاً إلى اكتفائها بوضع السياسات والقوانين التي تضمن تطبيق الضوابط المالية والفنية فقط.

Comments (0)
Add Comment