د. صلاح الغول يكتب الإمارات.. والأزمة السودانية

 

دخل السودان في أزمة سياسية مركبة منذ 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 إثر قرارات قائد الجيش عبد الفتاح البرهان إنهاء الشراكة مع ائتلاف الحرية والتغيير، وتجميد بنود الوثيقة الدستورية لعام 2019 ذات الصلة بالشراكة بين العسكريين والمدنيين، وإعلان حالة الطوارئ، ووضع وزراء ومسؤولين قيد الاحتجاز بمن فيهم رئيس الوزراء وقتذاك عبد الله حمدوك. وكان لهذه القرارات أثر مزدوج في الشارع السوداني. فطائفة من السودانيين أيدتها، وطائفة أخرى عارضتها واحتجت عليها وطالبت بإعادة السلطة للمدنيين.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، وقّع البرهان وحمدوك اتفاقاً سياسياً بهدف إنهاء الأزمة، تضمن إلغاء قرار إعفاء الأخير من منصبه، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، والإسراع في تشكيل مؤسسات الحكم الانتقالي، وتكوين حكومة مدنية من الكفاءات المستقلة. واعتبر الاتفاق الوثيقة الدستورية المرجعية الأساسية، لكن مع ضرورة تعديلها من أجل توسيع المشاركة السياسية، وأنّ مجلس السيادة هو المشرف على تنفيذ مهام الفترة الانتقالية، من دون التدخل المباشر في العمل التنفيذي. ولكن بعد أقل من شهرين من توقيع الاتفاق، استقال رئيس الوزراء حمدوك من منصبه إثر عجزه عن تشكيل حكومة وسط خلافات مع القادة العسكريين وعدم قدرته على تحقيق التوافق السياسي مع استمرار الاحتجاجات الشعبية.

ومنذئذٍ، طرحت عدة مبادرات لتسوية الأزمة السودانية، لم تُكلل إحداها بالنجاح. ولكن في 5 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، أفضت المحادثات بين مجلس السيادة، الممثل للقوات المسلحة، والقوى السياسية المدنية، وعلى رأسها الحرية والتغيير، إلى توقيع الاتفاق السياسي الإطاري، الذي يفتح الباب لمرحلة انتقال سياسي وتأسيس سلطة مدنية تعمل على إنهاء أزمة البلاد التي اقتربت من إكمال سنوات ثلاث عجاف. وتتمثل أهم بنود الاتفاق في اختيار رئيس وزراء انتقالي من قبل قوى الثورة، وتنظيم انتخابات في نهاية الفترة الانتقالية المحددة بعامين.

خلال السنوات العجاف التي اختبرها السودان منذ أواخر 2019، كان موقف دولة الإمارات ثابتاً ومعيارياً تجاه الأزمة السياسية وأطرافها الرئيسية: دعم استقرار السودان وتنميته، والتسوية السياسية للأزمة، ومساندة التوافق بين المكونين المدني والعسكري، ومواجهة التخريب الإخواني في البلاد.

فعقب إجراءات 25 أكتوبر (تشرين الأول)، طالبت الرباعية الدولية للسودان، التي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا والإمارات والسعودية، بعودة الحكومة المدنية الانتقالية ومؤسساتها، وإنهاء حالة الطوارئ، واستعادة الشراكة العسكرية – المدنية، ودعم تطلعات الشعب السوداني نحو الديمقراطية.

والحق أنّ الرباعية الدولية، وفي مقدمتها دولة الإمارات، قادت التسوية السياسية في السودان، وشاركت في المشاورات التي تمخضت عن الاتفاق الإطاري الأخير. وكان ل«الرباعية» دور مهم في الوصول إلى الاتفاق، عبر اجتماعات نظمتها بين المكونات الفاعلة في العملية السياسية، وعن طريق مساعٍ حميدة ووساطات بينها.

وإثر توقيع الاتفاق السياسي الإطاري، رحبت دولة الإمارات، في بيانٍ لوزارة الخارجية والتعاون الدولي، بالاتفاق ومخرجاته، معربةً عن أملها في استكمال الفترة الانتقالية للتأسيس لاستقرار مستدام وتنمية حقيقية في السودان. كما رحبت الرباعية الدولية بالاتفاق، وحثت جميع الأطراف السودانية على بذل الجهود للانتهاء من المفاوضات بشأن حكومة مدنية جديدة منبهةً إلى أنّ هذا هو العامل الرئيسي لاستئناف مساعدات التنمية الدولية للسودان.

وثمة دور معياري مزدوج اختطته دولة الإمارات لنفسها في السودان. فأولاً، تتخذ الإمارات موقفاً ثابتاً ضد محاولات جماعة الإخوان، في ظل واجهتها الجديدة «التيار الإسلامي العريض»، لإفشال أية تسوية سياسية للأزمة توطئةً للسطو على الحُكم مرة أخرى. والأهم من ذلك هو الدعم الإماراتي المستمر لجهود التنمية في السودان. ففي 13 ديسمبر، تم توقيع اتفاق بين الحكومة السودانية وتحالف إماراتي اقتصادي لتطوير ميناء «أبو عمامة» على ساحل البحر الأحمر، في إطار حزمة استثمارية إماراتية قيمتها 6 مليارات دولار، تغطي إنشاء منطقة تجارة حرة ومنطقة صناعية وأخرى سياحية ومطار دولي ومجمع سكني ومشروع زراعي، وبناء طرق داخلية ومحطة كهرباء. وسوف يعود المشروع بفوائد للسودان بإتاحة فرص عمل (أكثر من 300 ألف وظيفة)، وتسهيل حركة التجارة الخارجية، وجذب الاستثمارات الأجنبية.

وفي الأخير، فإنّ جهود الإمارات وغيرها من أعضاء الرباعية الدولية لدعم التسوية السياسية في السودان، لن تؤتي أكلها ما لم تتوافق القوى السياسية على برنامج عمل تفصيلي على أساس الاتفاق الإطاري للخروج بالسودان من أزمته السياسية، وعبور المرحلة الانتقالية، التي طالت أكثر من اللازم، للتفرغ لجهود التنمية المستدامة في البلد الشقيق الغني بموارده البشرية والطبيعية والزراعية.

* متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية

جريدة الخليج الاماراتية

Comments (0)
Add Comment