اما قبل
▪️قبل سنوات قليلة كانت بعض المراكز العلمية المعنية بالتخطيط الإستراتيجي في إحدي الدول العربية ، تناقش قضية ” ما بعد ثورات الربيع العربي ” و الآثار الإرتدادية العكسية التي نتجت عنها خاصة في مصر و اليمن و سوريا و ليبيا و ما تعيشه تونس من حالات الشد والجذب ، وجري في إحدث حلقات النقاش إستعراض ما كتبه ( يوري بيزمينوف ) عميل الكي جي بي السابق الذي إنشق عن بلده قبيل سقوط الإتحاد السوفيتي السابق و أصبح بحكم الخبرة والتجربة و الإطلاع علي الأوضاع الدولية يقدم محاضرات و يكتب كيفية تدمير دولة دون أن تطلق طلقة واحدة ..! و كيف يتم تخريب و تدمير الشعوب و خلخلتها و التحكم فيها .. و للرجل رصيد من الكتابات و المحاضرات وافرة لمستزيد ..
▪️الذي يهمنا الآن هو المقاربة بين عملية تدمير الدولة ، مع ما يحدث في السودان عقب التغيير الذي حدث في 11 ابريل 2019 ، حيث تتطابق مراحل التدمير مع كل ما ذكر عند كل الخبراء الإستراتيجيين و المفكرين و أهل السياسة ، حيث تقوم النظرية ذات الأربع مراحل بالقضاء علي الدولة و تماسكها و جعلها في مهب الريح .
▪️المرحلة الاولي : تبدأ كما يقول ( يوري بيزمنيوف ) بوصول مجموعات مجلوبة من الخارج تضم العملاء المشترين و المجندين مع بعض المبثوثين بالداخل ، تتولي السلطة في البلد المعني ، لإحداث عملية التدمير المقصودة دون أي عمل عسكري ، أولي الخطوات تسمي بـ ( إسقاط الأخلاق Demoralization) و هي عملية مركبة تبدأ بتغيرات جذرية في التعليم و الإعلام و الأخلاق الإجتماعية و خلخلة البنية الإعتقادية و التشكيك قدرة الدين في التأثير علي الفرد و المجتمع ، و مدة هذه الفترة تستمر من ما بين ( 10- 15 – 20 سنة ) و هي فترة كاملة لإعداد جيل جديد و تنشئته و تعليمه و تربيته علي القيم الجديدة و البديلة و الأخلاق المنحطة و الإبتذال ، و جعل هذا الجيل ضائع وسط هذه القيم التافهة التي لا تراعي أو تحترم العقائد الدينية و الاخلاق و المحرمات ، تفسد التعليم و تدمر الدين و تمجد من يحاربونه ، و إستبدال المؤسسات الدينية بمؤسسات زائفة و صنع رموز بديلة تهاجم العقائد و الدين يتم تلميعها و تسويقها لتكون بديلاً و تقديمها كنماذج للفكر الحر و الرأي المستنير ..
▪️و هدف هذه المرحلة هو نسف الولاء الوطني و إضعافه ، و تفتيت الشعور بالمسؤولية الوطنية لدي المجتمع ، و خلق الرموز الإعلامية الجديدة التي تجد دعماً من جهات غير معلومة و لا تحظي بقبول المجتمع ، تتولي ترويج الأفكار الجديدة و العبث بالنسق الإجتماعي و نشر العقائد الدخيلة و إفساد التعليم.
▪️المرحلة الثانية : وهي مترافقة مع الأولي و تسيران معاً ، فهي كما يقول يوري بيزمنيوف ، متعلقة بــ ( زعزعة الإستقرار ) و مدتها خمس سنوات ، يتم فيها نشر العصبيات المناطقية و القبلية و الجهوية و الدينية و تسطيح الفكر و الوعي المجتمعي ، و العبث بأسس بناء المجتمع و تسخير رموز مصطنعة للتشكيك في الترابط الإجتماعي ، و تركيز إهتمام المجتمع بسفاسف القضايا و شغل الشباب بالملذات و الموضة و العنف و نشر الأجندات المريبة و المطامع الشخصية.
