700 ألف سوداني يختارون قوارب الموت!

كتب: يوسف بشير

“أن تموت في عرضِ البحرِ

حيث الموج يصطفق بصخب في رأسكَ

والماء يأرجح جسدكَ

كقارب مثقوب”.

هذه الأبيات الشعرية كتبها الشاعر السوداني عبد الوهاب محمد يوسف، الشهير بـ”لاتينوس”، قبل فترة وجيزة من وفاته، إثر غرق قارب كان يقلّه وآخرين من ليبيا إلى أوروبا في 21 آب/ أغسطس 2020.

وقتها، انخرط السودانيون في مواقع التواصل الاجتماعي في بكائيات على الشاب وعلى الأوضاع الاقتصادية التي تدفع أمثاله إلى الابتعاد عن البلاد عن طريق تصل خطورتها إلى تهديد حق الحياة، لكنهم سرعان ما تناسوه في خضم مشاغل الحياة التي باتت شاقةً، نظراً إلى أزمات البلاد المتعددة من قبيل الأزمة السياسية والاقتصادية والعنف القبلي والتغيير المناخي، مما جعل 14 مليوناً من أصل 45.6 ملايين شخص يفقدون الأمن الغذائي، وتتوقع الأمم المتحدة أن يزيد عددهم إلى 15.5 مليون نسمة في العام المقبل.

إلى متى يستمر التردد؟

تداول السودانيون، خلال الأيام الفائتة، صورة شاب كان يعمل في 2018، عاملاً في إحدى ورش تصليح السيارات، قبل أن يصل إلى أوروبا عبر الهجرة غير الشرعية، ليتوظف في شركة كبرى هذا العام.

هذا الأمر، أحيا آمال كثيرين بالمغامرة للهرب من البلاد رغماً عن التشدد المحلي والدولي في مكافحة الهجرة غير الشرعية.

بدا إبراهيم خالد (اسم حركي لشاب عمره 28 عاماً اشترط عدم ذكر اسمه)، متردداً في الذهاب إلى ليبيا، بعد أن قضى قرابة العام في تجميع أموال كافية تتيح له الوصول إليها عبر مهرّب اتفق معه. ويضيف لرصيف22: “أخشى على أسرتي من ألا تجد ما تعتاش عليه بحكم أنني معيلها الوحيد، ولا مفر من الفقر إلا السفر إلى دول أوروبا”.

“أحمل شهادةً جامعيةً منذ سنوات ولم أتوظف بها”؛ ويشير إلى أنه سافر إلى دنقلا، شمال السودان، بغرض الذهاب إلى ليبيا في نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي، لكنه سرعان ما عاد أدراجه إلى العاصمة الخرطوم حيث تقطن أسرته خوفاً عليها. ويتابع: “مهما تأجل قرار الهجرة -بالرغم من إدراكي أنني قد أموت في الطريق- إلا أنها واجبة النفاذ”.

الرغبة في المخاطرة

بالرغم من هذه الجهود المحلية والدولية لإنهاء الهجرة غير الشرعية، إلا أن بعض السودانيين يفكرون في المغامرة بالذهاب إلى أوروبا عبر ما اصطُلح عليه شعبياً بـ”السمبك”، أي عبر القوارب من ليبيا إلى شواطئ أوروبا.

وربما، لإدارك المجتمع المحلي بمخاطر هذا الفعل، يُقال لمن يفعل أمراً خلاف ما اتفق عليه: “ركبني السمبك”.

وهنا مغردة أخرى تنقل السؤال الرئيسي في فيسبوك: “بماذا تفكر؟”، إلى حسابها في تويتر، ليجيبها شاب: “السمبك”.

يتواجد في ليبيا 700 ألف سوداني، 25% منهم وصلوها بصورة غير شرعية وكثيرون منهم يُفكرون في الهجرة إلى أوروبا سواء عبر القوارب أو من خلال التسجيل في سجلات المفوضية السامية لحقوق اللاجئين التابعة للأمم المتحدة؛ هذه تقديرات منظمة الحد من الهجرة غير الشرعية والعودة الطوعية للجاليات السودانية في ليبيا، التي يقول مفوضها مالك الديجاوي، لرصيف22: “إن عدد ضحايا الهجرة غير الشرعية من السودانيين هذا العام يزيد عن الـ15 شخصاً، غير الذين يتوفون من الجوع والبرد”.

وتقدّم المنظمة التي يُديرها الديجاوي، مشاريع إنتاج في سياق دعواتها للحد من الهجرة غير الشرعية، وقد بلغ عدد المشاريع التي وفرتها خلال 2022، قرابة الـ1،500 مشروع. كما تعمل على إبراز المخاطر التي من بينها الوقوع في يد عصابات تتاجر بالبشر، لطلب فدية مالية مقابل الإفراج عن المقبوض عليه، وعادةً ما توفره أسرته في السودان، وفقاً لمفوض المنظمة الذي يشير إلى أن المهاجر غير الشرعي، غالباً ما يقع تحت ابتزاز المهربين الذين يتفق معهم على توصيله إلى الشواطئ الليبية لكنهم يتركونه عند الحدود ليتولى أمره مهرّبون آخرون يقع تحت ابتزازهم مرةً أخرى. وربما لا يوجد ما يوضح عدد الضحايا غير حساب المبادرة السودانية لمفقودي الهجرة غير الشرعية على الفيسبوك الذي يزخر بعشرات الأمثلة.

هل يمكن ايقاف الهجرة غير الشرعية؟

وإن كانت الأوضاع الاقتصادية تدفع السودانيين إلى المغامرة بالهجرة، إلا أن بلادهم تُعدّ “محطةً تتوافد إليها أعداد كبيرة من المهاجرين من دول وسط وشرق إفريقيا ودول أخرى لتحقيق آمالهم بالوصول إلى شواطئ أوروبا”، وهذا ما تقرّ به قوات الدعم السريع التي تنشط في التصدي للهجرة غير الشرعية، على الطرق الصحراوية عند الحدود المشتركة بين السودان وليبيا ومصر.

تمتلك هذه القوات شبة العسكرية، سجلاً سيئاً في ما يتعلق بحقوق الإنسان وفقاً لمنظمات عديدة من بينها هيومن رايتس ووتش، ومع ذلك تقول إن لديها ضباطاً مختصين يقدمون الخدمات الإنسانية والرعاية الصحية والدعم النفسي والإرشاد لضحايا الهجرة غير الشرعية الذين يحررونهم.

يتحدث تقرير حديث صادر عن المنظمة الدولية للهجرة، عن فقدان 50 ألف شخص حيواتهم، خلال رحلات الهجرة منذ أن بدأت بتوثيق المهاجرين المفقودين في 2014، منهم 60% مجهولو الهوية.

وتقول إحدى كاتبات التقرير، وهي جوليا بلاك: “بغض النظر عن الأسباب التي تجبر الناس أو تدفعهم إلى التنقل، لا أحد يستحق أن يموت بحثاً عن حياة أفضل”. ودفع التقرير بتوصيات عدة، من أهمها تحسين وتمديد مسارات الهجرة المنظمة والآمنة

وربما لو نُفّذت هذه التوصية قبل 2020، لكان الشاعر السوداني عبد الوهاب “لاتينوس”، يؤلف قصيدةً جديدةً في مقهى مطل على البحر في دولة أوروبية.

Comments (0)
Add Comment