د/زهيرعبد الفتاح يكتب ام السودانيات او سعاد الفاتح جاءت نشأة الحركة النسوية في السودان وتطورها استثناءً لافتاً؛ إذ لم ترتبط بدعوات التغريب والعلمنة كما هو الحال في سائر بلدان الإسلام، ولم تنسج على منوال هدى شعراوي وصويحباتها لأن نموذج سعاد بنت الشيخ الفاتح بن الشيخ محمد البدوي كان حاضرا باهرا ملء السمع والبصر، يخلب ألباب الطليعة من فتيات السودان ونسائه المتوثبات مجسدا المعنى الحقيقي لتحرير المرأة، انعتاقا من قيود التقليد وتأليه الموروث ،واستعلاء – في ذات الوقت – على وافد التسليع والامتهان والاستلاب في ركاب موجات التغريب والعلمنة اللئيمة التي نصب المستعمر أذياله دعاة وحراسا لها نيابة عن أجناده المتأهبين للانسحاب من على الأرض في أعقاب نهايات الحرب الكونية الثانية.
والذي لا شك فيه أن أقدار الله كانت قد أعدتها لهذه اللحظة التاريخية وهي تنشأ في بيت جدها شيخ الإسلام محمد البدوي لتتشرب معاني الدين الحركي الناهض الرامز للمقاومة الواعية والاعتداد بدين الحق الذي ينظم الحياة في كل وجوهها بغير ركون إلى ثقافة الغزاة المعتدين ولو شيئا قليلا ، إذ يقول بعض من سيرة الرجل الجهيرة كما أوردها قلم اللواء أبو قرون:
(والصحيح أن أول أذان رفع كان عام 1905-1906م في حفل أقامه الجنرال (فرنسيس ريجنالد ونجد) الحاكم العام على شرف زيارة الملك جورج الخامس. فقد فوجئ الحضور الذين كانوا متواجدين في حفل الشاي فوجئوا بالشيخ محمد البدوي يرتقي دكة في ساحة القصر ويرفع أذان المغرب. ونقول إن ذلك كان نهجاً درسه الشيخ محمد البدوي لتلاميذه وكان منهم الشيخ قريب الله أبو صالح الذي كان من أنجب تلاميذه. إن نهج الشيخ محمد البدوي شيخ الإسلام الأول في تعامله مع (الكفار) (المستعمرين) كان (إغاظة الكفار) وكذلك نهج (ينبغي أن لا يعلونا) فعل ذلك عندما شكت زوجة مفتش أم درمان الانجليزية عام 1903م والتي كان منزلها بالقرب من مسجد سيدي الخليفة المهدي، شكلت إلى زوجها أن المدائح وأحداث النوبات ونقرات الطار تطرد عنها النوم. فرفع زوجها الأمر إلى شيخ الإسلام فاستدعى الشيخ محمد البدوي كل شيوخ الطرق الصوفية الذين لهم خيام في المولد وأمرهم بأن يتوجهوا إلى منزل مفتش مركز أم درمان الانجليزي ويقيموا أذكارهم بنوباتهم وطاراتهم بعد صلاة العشاء إلى حلول موعد الفجر، وذلك كان تطبيقاً لمبدأ (إغاظة الكفار) . أما مبدأ لا ينبغي لهم أن يعلونا فقد حدثنا (ابنه مرجان) وهو غلام الشيخ ود البدوي – قائلاً كان سيدي الشيخ يسألني عندما أخبره بقدوم الحاكم العام أو مفتش المركز أو أي مسؤول انجليزي آخر، كان يسألني هل جاء راكباً أم راجلاً؟ فإذا قلت له جاء راجلاً يا سيدي يأمرني بأن أسدي (الحمار) ليقابله راكباً. وكان لا يفعل ذلك عند زيارة كبار المسؤولين المصريين. كان الشيخ محمد البدوي زاهداً وكان قليل الطعام وكان نحيفاً بشكل لافت للأنظار ويبدو ذلك في صورته التي نشرتها مجلة المصور عام 1902م مع الشيخ محمد عبده الإمام المصري عند زيارته للسودان، ولقد أُخذت الصورة أمام قبة الإمام المهدي المهدومة وقتذاك. ان كثيراً من فضائل الشيخ محمد البدوي التي تروى تسلب منه وتعطي لشيوخ آخرين وذلك من رواية سيدي خليفة المهدي قوله (الشيخ فلان يخاف مني ولا يخاف من الله) والشيخ ود البدوي يخاف من الله ولا يخاف مني) والنور عنقره لا يخاف مني ولا يخاف من الله. ومن ذلك رفض الشيخ محمد البدوي الفتوى بأن يقام سوق أم درمان بمسجد الخليفة المهدي وذلك راحة للمسلمين كما ذكر المستفتون (علماء السوء) قال الشيخ ود البدوي لا فقد صليت فيه الجمعة والجماعة (الفتوى موجودة بدار الوثائق ودار الافتاء). حدثتنا حبوبتنا أم الفاضل وأم الحنفي وأم الفاتح وأم الشيخ أن الانجليز قد دسوا له سماً يفعل فعله تدريجياً لأنه رفض فرض ضرائب على السودانيين فتوفى بتأثير السم عام 1911م عن عمر لم يكمل الثلاثة وستين عاماً).
ولذا فلا غرو ولا عجب أن يكون بعض من سيرة الحفيدة المجتباة من عند الله كما خطها الدكتور أمين حسن عمر في سلسلته مصابيح التنوير… شخوص ورموز :
(ولدت الدكتورة سعادة في أرومة بيت من بيوت العلم عريق هو بيت الشيخ البدوي في مطلع ثلاثينيات القرن الماضي في مدينة الابيض رغم وجود الأسرة في أم درمان وذلك لعمل والدها في ذلك الإبان هنالك وتلقت العلم في الخلوة في زمان ما كانت البنات يسمحن لهن بذلك ولكنها كانت في بيت جدها، وتلقت العلم في مراحله المتعددة وهي تنتقل مع والدها الذي عمل في وظيفة مرموقة في السلك الأداري. وكانت من المتفوقات دائما وقبلت بجامعة الخرطوم كلية الآداب في العام 1952 وتخرجت في العام 1956وعملت من بعد في التعليم الثانوي. وبسبب طبيعة عمل والدها؛ عاشت البدوي في عدد من المدن حيث أمضت فترة في كل من الأبيض البربر، عطبرة ثم العاصمة الخرطوم وأم درمان. أكملت تعليمها الثانوي بدعم من جدها ووالدها في زمان كانت كثير من الأسر تعترض على تعليم البنات خاصة إلى المستوى فوق الثانوي لكنها أكملت الثانوية وحصلت على بكالوريوس الآداب في جامعة الخرطوم ونالت هذه الشهادة المرموقة في عام 1956 باعتبارها واحدة من أول أربع نساء يحصلن على شهادة البكلاريوس من كلية الآداب.و عملت سعاد مُدرِّسة في المدارس الثانوية لفترة ثم إبتعثت إلى بريطانيا لاستكمال دراستها في جامعة لندن. وتخرجت في عام 1961 من مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن حيث نالت شهادة ماجستير في الآداب عن دراسة عن الأمام المهدي. وبعد عودتها من إنجلترا؛ عُينت سعاد البدوي رئيسة لقسم التاريخ في معهد المعلمين، ثم انتقلت في عام 1969 إلى المملكة العربية السعودية للعمل مستشارة لتعليم البنات لدى اليونسكو وعملت عميدة لكلية البنات الجامعية هنالك. وشاركت في إنشاء كلية التربية في الرياض. وعادت سعاد البدوي إلى السودان حيث أكملت دراستها للدكتوراه في اللغة العربية في جامعة الخرطوم ونالت درجة الدكتوراة ثم