بين التفاوض والاحتجاج.. ما خيارات رافضي الاتفاق الإطاري في السودان؟
الخرطوم- بعد ساعات من توقيع الاتفاق السياسي الإطاري بين قادة الجيش في السودان ونحو 50 من القوى السياسية والأجسام المهنية تعالت الأصوات الرافضة للخطوة التي أحدثت شروخا وانقسامات داخل أحزاب رئيسية، علاوة على إعلان لجان المقاومة التي تحرك الاحتجاجات معارضة الاتفاق والاستمرار في الاحتجاجات كأحد خيارات مقاومته.
وكان القائد العام للقوات المسلحة عبد الفتاح البرهان وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو وقعا أول أمس الاثنين اتفاقا مع قوى تمثل ائتلاف الحرية والتغيير، وهو التنظيم ذاته الذي انقلب عليه الجيش قبل نحو عام وأزاحه عن سدة الحكم بذريعة الحاجة لتوسيع مظلة المشاركة في السلطة.
لكن تحت ضغط الشارع والمجتمع الدولي اضطر العسكر للتفاوض مع الائتلاف، وانضمت إليهم قوى تمثل المؤتمر الشعبي والحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، وكلا الحزبين انقسمت من داخلهما مجموعات تعارض الاتفاق وتقول إن الموقعين بلا شرعية تنظيمية.
وتضمن الاتفاق الإطاري تفاهمات حول تكوين هياكل الحكم الذي تقرر أن يكون مدنيا بالكامل يبتعد بموجبه العسكر عن أي مهام تنفيذية، فيما أرجأ الاتفاق 4 مسائل إلى بضعة أسابيع تتسع خلالها المشاورات لحسم قضايا ذات صلة بالعدالة والعدالة الانتقالية، والإصلاح الأمني والعسكري، واتفاق جوبا واستكمال السلام، إلى جانب إعادة لجنة إزالة التمكين لتفكيك نظام البشير.
تحديات الشارع
يواجه التفاهم الأحدث بين الجيش وقوى ائتلاف الحرية والتغيير وحلفائها الجدد تحديات جسيمة، أبرزها احتجاجات الشارع، واعتراض اثنتين من حركات دارفور الموقعة على اتفاق السلام وهما العدل والمساواة بزعامة جبريل إبراهيم وحركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، حيث رفضا الاعتراف بهذه التسوية ووصفاها بالتفاهم الثنائي.
كما يبرز التيار الإسلامي العريض ومبادرة أهل السودان كمهددات ماثلة، علاوة على الحزب الشيوعي، وحزب البعث العربي رغم أنه جزء من ائتلاف الحرية والتغيير لكنه يعارض الاتفاق بقوة.
وتجتمع هذه التكتلات على رفض الاتفاق مع منطلقات متباينة، حيث يعزو القيادي في تحالف الكتلة الديمقراطية محمد زكريا رفضهم الاتفاق إلى أنهم لم يكونوا جزءا من الحوار الذي أنتجه.
ويقول زكريا للجزيرة نت “لم نُدعَ إلى الحوار بشكل رسمي، ولم نطلع على أي مسودة تمهيدية، ولا نعلم منهج الحوار ولا الأطراف المنخرطة ودور الجهات الوسيطة”.
ويؤكد زكريا -وهو أيضا قيادي في حركة العدل والمساواة- أن العملية التي أنتجت الاتفاق والضبابية التي اكتنفت الحوار كانتا سببا أساسيا لابتعادهم وألا يكونوا جزءا من وثيقة قال إنها “مجهولة اختطتها أطراف وعمدت لإخفائها، فيما قضايا الوطن يجب أن تناقش تحت الأضواء الكاشفة”.
ويميل القيادي إلى تغليب خيار الحوار بين كافة الأطراف كمبدأ للوصول إلى شراكة واقعية وموضوعية، كما أشار إلى أنهم سيتبعون الوسائل المدنية لبيان وجهة نظرهم مع تحشيد الجماهير تجاه مواقف تحقق انتقال شامل بتوافق كافة القوى السياسية والمدنية ومكونات الانتقال.
إفلات العسكر
في المقابل، ترى كيانات أخرى -بينها الحزب الشيوعي وتجمع المهنيين- أنه لا خيار أمامها سوى مقاومة الاتفاق بتحريك الشارع الرافض لأي تفاوض مع القادة العسكريين “الذين يمنحهم الاتفاق فرصة للإفلات من المحاسبة”، وأن التفاوض معهم لم يكن خيارا راجحا، ليكون الاعتماد على إسقاطهم عبر احتجاجات الشارع هو الخطوة الأكثر فاعلية.
ويؤكد المتحدث باسم تجمع المهنيين الوليد علي أن رفضهم الاتفاق الإطاري ناتج عن إسهامه في إفلات “الانقلابيين” -كما يسميهم- من المحاسبة، وبالتالي يضمن استمرار خط الدفاع الأخير عن مصالح النظام السابق خلال الفترة المقبلة.
ويضيف علي للجزيرة نت أن “استمرار وجود الانقلابيين في مجلس الأمن والدفاع أكبر خطر على الفترة الانتقالية، والطريق الوحيد لإصلاح الفترة هو إزالة الانقلابيين بالكامل ومحاسبتهم على الجرائم التي ارتكبت منذ فض الاعتصام في يونيو/حزيران 2019 وحتى 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021”.
