قناة امريكية: مغازلة أم مناورة؟.. أهداف وتداعيات تجميد النقابات المهنية في السودان

 

أثار قرار الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، الاثنين، بتجميد نشاط الاتحادات والنقابات المهنية والاتحاد العام لأصحاب العمل، تساؤلات بشأن هذه الخطوة، حيث اعتبرها البعض مغازلة لقوى سياسية، فيما اعتبرها آخرون مناورة برسائل محددة، وقد تكون تمهيدا لخطوات مقبلة.

ويأتي القرار بعد صدور قرارات قضائية خلال الأسابيع القليلة الماضية بإلغاء اللجان التسييرية للنقابات والاتحادات والاتحاد العام لأصحاب العمل، التي كانت قد شكلتها لجنة التمكين في ظل الحكومة المدنية الانتقالية قبل الانقلاب العسكري.

وبمقتضى هذه القرارات، أعادت المحكمة العليا في السودان، اللجان النقابية التي كانت موجودة في عهد نظام الرئيس المعزول عمر البشير.

ويقول عضو سكرتارية شبكة الصحفيين، خالد أحمد لموقع “الحرة”: “بعد الانقلاب، بدأ النظام القديم في التحرك والتحرر من جديد، فقدم دعاوى قضائية ضد اللجان التسييرية التي شكلتها لجنة التمكين في حكومة الثورة، وقرر القضاء إعادة النقابات السابقة التابعة لنظام عمر البشير”.

ويضيف أن “قرار البرهان الذي صدر أمس إعادة للوضع السابق، “فهو حل اللجان التسييرية التابعة للنظام السابق، وشكل لجنة برئاسة مسجل عام التنظميات النقابية والاتحادات لتشكيل لجان تسييرية جديدة”.

وقرر المجلس العسكري في بيانه، الاثنين، تكوين لجنة برئاسة مسجل عام تنظيمات العمل بوزارة العدل، تنحصر مهمتها، بحسب وكالة سونا الرسمية، في تكوين لجان تسيير لهذه النقابات والاتحادات المهنية، لحين انعقاد جمعياتها العمومية.

ويرى أحمد أن “البرهان يحاول قطع الطريق على عودة النظام القديم عبر واجهات جديدة، لأن نظام البشير يعمل على العودة للواجهة عبر العمل النقابي واللجان التيسيرية”.

في المقابل، يقول مدير معهد التحليل السياسي والعسكري بالخرطوم، الرشيد إبراهيم إن “أهل القانون يعتبرون هذا القرار تغولا من الجهات التنفيذية على السلطات القضائية، لأنه لا ينبغي إلغاء قرارات القضاء”، معتبرا أن هذا يتعارض مع فصل السلطات.

لكن إبراهيم يرى، في حديثه مع موقع “الحرة”، أن قرار البرهان “من وجهة نظر سياسية حل للجدل والخلاف بين المكونات السياسية خاصة بعد ما حدث من صراع سياسي بعد قرار المحكمة العليا بشأن نقابة المحامين وكذلك الاتحاد العام للمهن الصحفية”.

ونهاية الشهر الماضي، صدر حكم قضائي بحل اللجنة التسييرية التي تم تشكيلها لقيادة نقابة المحامين من قبل قوى الحرية والتغيير.

وبعد صدور القرار، تعرضت نقابة المحامين لهجوم من قبل أنصار النظام السابق وحدثت اشتباكات مع أنصار قوى الحرية والتغيير، قبل أن تتدخل الشرطة وتفرض حظرا على المبنى.

ويقول إبراهيم: “باتت الاتحادات والنقابات المهنية ساحة للصراع السياسي وهو ما أبعدها عن محتواها المهني، وبالتالي التدخل قد يعيد الأمور إلى نصابها، إذا تم تنفيذ القرار بحيث يقوم مسجل تنظيمات العمل بإعادة تشكيل لجان تتولى تكوين هذه النقابات عن طريق اللجان العمومية، وبالتالي يمكن أن تحصل نقلة ديمقراطية”.

ولا يعتقد أحمد أن هذه الخطوة تعبر عن احترام المجلس العسكري للحركة النقابية في السودان أو تعد انتصارا للثورة، “لأن مسجل النقابات هو من النظام القديم، ولدينا تجربة في نقابة الصحفيين، عندما طلبنا منه حضور الانتخابات وأن يكون جزءا منها، أصدر فتوى ورفض بدعوى أن هذه الانتخابات غير شرعية وأيد الاتحاد السابق للصحفيين التابع للنظام القديم”.

وأضاف: “هذا القرار ليس حرصا منه على استقلالية أو حيادية العمل النقابي في السودان، بل بالعكس هو يفعل ما يخدم مصالحه السياسية”.

يأتي القرار في إطار تسوية جارية بين الجيش والقوى السياسية، “حيث يتحرك النظام القديم لقطع الطريق للوصول إلى تسوية سياسية، وبالتالي البرهان بدأ خطوات لتحجيم نشاطهم”.