عملت في منصب نائب المستشار في جامعة العين بالإمارات العربية المتحدة ثم عادت إلى جامعة أم درمان في عام 1983 حيث عملت عميدة كلية البنات لتُصبح أول امرأة تشغل هذا منصب العميد في جامعة سودانية بعد أن عملت عميدة في السعودية. في عام 1990 حصلت د. سعاد على فرصة للدراسة ما فوق الدكتوراة باعتبارها باحثة ما بعد الدكتوراه في جامعة إدنبرة في اسكتلندا. وكانت أول أكاديمية من النساء السودانيات تحصل على درجةالإستاذية(بروفسير)
وكانت سعاد أول العضوات في الحركة الإسلامية عام 1952، وكانت في ذات الوقت ناشطة في القضايا السياسية وقضايا المرأة حيث كانت من المؤسسات للإتحاد النسائي في عام 1952 وعملت في مختلف المجموعات النسائية منذ 1950 . وظلت تمثل السودان في العديد من المحافل الدولية المعنية بشؤون المرأة وعملت مستشارة لليونسكو في هذا الشأن شمل نشاطها المشاركة في مؤتمر المرأة العربية عام 1956 ثم مؤتمر المرأة في الاتحاد السوفياتي عام 1957. وكانت غضوا في اللجنة التنفيذية أتحاد المرأة السوداني عندما كان موحدا ثم أنشأت في الستينيات بعد أكتوبر الجبهة النسائية الوطنية بعد الصراع مع الحزب الشيوعي الذي حاول السيطرة على حركة المرأة بعد أكتوبر خاصة بعد فوز أول نائبة برلمانية ممثلة للحزب وهي السيدة فاطمة أحمد إبراهيم.
وقد شغلت دكتورة سعاد البدوي بعد عودتها من الأمارات في عام 1981 مقعدا في مجلس الشعب وكانت أحدى أمراتين انتخبتا في الجمعية التأسيسية 1986 مع الراحلة حكمات سيد أحمد ،ثم شغلت دكتورة سعاد مقعدا في المجلس الوطني من 1996 إلى 2005 وانتخبت عضو في برلمان عموم أفريقيا عند تأسيسه عام 2004.
كانت د. سعاد ممن أسس جبهة الدستور وجبهة الميثاق الإسلامي ثم الجبهة القومية الإسلامية وظلت رقما بارزا في السياسة الوطنية طوال عقود ممتدة. كذلك عملت د سعاد في السلك الصحف و الإعلامي وأصبحت في عام 1956 أول رئيسة تحرير في مجلة المنار المجلة النسوية الأولى في السودان قادت في السنة التالية وفدا من الصحفيات السودانيات المشاركة في منتديات في فرنسا والمملكة المتحدة، واتواصل عملها الصحفي في الدعوة للحقوق والدفاع عن المرأة بالتزامن مع تحرير المقالات في مجلة المنار.كما أنتجت أعمالا في الإذاعة والتلفزيون وشاركت بكتابة عشرات المقالات في مختلف الصحف السودانية. وقد أسست د. سعاد الإتحاد النسائي الإسلامي العالمي في عام 1996 وترأس هيئته القيادية لأكثر من دورة. ودكتورة سعادة الفاتح البدوية ذات شهرة واسعة في مجال العمل النسوي عربيا وأفريقيا وقد درس عبلى يديها طائفة من الرائدات النسويات في العالم العربي وقد كرمتها النائبات في في برلمان عموم أفريقيا وأعتبرنها أم لأفريقيا تكريما لسيرتها الباهرة في العمل النسوي).
ألا رحم الله أم السودانيات ورمز ريادتهن وأم أفريقيا وعنوان عزتها، وجعل البركة في عملها وأثرها وعقبها نامية إلى يوم الدين.
د. زهير عبدالفتاح
الجمعة 23 ديسمبر 2022