▪️ المرحلة الثالثة : هي مرحلة ذات مدي زمني قصير تسمي مرحلة (الأزمة) تستمر من شهرين إلي ستة أشهر و ربما تزيد ، حيث تنتشر الفوضي السياسية و الإنفلات الأمني و نذر المواجهات و الحرب الاهلية ، و إضعاف مؤسسات الدولة مثل الجيش و الشرطة و القضاء و اعتساف القانون و تدمير نظم الإدارة ، بجانب إرتفاع الأسعار و الإنهيار الإقتصادي و غياب الخدمات الضرورية و إفقار المجتمع وجعله قابلاً للتدمير ..
▪️المرحلة الرابعة : هي التي تقع فيها البلاد بالكامل في يد القيادات البديلة المعدة و الملمعة مسبقاً و هي تتصدر المشهد السياسي و تدين بالولاء المطلق لعدو بلدها الخارجي ، حيث تكمل مهمة التدمير الشامل و تعود من حيث أتت ..
▪️إذا أسقطنا هذه العملية علي ما يجري في بلادنا الآن ، نجده نفس السيناريو و المخطط ، ولا نحتاج إلي جدال كثير حوله ، فلننظر إلي ما فعلته السلطة الحالية ( تغيير مناهج التعليم و تبديل القوانين و إلغاء ما يتوافق مع الشريعة والدين ، شطب الدين من التأثير علي الحياة العامة ، إفساد أخلاق المجتمع ، إسقاط الشباب في الرذيلة و الملذات الوهم ، هدم مؤسسات المجتمع التوجيهية ، و إستسهال الهجوم علي القيم الدينية و الأخلاقية ، و نسف الإستقرار و السلام الإجتماعي ، إنتشار القبلية والجهويات و الولاءات الدنيا في المجتمع ، زعزعة الإستقرار و الإنفلات الأمني و إنتشار الجريمة و تدمير مؤسسات النظام العدلي و الإستخفاف بالقانون وعدم التقيد به ، وتخريب الإعلام و تسميم الفضاء الأخلاقي الذي يعمل فيه ، و صناعة الرموز المنحطة الجديدة ، و إفساد الشباب ، و التوقيع علي المعاهدات والإتفاقيات الدولية التي تدمر الأسرة و المجتمع و الدين ..
▪️و أخيراً سيأتي الدور علي المؤسسة العسكرية التي يكثر الحديث اليوم عن تفكيكها تحت ذرائع مختلفة خاصة و البلاد كلها اليوم تحت الوصاية الدولية و تديرها البعثة الأممية التي إستقدمها وطلبها رئيس الوزراء الذي تنطبق عليه كل شروط العمالة و التدمير الممنهج ..)
▪️ختاما يحدد يوري بيزمينوف العلاج بقوله ” إن أقوي علاج لهذا السيناريو ، يبدأ بإيقاف أخطر خطوة هي الأولي – إفساد الأخلاق – وذلك لا يتم بطرد العملاء اأاجانب أو أضاعة الجهد و المال للبحث عن من يحرك اللعبة ، و لكن أنجح حل لإفشال الخطوة الأولي هو -إعادة المجتمع للدين – لان الدين هو ما يحكم علاقات المجتمع و يجعله يتناغم بشكل سلس ، و يحفظ تماسكه في أكثر الأيام سواداً ..”
▪️هذا ما يقوله عميل الكي جي بي السابق ، و ليس علي لسان قيادات النظام السابق أو كوز من الكيزان …!!
واخيراً عرفنا لماذا يطالبون بتمديد الفترة الإنتقالية ..؟ و لماذا لا يتحدثون عن الإنتخابات ..؟؟ !!