ويضيف: “بحسب التجربة مع المجلس العسكري، فإنه يمارس المراوغة ويلعب بالحركة النقابية في السودان حسب الوضع السياسي، فعندما يتقرب من النظام السابق يلغي النقابات الجديدة، وعندما يتقرب من القوى الثورية يبعد النظام القديم”.

ويرى عضو لجنة تفكيك نظام البشير، عروة الصادق، في حديثه مع موقع “الحرة”، أن “البرهان يحاول تقييد حركة التنظيم الإخواني في مؤسسات الدولة، بعد أن أحرجوه عقب إقراره والتزامه بالعملية السياسية”، مضيفا أنه “الآن يحصد ثمرات فتح الطريق لهم وتمكينهم من مرافق في وزارة العدل والقضاء”.

وخلال الأسابيع القيلة الماضية، تظاهر آلاف الإسلاميين السودانيين مرات عدة أمام مقر بعثة الأمم المتحدة في الخرطوم، احتجاجا على “التدخل” الدولي الهادف إلى إحياء الانتقال الديمقراطي في البلاد.

وهؤلاء من أنصار نظام عمر البشير الإسلامي العسكري الذي أطيح عام 2019 بضغط من الشارع والجيش. ولطالما شجبوا الأمم المتحدة ويبدو أن عداءهم يتزايد تجاه قائد الجيش الذي قاد انقلاب أكتوبر 2021.

وندد المتظاهرون بالخطة الوحيدة لإنهاء الأزمة التي تبدو مقبولة للمدنيين والعسكريين حتى الآن – وهي مسودة دستور مقترحة صاغتها نقابة المحامين السودانية.

ويحذّر المؤيدون للديمقراطية منذ عام من عودة نظام البشير الذي يقبع حاليا في السجن، مشيرين إلى استعادة كثير من الإسلاميين مناصبهم في السلطة.

ويقول الصادق، إن “رموز النظام القديم يعبثون في هياكل الدولة بالثغرات القانونية، ويعكف على هذه العملية مستشارون من وزارة العدل وقضاة في السلطة القضائية، وبالتوازي مع ذلك عمل دؤوب من مسجلة تنظيمات العمل التي استعانت في تكوين قرارا استلام مقار النقابات والاتحادات المهنية بأجهزة الشرطة والمخابرات وقوات نظامية تقع توجيهاتها تحت إمرة البرهان”.

لكن إبراهيم يقول إن “كل تيار يحاول أن يقرأ القرار لصالحه، وطبعا هذا ذكاء من البرهان والمكون العسكري بأنه يخلط الأوراق ويدير التباينات والاختلافات بين القوى السياسية”.

ويشير إلى أن النظام القديم “لديه كوادره التي تمكنت طوال 30 سنة ويصعب أن يتم تهميشها، فضلا أن عناصرهم الأكثر تنظيما، وبالتالي المشاهدات تدل على أنه سيكون لديهم حضور في الفترة المقبلة، خاصة أنه ليس هناك قانون للعزل السياسي يمنعهم من المشاركة”.

لا يرجح إبراهيم أن هذا القرار بمثابة انتصار لطرف على آخر، “بقدر ما أنه يمهد للخطوة المقبلة التي ينوي البرهان الإقدام عليها”.

ويوضح أن “المعركة مفتوحة، وأعتقد أنها رسالة للقوى السياسية بالقبول بتسوية شاملة أو حكومة طوارئ”، مضيفا أنه “في حال فشل التسوية تبقى النقابات والاتحادات تحت يده ولا تكون واحدة من أدوات الضغط السياسي سواء من طرف القوى الثورية أو النظام القديم”.

ويضيف أن “التسوية متوقفة حاليا على التوافق والتفاهمات، إذا مضت بصورة جيدة فنحن أمام مسار توافقي، وإذا لم تمض بصورة جيدة فنحن قطعا سنتجه إلى حكومة طوارئ ثم انتخابات مبكرة”.

ويقول أحمد: “نعلم أن المجلس العسكري يمارس المراوغة والمناورة السياسية، لكن تكمن أهمية هذا القرار، في أنه يعطل أي طعن على مشروع الدستور إذا تم التوافق حوله”.

ويوضح أن “اللجنة التسييرية لنقابات المحامين كانت قد كتبت مسودة الدستور الجديد الذي يجرى حوله التفاوض حاليا خلال مناقشات التسوية السياسية، وهناك توافق كبير حوله”.

ويضيف: “بما أن المحكمة العليا كانت حلت هذه اللجنة التسييرية، كان هناك خوف من أنه إذا تم التوافق حول الدستور، قد يتم الطعن عليه باعتبار أن اللجنة التسييرية كان قد تم حلها بقرار قضائي، وبالتالي سيضر ذلك بالعملية السياسية، وبالتالي فإن هذا القرار يعطي الشرعية من جديد لمشروع الدستور”.

Comments (0)
Add Comment