يعاني السودان من أسوأ انتشار لحمى الضنك منذ أكثر من عقد، مما أدى إلى ضغط على المستشفيات في بعض الولايات، في ظل نقص الرعاية الوقائية، في بلد يعاني من اضطرابات سياسية واقتصادية.
وأعلنت وزارة الصحة الفدرالية، الثلاثاء، تسجيل إصابة 3326 شخصا في 12 ولاية من ولايات السودان الـ18، وتم تسجيل 23 وفاة، منهم طفل واحد على الأقل، حتى 19 نوفمبر الجاري، في حصيلة يشتبه أنها قد تكون أعلى من ذلك بكثير.
وأعلنت وزارة الصحة بشمال دارفور، وفاة طفل بمنطقة أم مراحيك، يشتبه في إصابته بحمى الضنك، حيث ظهرت ما لا يقل عن 315 حالة مؤكدة مؤخرا في هذه الولاية.
ويقول الطبيب علاء عوض لموقع “الحرة” إن المرض ظهر في 15 أكتوبر الماضي وأقرت به وزارة الصحة الاتحادية، وحاليا ينتشر في تسع ولايات.
ويشير إلى أن الوضع في شمال كردفان والأبيض هو الأسوأ، “هناك حالات كبيرة حتى أنها فاقت قدرة المستشفيات، هناك حالات في المنازل حاليا، المرض لا ينتشر في محليتين فقط، من ثمانية في ولاية شمال كردفان”.
وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي صور مرضى على الأرض مع نفاد أسِرَّة المستشفيات في شمال كردفان.
وتشهد ولايات شمال كردفان وشمال دارفور والنيل الأبيض إصابات بحمى الضنك لأول مرة.
وبحسب إحصاءات وزارة الصحة السودانية، فقد تم تسجيل 1164 إصابة و11 وفاة في ولاية شمال كردفان وحدها، تلاها ولاية غرب كردفان، بـ938 إصابة و6 وفيات، ثم شمال دارفور بـ655 إصابة ووفاة، أما ولاية النيل الأبيض فسجلت 227 إصابة.
وينتقد عوض “تكتم وزارة الصحة بشأن أعداد المصابين وعدم الإعلان عن الحالات الجديدة يوميا، ويقول إن “هناك شح في المعلومات”.
وتنتشر حمى الضنك عن طريق البعوض المصاب عادة بالقرب من مصادر المياه الراكدة أو في صهاريج تخزين المياه. ولها أعراض تشبه أعراض الإنفلونزا ويمكن أن تسبب أحيانًا فشل الأعضاء والموت.
ونقلت صحيفة “الغارديان”، عن رئيس منظمة الصحة العالمية في السودان، نعمة سعيد عابد قوله إن الحالات المؤكدة هي “قمة جبل الجليد”.
وقال: “بعض المرضى يعانون من حالات خفيفة، ولا يذهب للمستشفى، والبعض الآخر يستشير المعالجين التقليديين أو يعتمدون فقط على العلاجات المنزلية، وبالتالي لا تعلم السلطات الصحية بالأمر”، مضيفا أن ما يبلغ عنه للمرافق الصحية هو أشد الحالات التي تتطلب الذهاب إلى المستشفى، أو رعاية طبية.
وقالت الدكتورة ابتهال إبراهيم، وهي طبيبة في وزارة الصحة في شمال كردفان، إنها أبقت طفلها المريض المصاب بحمى الضنك في المنزل.
وأضافت: “طفلي ليس الوحيد، فمنطقتي بأكملها مليئة بالمرضى المصابين بالحمى، لكنهم بقوا في المنزل للحصول على العلاجات الطبيعية، وبعضهم يعالج نفسه بالأدوية، ويتعاملون مع الأزمة وحدهم”.
وأضافت أن أسعار الأدوية ارتفعت بشدة، مشيرة إلى أنها اشترت قطرات لابنها بـ3500 جنيه سوداني (6.15 دولار)، بعد أن كانت قبل أسابيع قليلة فقط بـ600 جنيه سوداني (1.05 دولار) فقط.
وعقب الانقلاب العسكري في أكتوبر 2021، يعيش السودان حالة من الاضطراب الاقتصادي وارتفعت أسعار المواد الغذائية والأدوية بشكل كبير.
يقر المدير العام للطوارئ بوزارة الصحة الفدرالية، منتصر عثمان بأن العام الجاري شهد أكبر انتشار للحمى في تاريخ البلاد.
لكن عثمان ألقى باللوم على هطول الأمطار الغزيرة ونقص الإجراءات “الوقائية” مثل الناموسيات ومبيدات الحشرات.
ويضيف: “لأسباب اقتصادية ، فقدت البلاد العديد من الوظائف الأساسية في مجال الأدوية الوقائية. لم يعد لدينا الموظفون الذين اعتادوا العمل في مجال الصحة القائمة على الملاحظة أو العمال الذين اعتادوا إعداد الأشياء قبل حدوث الأزمة”.
وأعلنت القوات المسلحة، الاثنين، تدشين قافلة تحمل كمية من المواد الطبية والوقائية وأدوية ومحاليل وريدية وناموسيات، بجانب مواد غذائية، تم توجيهها لشمال كردفان، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء السودانية.
ويرى عوض في حديثه مع موقع “الحرة”، أن “الاستجابة من وزارة الصحة كانت متأخرة، فضلا عن أننا لم نشهدا استعدادا جيدا رغم أن الأمر كان من المتوقع حدوثه بعد الخريف بسبب انتشار البعوض”.
ويقول: “في أي وباء هناك ثلاث مراحل لمجابهته، مرحلة الاستعداد، والاستجابة، ثم مرحلة العلاج والتعافي.
وأوضح، في حديثه مع موقع “الحرة”، أنه كان يجب الاستعداد للفيضانات، وتوفير الناموسيات والمبيدات الطاردة للبعوض الذي ينتشر في الخريف، ثم تأتي مرحلة الاستجابة من خلال تجهيز مراكز العزل والحد من انتشار المرض من خلال إغلاق مناطق معينة والتعامل مع حالة الطوارئ، لكن هناك استجابة متأخرة وبطيئة”.
ولم يظهر المرض في ولاية الخرطوم، بحسب مشاعر دراج، عضو مجلس نقابة الصحفيين السودانيين، “حيث لا يتواجد البعوض في العاصمة”.
وتشير دراج إلى أن السلطات بدأت تتخذ تدابير وقائية سواء لرصد المرض من فرق تقصي في كل الولايات، وقد أعلنت عن رقم هاتف للإبلاغ عن الحالات.
وأضافت: “حتى الآن لم تغلق أي مدن في السودان، أعتقد أن السلطات ترى أن الوضع لا يزال تحت السيطرة حتى الآن”.