من ناحيته، دعا التيار الإسلامي العريض في بيان صحفي كافة التكتلات السياسية الوطنية والاجتماعية والأهلية إلى مناهضة التسوية التي قال إنها تضمنت “إشارات خبيثة” تقضي بتبديل عقيدة القوات المسلحة وبقية الأجهزة النظامية، وتمكين قيادة الفترة الانتقالية دون انتخاب ولا تفويض.
أجندة خارجية
بدوره، اتهم رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان في حوار مع “الجزيرة” قبل يومين رافضي الاتفاق بأنهم رهن لأجندة خارجية، وقال إن كل من تهمه مصلحة السودان ينبغي أن ينضم للاتفاق، وهو “مفتوح لكل القوى الثورية غير الموقعة على إعلان الحرية والتغيير دون إقصاء”.
غير أن ناجي مصطفى بدوي القيادي في مبادرة أهل السودان التي تناوئ الاتفاق رد على اتهامات البرهان قائلا إن “كل الخارج كان محتشدا في مراسم التوقيع ومن خلف الموقعين”، مضيفا “لم يغادر الموقعون شيئا من محاور الخارج لتكون أجندة لمن يرفضون الاتفاق”.
وأكد بدوي للجزيرة نت اعتزام مبادرة أهل السودان مواصلة التصعيد إعلاميا وفي الشارع بالترتيب مع كل الكيانات الرافضة.
وأضاف “سنحاصر الموقعين سياسيا وأدبيا، هذا الاتفاق غير قابل للتطبيق وولد ميتا، ولن يعدو أن يكون وسيلة لكسب الوقت والتسلط على الشعب بلا مشروعية والهروب من الانتخابات”، وقال إن الموقعين على الاتفاق “بلا سند جماهيري وتم انتقاؤهم بعناية وعبر محاور خارجية”.
وانضمت الحركة الإسلامية إلى تيار الرفض بإصدار أمينها العام علي كرتي بيانا أمس الثلاثاء أكد فيه وقوف الحركة سدا في وجه “محاولات الإقصاء ومصادرة الحقوق والحريات”، داعيا إلى تبني مصالحة وطنية تستوعب كل مكونات الطيف السياسي والمجتمعي بلا تحيز ولا استثناء لقيادة الفترة الانتقالية لإصلاح شامل بعيدا عن تسييس العدالة ومصادرة الحقوق وتمزيق القوات المسلحة والتمهيد لانتخابات حرة.
منصات متعددة
من جهته، يرجع القيادي في حزب المؤتمر السوداني نور الدين صلاح حالة عدم الارتياح والحذر التي اعترت الشارع حيال الاتفاق الإطاري إلى عدم الاطمئنان لوفاء العسكر، حيث تراكم الشعور بعدم الثقة منذ فض اعتصام القيادة وصولا إلى ما حدث في “انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول” من قمع مفرط للاحتجاجات.
ويؤكد صلاح للجزيرة نت أن الاتفاق الأخير أفضل بكثير من وثيقة الدستور المتفق عليها مع العسكر في 2019 كونه يمنح المدنيين سلطة كاملة، ومع ذلك يرى أن المخاوف من نكوص العسكر تظل موضوعية ومقبولة.
ويشير القيادي إلى أن أسباب رفض الاتفاق تتعدد بحسب المنصة التي تتحرك منها كل جماعة، فقادة النظام السابق مثلا “يخشون من إسهام الاتفاق في تضييق الخناق على مستقبلهم السياسي، خاصة مع تفعيل قانون تفكيك التمكين الذي يستهدف بنية التنظيم ويحد من حركته”.
وبرأي صلاح، فإن المجموعات التي “التفت حول الانقلاب وناصرته” ترى في الاتفاق الإطاري هزيمة غير مباشرة جعلتها محط سخرية وانخفضت معها أسهمها السياسية، كما أن الاتفاق سيمضي في اتجاه مراجعة اتفاق السلام، مما سيؤثر على تلك التنظيمات ومناصبها في السلطة.
في المقابل، لا يظهر صلاح قلقا حيال موقف لجان المقاومة المناوئ للوثيقة الإطارية، ويرجع الأمر إلى عدم ثقتهم في العسكر، مؤكدا أن الخلاف بين موقعي الاتفاق ولجان المقاومة يمكن حصره في وسائل العمل، فيما يبقى الهدف المشترك هو مدنية الدولة وإنهاء تدخل العسكر في السلطة، وهو ما يستوجب الابتعاد عن التخوين والعمل معا وصولا إلى تحقيق المبتغى.
امتحان الحكومة الجديدة
لكن المحلل السياسي عبد الله رزق يرى أن الرفض الواسع للاتفاق من شأنه تعطيل العملية السياسية، وتفجير المتناقضات بين أطرافها، مما يتسبب في فشل الحكومة الجديدة.
ويقول رزق للجزيرة نت إن احتواء حركة الشارع يعد أهم تحدٍ أمام الحكومة الجديدة، لأنه يمتحن قدرتها على تلبية الحاجات الملحة للمواطنين وتخفيف أعباء المعيشة وضبط الأمن والقصاص للضحايا.
ويتابع “ستكون الحكومة في حالة سباق مع المعارضين في استمالة الشارع، فالمعارضون ليس لهم خيار غير الالتحام بحركة الشارع عبر شعارات أكثر راديكالية، ولن تجد السلطة مفرا من اللجوء إلى القمع لاحتواء المعارضة، مما يعني استعادة الأزمة بكل عنفوانها”.
المصدر : الجزيرة